يقولون إن «التشخيص نصف العلاج»، وهم هنا يقصدون أن فهم المرض، أو المشكلة، بشكل صحيح خطوة أساسية ومهمة فى عملية العلاج، وأنه إذا تم تحديد المشكلة بدقة، يكون ذلك بمثابة نصف الطريق نحو إيجاد الحل المناسب، وخلال السنوات الماضية أثبتت القيادة السياسية المصرية أنها تُتقن جيدًا «تحديد الداء»، وتعرف الطريق الأفضل لـ«اختيار الدواء»، ناهيك عن إدراكها فى بعض الأحيان أن «مرارة العلاج» ستكون حاضرةً، غير أنها، وبفضل تبنى الرئيس عبدالفتاح السيسى، استراتيجية «المكاشفة والمصارحة»، دائمًا ما تضع المواطن على «خط المعرفة الكاملة»، تضع أمامه تفاصيل ما يحدث، وتكشف له خطوات الوصول إلى «مربع الشفاء».
أزمات عدة مرت بها مصر خلال السنوات الماضية، بعضها كان خارجيًا، غير أن «القاهرة»، وبحكم دورها فى المنطقة والعالم، لم تكن بعيدةً عن التأثر بها، والبعض الآخر كان داخليًا، وبشهادات الخبراء والعقلاء، فإنها «ميراث قديم»، ورغم هذا فإن خروج الرئيس «السيسى» وحديثه الصريح عن الأزمة - أى أزمة بالمناسبة- دائمًا ما يكون «بداية الحل»، لا سيما وأنه منذ انتخابه رئيسًا لمصر تبنى سياسة «مصارحة الشعب»، وهى السياسة التى تتلازم معها دائمًا «خطط الحل»، فلم يحدث يومًا أن تحدث الرئيس عن مشكلة دون أن يكشف خطوات حلها، أو يطالب المختصين بـ«وضع روشتة علاج»، وهو ما انتقل سريعًا إلى حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، والتى بدأت تتخذ خطواتٍ ثابتة فى اتجاه «التنبؤ بالأزمات» و«تحديد التحديات».
«كورونا.. الحرب الروسية - الأوكرانية.. العدوان الصهيونى على قطاع غزة.. عدم استقرار الملاحة فى البحر الأحمر.. التراجع الاقتصادى.. وأخيرًا الحرب الإسرائيلية- الإيرانية»، جميعها أزمات لم تكن تأثيراتها السلبية بعيدة عن مصر، مع ملاحظة أن غالبيتها «خارجى»، غير أن «الجمهورية الجديدة» استوعبت «دروس الماضى» جيدًا، وأدركت أن «الاستعداد المبكر» من شأنه تقليل تأثير الأزمات وخسائرها أيضًا، ولهذا لم تتكبد مصر عناءً كبيرًا فى مواجهة «تداعيات جائحة كورونا»، ولم تتضرر بالشكل الذى توقعه الخبراء من تأثر سلاسل الإمداد على خلفية الصراع «الروسى - الأوكرانى»، واتبعت «الطريق الصحيح» فى إصلاح «ثقوب الاقتصاد»، وبالفعل نجحت - وبشهادة مؤسسات عالمية - فى الخروج بالاقتصاد المصرى من نفق «التراجع» ووضعه على «طريق التنمية».
«اختبارات مواجهة الأزمات» التى استطاعت حكومة «مدبولى» تجاوزها بنجاح، كان لها دور كبير فى ملاحظة الطبيعة التى باتت تتعامل بها الحكومة مع أى أزمة جديدة، والسرعة فى تجاوز «صدمة الأزمة» والبدء سريعًا فى اتخاذ خطوات «المواجهة»، ولعل ما أعلنه «د. مدبولى» خلال الأيام الماضية خير دليل على ذلك، فمع بدء الضربات المتبادلة بين «طهران» و«تل أبيب»، والتوقعات حول أن الأزمة لن تمر سريعًا، رئيس مجلس الوزراء، أصدر قرارًا بتشكيل «لجنة أزمات» برئاسته، لمتابعة تداعيات العمليات العسكرية «الإيرانية - الاسرائيلية»، بما يُسهم فى الاستعداد لأى مُستجدات بمختلف القطاعات.
وقد حذت وزارات عدة حذو «الحكومة»، منها على سبيل المثال وليس الحصر، وزارة البترول التى شرعت منذ بداية الأزمة فى تفعيل خطة طوارئ لضمان استمرار تدفق الغاز الطبيعى للقطاعات الحيوية، وتعاقدت مسبقًا على ثلاث سفن تغييز لتأمين احتياجات الدولة، إلى جانب توفير السولار والمازوت وكافة المشتقات البترولية.
ورغم أن مصر لا تواجه فى الوقت الراهن أى تهديد مباشر، فإن اللجنة تعمل بصورة استباقية ووقائية، ليس هذا فحسب، لكنها تضع فى اعتبارها عدة سيناريوهات، أبرزها تأثر سلاسل الإمداد العالمية، سواء فى مجال المواد البترولية أو السلع الغذائية الأساسية.
أخيرًا.. التحركات التى حدثت على أرض الواقع خلال الأيام الماضية، والسيناريوهات التى بدأت «لجنة الأزمات» فى إعدادها، جميعها تؤكد أن قيادة الدولة المصرية أصبحت تتقن قراءة المستقبل، وتضع خططًا استباقية وسيناريوهات مبكرة لأى احتمالات، وهو ما يدفعنا لإعادة التذكير بما سبق وأن طرحته «المصور» منذ عدة أشهر فى أحد ملفاتها حول الاحتياطى الاستراتيجى من السلع الرئيسية، ونجاح الدولة فى «كسر أرقام الماضى» وصناعة أرقام جديدة تستحق أن تُوضع فى خانة «إنجازات الجمهورية الجديدة».
