رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

شفافية فى إصدارها لحلول تمويلية مستدامة.. «الصكـــوك السياديـــة».. الولاية لـ«المالية» ولا بيع لأصول الدولة


19-6-2025 | 23:05

.

طباعة
بقلـم: د. وفاء على

لا تنفك الدول إلى البحث الدائم عن مصادر التمويل وتنويع المحفظة المالية الخاصة بها لسد الفجوة التمويلية التى تغطى احتياجات الموازنة العامة للدولة بشروط متميزة، وقد تأتى فى صور كثيرة منها تخصيص الأراضى بدون بيعها كضمانة لإصدار صكوك سيادية، وهنا تكون الأراضى تحت ملكية الدولة بشكل كامل التى تقام عليها مشروعات إنتاجية وخدمية وسياحية وعقارية بما يحقق عائدا اقتصادياً جيداً ومستمراً ودائما للدولة لصالح الأجيال القادمة، وتوفير فرص العمل وتحسين أوضاع المالية العامة وخفض المديونية الحكومية المستحقة، ودفع النشاط الاقتصادي وزيادة التنافسية وخفض نفقات التمويل، وإيجاد حيز مالى إضافى للإنفاق على الحماية الاجتماعية.

وفى ظل التحولات الكبيرة التى يشهدها العالم والتى ألقت بظلالها على الدول أجمع، لم يعد هناك مكان للجمود وعدم المرونة، لذلك وجب تغيير فكر الدول وخصوصاً فى عمليات التمويل وأدواته الخاصة، وأصبح لزاماً على الدول البحث عن أساليب التمويل المبتكر، فى ظل خضوع العالم لمنافسة قوية وتداعيات التضخم والضغوط المالية على موازنات الدول، نظراً لحجم التحديات التى تحدث فى الأسواق المالية، سواء محلياً أو عالمياً، مما يستدعى التصرف بكفاءة وفعالية، بحيث تتمكن الدول من إدارة نشاطها الاقتصادى وأدواتها المالية بأسلوب قادر على إدارة المخاطر، سواء اقتصادياً أو مالياً والقدرة على توليد شريحة جديدة من المستثمرين معتمدة على جودة ما تقدمه الدولة وتوسيع قاعدة القيمة المضافة، والقدرة على التغير مع الظروف والنشاط العالمى الاقتصادى المتحرك، والذى تعد مواجهته نوعاً من أنواع المعارك الشرسة التى تخوضها الدول.

من هنا جاء قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى رقم 303 لسنة 2025 لتخصيص جزء من أرض فى منطقة البحر الأحمر لوزارة المالية كضمانة لإصدار صكوك سيادية كأداة تمويلية ذات أثر إيجابى على مستوى الدين العام، وكوسيلة آمنة لتوفير الاحتياجات التمويلية، دون تحميل الموازنة العامة للدولة أعباء جديدة، مما يتماشى مع استراتيجية الدولة لخفض الدين العام ووضع سقف الدين الأقصى الداخلى والخارجى بما يضمن الاستدامة المالية والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.

والصكوك السيادية، هى واحدة من أدوات الهياكل التمويلية المتنوعة بين صكوك الإجازة والوكالة والمرابحة والمشاركة، وقد يكون المزج بين أنواع الصكوك ومستهدفات كل إصدار كأداة تمويل توافقية مع الشريعة الإسلامية وتحظى بارتفاع شهية المستثمرين ولها سوق فى الخليج وشرق آسيا بآلية مدروسة، وقد صدر قانون مصرى سنة 2021 لوضع هذه الآليات لإصدار الصكوك السيادية ومستهدفاتها، وهنا الولاية لوزارة المالية فى إصدار الصكوك بشفافية بفكرة جديدة مع الحفاظ على الأمن القومى بشكل كامل بفكر رشيد تحت شعار “نحن لا نبيع أصول الدولة”؛ بل نحسن استخدامها لخلق قيمة مضافة بحلول تمويلية ذكية ومستدامة.

وقامت مصر بطرح أول صكوك سيادية إسلامية بقيمة 1.5 مليار دولار وبلغت قيمة الاكتتاب فى الطرح حوالى 6.1 مليار دولار بمعدل تغطية أربع مرات حسب بيان وزارة المالية فى 22 فبراير عام 2023، وقد نجحت مصر ووزارة المالية فى إنشاء برنامج دولى لإصدارات الصكوك السيادية لعدة سنوات مقبلة بقيمة 5 مليارات دولار، وتم تسجيله فى بورصة لندن بتاريخ 14 فبراير 2023 وفقاً لما هو متبع فى الإصدارات الدولية للسندات، كونه أول إصدار للصكوك الإسلامية السيادية فى مصر .

وهنا يثار تساؤل حول أهمية الصكوك الإسلامية أداة من أدوات التمويل اللازمة. ونجيب: تعتبر الصكوك السيادية أداة تمويلية تلجأ إليها الحكومة لتمويل مشروعات بعينها من أجل تلبية احتياجاتها التمويلية، وهى تختلف عن السندات كأداة تمويلية أيضاً تطرحها الدولة بشكل مستمر، وهى تأتى فى إطار استراتيجية تنويع الحكومة موارد مصادر الموازنة العامة للدولة ولتمويل المشروعات التى تعكس حقيقة تنموية وقيمة مضافة تنعكس فى النهاية على الناتج القومى الإجمالى وبالتالى تؤثر إيجابياً فى الاقتصاد المصرى .

وقد بلغ إجمالى الصكوك السيادية حول العالم خلال عام 2019 حوالی 606.39 مليار دولار، وفى نهاية عام 2021 بلغت نحو 732.10 مليار دولار ما بين سيادية وشركات ومؤسسات مالية وهى تستخدم فى تمويل العديد من المشروعات .

وتدخل مصر عالم التمويل الإسلامى من أوسع أبوابه وذلك يأتى ضمن توسيع قاعدة المستثمرين فى الأوراق المالية الحكومية والتى تصدر بصيغ تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وفى إطالة لمتوسط عمر محفظة الدين. وتأتى ماليزيا فى المرتبة الأولى عالمياً فى إصدار الصكوك بنسبة 41.18 فى المائة، تليها السعودية بـ 22.40 فى المائة، ثم إندونيسيا 12.41 فى المائة، فتركيا بنسبة 9.45 بالمائة، وبنجلاديش 3.336 بالمائة، ثم باكستان بنسبة 2.31 فى المائة، ثم الإمارات بنسبة 2.02 فى المائة.

مفهوم الصكوك

إن إصدار الصكوك السيادية قائم على أساس حق الانتفاع للأصول المملوكة للدولة بمعنى بيع هذه الأصول (دون حق الرقبة) أو بنظام التأجير التمويلى أو يأتى بطريقة للحفاظ على أصول الدولة دون ملكية المستثمر لها أى عدم ضمان حصة مالك الصك فى الأصول وفقاً للشريعة الإسلامية.

اعتمدت الدولة القانون بعد الرجوع إلى هيئة الرقابة المالية بالتنسيق مع الوزارات المختلفة وأيضاً البنوك الإسلامية وذوو الخبرة فى هذا الشأن، وتم الرجوع للأزهر الشريف لصياغة قانون تتوافق جميع مواده مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

فالصكوك تساهم بشكل كبير فى تمويل الاقتصاد بوجه عام، وقد يتم الاعتماد عليها فى تمويل مختلف القطاعات خاصة قطاع البنية التحتية وهى تؤثر بشكل إيجابى على أهم المؤشرات الاقتصادية، سواء الناتج المحلى أو سد عجز الموازنة العامة للدولة، وهى أيضاً سبيل إلى تنشيط الأسواق المالية، وقد ظهر ذلك فى تجربة ماليزيا والإمارات وكذلك بريطانيا والدول التى تبنت صناعة الصكوك الإسلامية واستخدامها كآلية أو سياسة تنشيط أسواقها المالية وتطويرها.

كما أن الصكوك تقوم برفع كفاءة الأسواق المالية وتوسيع قاعدة المؤسسات المشتركة، ولا شك أننا فى طريقنا المثمر للبحث عن طريقة لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة قد وجدنا هذه الطريقة التمويلية التى تتوافق مع الشريعة الإسلامية وتطبيقها فى الأنشطة التمويلية والبنكية والاقتصادية وهى وسيلة «أكثر فاعلية» فى سداد عجز الموازنة العامة مقارنة بالسياسات الانكماشية التى تقترحها المؤسسات الدولية للدول المدينة، وهى حل بديل، وذلك كمادة جادة للدول من خلال مبالغ مالية تكون رافداً جديداً لتمويل عجز الموازنة. فمصر تعمل على تنويع مصادر وأدوات التمويل لخفض تكلفة الاستثمارات التنموية خاصة فى ظل الأزمة العالمية الراهنة بما تفرضه من ارتفاع فى تكلفة التمويل وتزايد حالة عدم التيقن لدى المستثمرين، ومن ثم تم وضع خطة للدولة المصرية فى تنويع التمويل والتى شهدت إقبالا بما يدل على الثقة فى صلابة الاقتصاد المصرى وقدرته على تحقيق مستهدفاته فى ظل التداعيات الاقتصادية العالمية الراهنة.

خريطة التمويل المستدام لمصر

لقد أصبحت مصر مع خريطة التمويل المستدام للاقتصاد الأخضر بإصدار أول طرح للسندات الخضراء السيادية الحكومية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقيمة 750 مليون دولار فى سبتمبر 2020 على النحو الذى أسهم فى جذب مستثمرين جدد ممن يفضلون الاستثمار الأخضر بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وشرق آسيا والشرق الأوسط.

وتم طرح أول إصدار لمصر من سندات الساموراى بالسوق اليابانية بقيمة 60 مليار ين يابانى بما يعادل نحو نصف مليار دولار على نحو جذب العديد من المستثمرين اليابانيين، حيث لاقت إقبالاً كبيراً بما يدل على ثقتهم فى صلابة الاقتصاد المصرى وقدرته على تحقيق مستهدفاته فى ظل التداعيات الاقتصادية العالمية الراهنة.

ولذلك جاء العزم والاجتهاد لاستقطاب شريحة جديدة من المستثمرين العرب والأجانب خاصة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا ممن يفضلون المعاملات المالية المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية بما يسهم فى توفير التمويل اللازم للمشروعات الاستثمارية المدرجة بخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالموازنة العامة للدولة.

حول الآثار الإيجابية لإصدار الصكوك الإسلامية السيادية فی تاریخ مصر. نقول: لقد شهد هذا الاصدار إقبالاً ملحوظاً من المستثمرين فى كافة أنحاء العالم وتقدم أكثر 250 مستثمراً يمثلون مختلف الأسواق العالمية بطلبات شراء، حيث إن هذا الإصدار جذب قاعدة جديدة ومن المستثمرين بدول الخليج وشرق آسيا إلى جانب الدول الأوربية وأمريكا، بالإضافة إلى جودة نوعية المستثمرين التى شهدها الطرح المتمثلة فى مديرى الأصول وصناديق التقاعد وصناديق التأمين والاستثمار والبنوك الذين يتمیزون باحتفاظهم بالاستثمارات على المدى الطويل.

ونجحت الدولة المصرية فى طرح أول إصدار من الصكوك الإسلامية السيادية فى تاريخ مصر، ويأتى ذلك فى ظل ظروف اقتصادية وسياسية عالمية صعبة وشديدة التعقيد مع ارتفاع تكلفة التمويل نتيجة لموجة تضخمية حادة على نحو يبعث رسائل ثقة واطمئنان قوية للأسواق المالية العالمية والمستثمرين فى الاقتصاد المصرى ومستقبله وقدرته على التعامل المرن مع التحديات الداخلية والخارجية.

واستعدت مصر لهذا الطرح من الناحية التشريعية بإصدار قانون الصكوك السيادية ولائحته التنفيذية لتوفير المظلة التشريعية اللازمة لاستحداث هذا النوع الجديد من التوريق المالى الحكومى توافقا مع مبادئ الشريعة الإسلامية بالتعاون مع البنوك الرائدة فى هذا الصدد والاستعانة ببيوت الخبرة التى درسنا معها كل الخواص الفنية والقانونية والتشريعية طبقاً للخبرة العالمية بما يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وتنص اللائحة التنفيذية على المبادئ الحاكمة ألا وهي: أن الأصول مملوكة ملكية خاصة للدولة وإشراف الشركة المصرية المالية للتصكيك السيادى وهى شركة مساهمة مصرية مملوكة بالكامل لوزارة المالية على هذه الأصول. توجيه حصيلة الإصدار للمشروعات الاستثمارية والتنموية المدرجة بالخطة الاقتصادية للموازنة العامة للدولة. العلاقة الطردية المالية الأخرى بالنسبة للصكوك وهى زيادة أداء المؤشر العام للسوق مع زيادة إصدار الصكوك وسوف تنعكس بالتالى على إصدارات البورصة المصرية وسوف تحقق عائداً أكبر من السندات التقليدية.

ولذلك فالصكوك أداة تمويلية مبتكرة وتعتبر تغييراً جوهرياً فى هيكل تمويل الدول ومصارفها ومؤسساتها المالية وهى أداة جيدة للتكامل بين مؤسسات التمويل جميعاً وهى أيضاً عملية تحويل الأصول المالية السائلة مثل القروض إلى أوراق مالية (الصكوك).

ونشأت فكرة الصكوك بسبب حاجة المجتمعات إلى مصادر تمويل مستمدة من الشريعة الإسلامية بدلاً من المصادر الأخرى المقترنة بفوائد ثابتة وتقوم على فكرة “التوريق “ وهو مصطلح اقتصادى يعنى تحويل قيمة الأصول إلى أوراق مالية يمكن تداولها فى السوق لتمويل مشروعات تنموية وهى سواء طويلة الأجل أو قصيرة الأجل أيضاً هى صكوك استثمار أو مضاربة أو مشاركة.

خاتمة القول: أن أهمية الصكوك تأتى من أنها تساعد على النهوض بالاقتصاد سواء نظرياً أو عملياً، أما نظرياً فهى استكمال لحلقات الاقتصاد بجانب التأمين والمصارف الإسلامية، وعملياً فوجودها يرفع الحرج عن المستثمرين الذين يطلبونها لتلبية احتياجات الدولة فى تمويل البنية التحتية بدلاً من الاعتماد على السندات وهى تثرى أسواق المال لأنها طرف مكمل للأسهم والجناح الثانى للبورصة، فضلاً عن توفير السيولة اللازمة للحكومات لتغطية عدد كبير من المشروعات التى تحتاج إلى تمويل طويل الأجل واستخدامها ضمن السياسات المالية والنقدية، كما تساهم فى خفض التضخم وإتاحة الفرصة لإدارة السيولة الفائضة لأن عملية إصدار الصك تعتبر عملية خارج الميزانية. ولا تحتاج لتكلفة كبيرة فى تمويلها وإدارتها وهى تساعد على الشفافية وتحسين بنية المعلومات فى السوق لأنه يتطلب العديد من الإجراءات ودخول العديد من المؤسسات فى عملية الإقراض.

 

الاكثر قراءة