«عندما تندلع الصراعات تتأثر سلاسل الإمدادات»، واحدة من النتائج الفورية التى سرعان ما تطفو على سطح الأحداث فور اندلاع أى صراع فى العالم، لا سيما إن كان أحد أطرافه فاعلًا فيما يتعلق بـ«الغذاء»، ومؤخرًا جاءت الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل لتكتب فصلًا جديدًا فى «أزمات سلاسل الإمدادات» والتى تابع العالم تأثيرها منذ بداية جائحة «كورونا»، ومرورًا بالحرب «الروسية - الأوكرانية»، ثم العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، ووسط هذا كله لم تقف حكومة الدكتور مصطفى مدبولى فى مربع «المتفرج»، لكنها ومنذ الأزمة الأولى أدركت أهمية «تأمين السلع»، والتأكد من عدم تأثر «المخزون الاستراتيجى» جراء الصراعات.
وفى هذا السياق، تتابع الأجهزة الحكومية بقيادة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، موقف توافر السلع والمخزون الاستراتيجى منها، وذلك تحسبًا لتضرر سلاسل الإمداد وحركة التجارة العالمية فى الشرق الأوسط بسبب تصاعد الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، وعلى الرغم من اشتعال تلك الحرب، فإن الأجهزة الحكومية والتجار والمستوردين أكدوا أن مصر لديها احتياطى استراتيجى يتجاوز 6 أشهر، إلى جانب الكميات التى خزّنها المواطنون من السلع قبل عيد الأضحى، بخلاف توجهات الحكومة لتنويع مصادر الاستيراد من دول بعيدة عن منطقة الصراع لضمان استمرار سلاسل الإمداد فى العمل دون انقطاع.
وفى إطار حرص الدولة على تأمين احتياجات المواطنين من السلع الأساسية، اجتمع الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، مع قيادات الشركة القابضة للصناعات الغذائية لمتابعة الموقف التنفيذى للمخزون الاستراتيجى من السلع التموينية والأساسية والاطمئنان على كميات التوريد والإنتاج وسلاسل الإمداد والتوزيع، وخلال الاجتماع تم استعراض مدى توافر السلع الأساسية فى المخازن وشركات الجملة، ومتابعة انتظام عمليات التوريد من الموردين وشركات الإنتاج يوميا، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين احتياطى استراتيجى آمن يكفى لفترات مطمئنة، مع رفع كفاءة منظومة التداول والتوزيع.
وفى رسالة طمأنة من وزير التموين، كشف الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، أن «مدد الكفاية الاستراتيجية من كافة السلع الأساسية تفوق حاجز الستة أشهر، وهناك بعض السلع يصل إلى 12 شهرا، مما يعكس جاهزية الدولة وقدرتها على التعامل مع أى مستجدات على الساحتين الدولية والإقليمية، أيضا يجرى التنسيق مع الشركة القابضة للصناعات الغذائية، ومنافذ المجمعات الاستهلاكية كافة، ومنافذ جمعيتى، وبقالى التموين لضمان استمرار ضخ السلع يوميا وبكميات مناسبة فى جميع المحافظات مع الحفاظ على جودة المعروض، كما كثفت الوزارة أعمال الرقابة الميدانية لضبط الأسواق، ومنع أى ممارسات احتكارية أو رفع أسعار».
وزير التموين، أكد أن «هناك تنسيقا بين الوزارة والقطاع الخاص ممثلة فى الغرف التجارية لضمان وفرة السلع، إضافة إلى تنويع مناشئ الاستيراد، ففى السابق كانت وارداتنا من القمح تعتمد على ثلاث دول، لكن حاليا نستورد من 22 منشأ، وبالتالى فإن تنوع تلك المناشئ أعطانا قدرة جيدة على المناورة خلال الأزمات العالمية، فهناك وفرة فى جميع السلع الأساسية تكفى احتياجات المواطنين لفترات آمنة ومطمئنة، فمصر تتميز بعلاقات جيدة مع كافة دول العالم، وخاصة المصدّرة للحبوب».
كما اتخذت وزارة التموين العديد من الإجراءات الاستباقية لتأمين احتياجات السوق المحلى من السلع الأساسية، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية بهدف الحفاظ على استقرار الأسواق وتوافر السلع بكميات كبيرة وأسعار مناسبة، وتعد مشروعات التوسع فى السعات التخزينية من الصوامع فرصة كبيرة لزيادة الاحتياطى الاستراتيجى من سلعة القمح والتى ما زالت عمليات التوريد مفتوحة أمامها، فهناك تقارير يومية يتم رفعها إلى القيادة السياسية لتوضيح حالة الأسواق ومدى وفرة السلع وتحركات الأسعار، وهناك غرفة عمليات مركزية بوزارة التموين لمتابعة الأسواق، ويتم التنسيق مع جهات حكومية متعددة، على رأسها القوات المسلحة، وجهاز مستقبل مصر، بخلاف القطاع الخاص لضمان توافر السلع على أرض مصر.
وفى هذا السياق، أشار سيد النواوى، نائب رئيس غرفة القاهرة التجارية، ونائب رئيس شعبة المستوردين، إلى أن «الحكومة نجحت فى الفترة الماضية فى تسهيل إجراءات الاستيراد، حيث وفر البنك المركزى الاعتمادات المطلوبة كافة، وبالتالى هناك وفرة كبيرة فى السلع خاصة من اللحوم والدواجن نظرا للاستعدادات المكثفة لاستقبال عيد الأضحى، والأهم أنه بخلاف وفرة اللحوم فى المحال ومنافذ الدولة أيضا، وكذلك التعاقدات المستمرة للاستيراد من عدة مناشئ، فنجد أن أغلب الأسر قامت بتخزين كميات جيدة من اللحوم فى منازلها بفضل الأضاحى، ولهذا لا توجد أزمة وفرة لكن أسعار السلع الفترة القادمة مرهونة بتحركات أسعار الوقود والدولار محليا، فإذا ارتفع الدولار فسيتم تسعير السلع بنفس الزيادة».
«النواوى»، لفت إلى أنه «حال شعور المستوردين بأزمة فى سلاسل الإمداد خاصة بدول معينة يتم البحث فورا عن أسواق بديلة بعيدة عن مناطق الصراع مع عمل دراسات متكاملة عن الجدوى والتكلفة الاقتصادية وجودة المنتجات، والأهم حاليا أن منطقة الصراع الإيرانى لا توجد لدينا تعاملات تجارية كبيرة معها تؤثر على استهلاكنا، ومن المنتظر نهاية الأسبوع الجارى إذا استمرت تلك الضربات المتبادلة أن تقوم الغرف التجارية بعمل لقاءات واجتماعات مكثفة لمتابعة الموقف الراهن، واتخاذ المزيد من التحركات الاستباقية لضمان استقرار الأسواق».
كما أوضح أن «الدولة المصرية لا تعتمد على مصدر واحد لاستيراد السلع، فأهم ما يميز سياسات الحكومة هو تنوع أذرع توافر السلع، فالقطاع الخاص يقوم بدور كبير فى سد فجوات الإنتاج لبعض السلع باستيراد كميات كبيرة، إضافة إلى الدور القوى لهيئة السلع التموينية وجهاز مستقبل وطن، كما أن هناك تنسيقا بين الحكومة والغرف التجارية لضمان توفير السلع دون المغالاة فى أسعارها، فالتجار يعلمون جيدا الدور الوطنى المطلوب منهم وقت الأزمات بدليل فترات الثورات فى مصر لم يشعر المواطنون بأى نقص سلعى، وأيضا الفترة القادمة ستشهد تكاتفا وطنيا لضمان استقرار الأسواق».
فى نفس السياق أوضح حازم المنوفى، عضو شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية، رئيس جمعية عين لحماية التاجر والمستهلك، أن «السوق المصرى متشبع بالسلع الغذائية، ومنذ خروجنا من عيد الأضحى وهناك حالة من الركود وضعف الطلب نظرا لتخزين أغلب الأسر كميات كبيرة من السلع قبل عيد الأضحى، بل هناك عروض وتخفيضات على أسعار بعض السلع حاليا، منها البيض ومنتجات الألبان والأرز».
«المنوفى»، عاد ليشدد على أن «توافر السلع لا يعنى الاتكال على ما لدينا، بل يجب أن تكون هناك تحركات حكومية عاجلة لضمان توافر تعاقدات عاجلة حتى تعوض أى استهلاك مرتقب للمخزون، مع تعويض أى نقص بشكل مستمر، ويجب أن تكون هناك تحركات استباقية للمراحل القادمة، فالأحداث العالمية غير مضمونة».
كذلك، أشاد «المنوفى» بالتوجهات الحكومية فى الفترات الأخيرة لتشجيع زيادة الإنتاج المحلى ورفع نسب الاكتفاء الذاتى، وبالفعل شهد إنتاجنا من السكر ارتفاعا رائعا، فنجد أن الاحتياطى من السكر يقترب من 11 شهرا وفقا لتصريحات حكومية. أيضا نجحت سياسة الحكومة لتشجيع مزارعى القمح لزيادة معدلات التوريد للحكومة بعد رفع أسعار التوريد لتتجاوز السعر العالمى، وبالتالى الناتج المحلى مع تنويع مصادر الاستيراد سيمنح السوق المصرى مرونة أكبر فى تجاوز تلك الأزمات الجيوسياسية.
«متابعة الأسواق وضمان وفرة السلع توجه حكومى ثابت لم يكن وليد الأحداث السياسية الأخيرة، فالحكومة مستعدة دائما»، هذا ما أكده الدكتور عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بغرفة القاهرة التجارية، عضو لجنة متابعة السلع الغذائية بمجلس الوزراء، وقال: هناك اجتماع شهرى بمجلس الوزراء لمتابعة كافة السلع الاستراتيجية التى تهم المواطن ولدينا وفرة فى كافة السلع تبدأ من 4 أشهر وتصل إلى 11 شهرا وتختلف من سلعة لأخرى، فنتابع الفول والعدس والسكر والأرز والقمح والزيوت والألبان والذرة والصويا، فمثلا زيت النخيل يكفى 9 أشهر، والقمح لا يقل عن 4 أشهر، والسكر يقترب من عام، وتلك الكميات ليست وليدة الصدفة، بل هناك توجيهات صارمة من الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أزمة وباء كورونا بضرورة مضاعفة المخزون الاستراتيجى للسلع الأساسية، ولهذا السبب لم نعانِ من أى نقص سلعى فى تلك الفترة وكذلك خلال فترة الحرب الروسية – الأوكرانية، وبالتالى لدينا إدارة رشيدة لملف السلع الغذائية، خاصة أننا نتبع سياسة تنويع مصادر الاستيراد، فلن نعانى من أزمة غذاء إذا طال أمد الصراع الإسرائيلى – الإيرانى، لكن المشكلة الوحيدة تكمن فى الغاز والطاقة، حيث ارتفعت أسعار الطاقة عالميا بما يؤثر سلبا على الأسعار، وخاصة السلع كثيفة استهلاك الطاقة مثل الأسمدة الأزوتية، وبالتالى تتأثر أسعار المنتج النهائى، لكننا لا يجب أن نستبق الأحداث فيما يخص الأسعار، فالأهم الوفرة السلعية.
«عبدالعزيز»، أوضح أنه «من المتوقع يتم التعجيل بالاجتماع الشهرى لمتابعة الأسواق، إذا استمرت الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران بضعة أيام إضافية لمناقشة المستجدات وأى تحركات مطلوبة الفترة القادمة».
من جهته، قال أحمد سمير، رئيس جهاز حماية المستهلك الأسبق: مصر تمتلك مخزونا استراتيجيا آمنا يقترب من 6 أشهر ذلك، بخلاف المخزون الخاص بالطوارئ للحالات الحرجة، وبالتالى لا توجد لدينا أزمة نقص فى المعروض، لكن هناك أزمة مرتقبة فى سلاسل الإمداد العالمية، وبالتالى يجب أن يكون للمواطنين دور كبير الفترة الحالية فى لحماية توافر تلك السلع لفترات أطول عبر اتباع سياسة ترشيد الاستهلاك، سواء شراء السلع الغذائية قدر الاحتياج، أو حتى ترشيد استهلاك الطاقة من كهرباء وبنزين خاصة مع نقص إمدادات الغاز الطبيعي، فمن الأفضل استغلال الإضاءة الطبيعية نهارا واستخدام الأجهزة الموفرة للكهرباء، حيث يساهم ذلك فى خلق أريحية أكبر فى إتاحة السلع، فبدلا من تغطية احتياجات البلاد ستة أشهر يمكن أن تزيد المدة إلى تسعة أشهر بالاستخدام الواعى والمنضبط، وبالطبع خلال تلك الفترة ستنتهى بالتأكيد مشكلات سلاسل الإمداد وتعود الأمور إلى طبيعتها، وهنا نكون نجحنا فى حماية الاحتياطى من الاستنزاف.
وتابع: أيضا الترشيد يمنع بعض التجار من أصحاب النفوس الضعيفة من استغلال الموقف لرفع الأسعار، حيث التكالب والتصارع على شراء السلع يدفع البعض لخلق شحية مقصودة فى الأسواق فيرتفع السعر، ولهذا يجب الانتباه إلى هذا الأمر بالشراء قدر الاحتياج، فالسلع متوافرة وآمنة، ولا داعى للقلق.
«سمير»، شدد على أن «الترشيد لا يعنى الحرمان والتوقف عن الشراء، لكنه يعنى امتلاك القدر من الوعى لتقليل إنفاقه الاستهلاكى عبر شراء الضروريات فقط وبكميات مناسبة لاستهلاكه منعًا للإهدار، وهذا الأمر لا ينطبق حاليا على الطعام والشراب فقط، لكنه يمتد إلى كافة السلع حتى الملابس، خاصة أن المصانع التى تنتج أى سلعة تحتاج إلى مزيد من الطاقة للتشغيل، وبالتالى تجب مراعاة حساسية المرحلة الحالية والتحديات الخارجية المحيطة بنا».

