المدينة كيان حى لا يهدأ، تعيش حراكا مستمرا، تتغير أحوالها وسكانها وشوارعها ومبانيها وميادينها وأسواقها، ودوما يكون قلبها التاريخى الذى يحمل تفاصيل حضارتها وثقافتها مطمعا وموقعا ثريا ترغب فى نيله أيادى التغيير والتطوير وأحلام الاستثمار، ومن أجل الوقوف ضد رياح التجريف وتحسين جودة الحياة وسط المبانى ذات الطابع المعمارى المتميز، تأسس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى خلال عام 2004، جاء ليحمى النسيج العمرانى للمدينة المصرية بكل ما تحويه من مبان وشوارع وحدائق وأشجار، يحمل على أكتافه مهمة حماية ما تملكه مصر من تراث حضارى ثقافى إنساني، ويضع حدا لجرائم التعدى عليه، وقف كدرع حماية يرفض كل تغيير أو تعد دون أن يمثل ذلك عقبة أمام التطور والتقدم الطبيعي.
سنوات طويلة مرت كى تقوى شوكته ويتمكن من أداء دوره باقتدار وكفاءة، كانت يداه مغلولتين بلا قانون قوى وضبطية قضائية تمكنه من تنفيذ القانون ضد المعتدى، واليوم باتت القوة فى يديه ورأيناها تتجسد فى وجهات عمارات القاهرة الخديوية «وسط البلد» وميدان التحرير، لكن هل هذا يكفى بعد 21 عاما من التأسيس وبلوغ سن الرشد، تحدث المهندس محمد أبو سعده رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، وكان الحوار التالى:
بداية، ماذا بعد أن بلغ الجهاز المسؤول عن وجه مصر الحضارى والمعمارى سن الرشد 21 عاما، هل اختلفت الرؤى والأهداف وطرق تنفيذها؟
عندما نستعرض رؤية جهاز التنسيق الحضارى خلال فترة عمله ورؤيته وأدائه بشكل عام نجد أنه يعمل على محورين أساسيين، نظرا لكونه جهازاً فنياً فى الأساس، يرسم الرؤى والسياسات ونضع التشريعات والضوابط والقواعد التى تحمى التراث المعمارى والعمرانى فى مصر، وهو الأمر الذى مكننا من وضع أسس ومعايير الحفاظ على المبانى التراثية، وهى المبانى ذات الطابع المعمارى المتميز، التى تمثل حقبة زمنية أو مدرسة معمارية أو طرازاً هندسياً أو مرتبطة بشخصية تاريخيّة، وبالتالى هناك خط فاصل ما بين المبانى الأثرية والمبانى ذات الطابع المعمارى المتميز، وخلال سنوات عمر الجهاز نجحنا فى حماية تلك المبانى من الضياع، فهى غير مسجلة كأثر، لكنها ذات الطرز المعمارية المميزة، كما أننى أشعر بالسعادة عندما أسترجع أرشيف السنوات السابقة وأجد أن هنالك مبانى متناثرة فى المحافظات بعيدا عن القاهرة نجحنا فى إنقاذها والحفاظ على طابعها التاريخى المتميز، وذلك فى الوجه البحرى والقبلى وكلها تمثل شخصية المكان، حتى بلغ عددها أكثر من 7000 مبنى على مستوى الجمهورية.
ما التحديات التى تحول دون زيادة عدد المبانى عن 7000 مبنى، رغم مجهودات الجهاز؟
يبدو أن العدد لم يزد، لكن فى حقيقة الأمر هناك مبانى خرجت من إطار الحماية، نظرا لأسباب منها فقد ملامح الطراز المعمارى أو عناصر تميزه أو نتيجة قرار قضائى نظرا لاعتراض ملاك المبنى، لكن الجهاز بالرغم من كثير من المقاومات والاعتراضات نجح فى إنشاء الأرشيف القومى للمبانى التراثية، وأصبح يمثل سجلا وطنيا.
وتظل القاهرة ووسط البلد هى درة مصر وعاصمتها، هل تعتقد أن الجهاز اهتمّ بها كما ينبغي؟
بالتأكيد.. القاهرة حظيت باهتمام جهاز التنسيق الحضارى حتى أصبح لدى مصر أرشيف توثيقى تاريخى كامل عن القاهرة ووسط البلد، حيث قمنا بعملية مسح معمارى ومساحى شاملين لكل مبانى القاهرة الخديوية والتاريخية، وبات لدينا كل المعلومات عن المبانى وما بها من عناصر معمارية وتاريخ بنائها والمهندس المعمارى الذى صممها وأهم الشخصيات التى سكنتها، ولو حدث أن فقدنا عنصرًا من عناصر أى مبنى من المبانى المسجلة نستطيع من خلال الأرشيف أن نسترجعه مرة أخرى.
دوما هناك مشاعر من القلق تنتاب المصريين عندما يتعلق الأمر بمنطقة «وسط البلد» فى ظل تدعيم فكرة الاستثمار وإعادة توظيف مبانيها القديمة بشكل سياحى أو استثماري، ما دور الجهاز فى حماية هذه المنطقة التى تمثل جزءًا من تاريخ القاهرة؟
لا خوف من الاستثمار على الإطلاق، بل بالعكس فإن جهاز التنسيق الحضارى يسعى إلى الاستثمار الذى يتوافق مع أسس وضوابط الحفاظ على الهوية المعمارية التراثية، علما بأن الضوابط تلك وضعها خبراء ومتخصصون وأصبحت ملزمة والدولة اعتمدتها، مع العلم أن الجهاز حصر المبانى التراثية والمناطق ذات الطابع المتميز بأكملها أيضا، كما وضع ضوابط لحمايتها وقواعد للتعامل معها، مثل بعض أحياء القاهرة منها المعادى وجاردن سيتى والزمالك ومصر الجديدة، ومدن أخرى خارج القاهرة مثل سيوة والإسكندرية وبورسعيد، وسعينا للعمل على المشروعات الرائدة مثل مشروع «تطوير وسط البلد»، ومشروع «تطوير شارع النبى دنيال» بالإسكندرية، وبعض الساحات والميادين الرئيسية، التى تمثل شخصية المحافظة مثل ميدان السيد البدوى، وميدان السيد إبراهيم الدسوقى فى كفر الشيخ، والميدان الرئيسى المطل على قلعة شالى فى واحة سيوة، وبالطبع ميدان التحرير، وبعض الأماكن فى مصر الجديدة.
هل الحماية تقتصر على الحفاظ على واجهات المبانى فقط، أم أنها تتطلب وضع قواعد واشتراطات لكيفية استغلالها أيضا؟
الحماية تمتد إلى ما هو أبعد من الواجهات الأمامية فقط، فمن المؤكد أن حماية التراث المعمارى لم تعد رفاهية، بل أصبحت جزءا من جودة الحياة، على سبيل المثال الاهتمام بجودة الطريق أو الشارع الذى يسيره فيه الناس، وجود رصيف مناسب يراعى البعد الآدمي، كما أن الحفاظ وإعادة التوظيف للمبانى التراثية يمثل مردودا اقتصاديا جيدا، وبالتالى يدفع ملاكها للحفاظ عليها، وهو ما حدث عندما عادت ممرات وسط البلد لتلعب دورا فى الحياة الثقافية المصرية، جمال واجهات المبانى وحسن استغلال الفراغات والمبانى المقاهى ومسارات أعاد لها رونقها مرة أخرى، لذا يقوم الجهاز بدعم كل المبادرات ومشروعات إعادة توظيف المبانى التراثية لأنها تمثل حماية لتلك المبانى والحفاظ عليها شرط الحفاظ على عناصرها المعمارية وعدم فقدانها لهويتها وعناصرها الأساسية، وإن وضعنا ضوابط وقواعد لذلك، فالمدينة حية بكل مظاهر الحياة داخلها لا نستطيع أن نقف أمام حركة التغيير داخلها، قاهرة الأربعينيات تختلف عن الخمسينيات أو الستينيات، هى مدينة تتغير بمرور الزمن، وبالتالى لا نستطيع أن نقف أمام عجلة الحياة، لكن نستطيع الحفاظ على هويتها وندعم عمليات التطوير أوإعادة التوظيف لمبانيها كى تظل على قيد الحياة.
«الاستثمار داخل وسط المدينة القديمة»، فكرة مقبولة كما نراها داخل المدن التاريخية الكبرى مثل روما، أثينا، إسطنبول وغيرها، لكنها لا تزال فكرة غير مقبولة وهناك مخاوف بين الناس منها، كيف يتعامل الجهاز مع تلك المخاوف؟
أولا كل المبانى التراثية والتاريخية محمية بقواعد وضوابط جهاز التنسيق الحضارى فلا يوجد مبرر لتلك المخاوف، وأدعوهم للسير فى شوارع قصر النيل وطلعت حرب وعبد الخالق ثروت ليروا كيف رفعت الدولة كفاءة الشوارع والميادين كى تقوم بإعلاء قيمة المبانى التراثية، ومن أجل ذلك اهتمّ الجهاز بزيادة الوعى بأهمية المبانى التراثية، قام بمبادرات للحفاظ على ذاكرة المدينة من خلال سلسلة من الإصدارات التى تسجل كل المعلومات، التى وثقناها عن المدن والأحياء والشوارع وما بها من مبان تراثية يكتبها المتخصصون وموجهة إلى غير المتخصصين، تقدم معلومات مبسطة لتوضيح أهمية وتاريخ المدينة، كذلك مبادرة «عاش هنا» من أجل روح المبانى ومن عاش بها حتى نجحنا فى توثيق أكثر من ألف شخصية ومكان إقامتهم داخل القاهرة وخارجها، كل المبانى التى عاشت فيها الشخصيات تحمل لوحة عليها معلومات عنها وكودا مرتبطا بتطبيق على الموبايل لمزيد من المعلومات، ثم طورنا الفكرة إلى مبادرة «حكاية شارع» عن شوارع ذات تاريخ وتحمل أسماء شخصيات ذات تأثير فى المجتمع، وذلك بالتعاون مع مركز المعلومات واتخاذ القرار من خلال إنشاء موقع يضم كل المعلومات عن الشوارع والشخصيات والمباني، وهذا نوع من الحماية والمعرفة.
لجأ جهاز التنسيق الحضارى إلى فكرة المسابقات مثل بينالى فينسيا للعمارة، التنمية المعمارية المستدامة وغيرها، من وجهة نظرك كيف يمكن لتلك المسابقات إرساء قواعد الحفاظ على الهوية المعمارية؟
عن طريق المسابقات والمعارض التراثية نحاول أن نؤكد أن الدولة المصرية تقوم بتكريم كل من يحافظ على الهوية المعمارية ونقدم له التقدير الذى يستحقه، كما أنها تتيح الفرصة لكل المهتمين بالمشاركة بأعمالهم وجهودهم، كى يتحولوا إلى نماذج يمكن الاحتذاء بها، مثل المبادرة التى أطلقها الجهاز بمناسبة اليوم العالمى للتراث وهى عبارة عن جائزة سنوية يتم تقديمها لأفضل ممارسات فى الحفاظ على الطراز المعمارى والعمرانى وإعادة التوظيف، وفيها سيقوم الجهاز بتكريم المشروع الفائز عن طريق وضع لوحة على المبنى الفائز، وذلك من أجل تشجيع الحفاظ على التراث المعمارى والعمرانى وحماية الهوية الوطنية والاستفادة من التراث كمورد أصيل من موارد وثروات الدولة، كما تستهدف الجائزة كل المجالات التى تتعلق بالحفاظ مثل «الترميم، إعادة الإحياء والتأهيل، إعادة التوظيف المتوافق، والبناء الجديد فى الوسط التراثي»، أملا فى تعظيم قيمة تلك المشروعات والاستفادة منها، وتطبيق أسس ومعايير دمج مفهوم التنمية مع الحفاظ، والاستدامة واستخدام مفهوم الابتكار والإبداع للحفاظ على تراثنا الثقافى المادى واللامادي، وتحقيق تنمية مستدامة اقتصادية واجتماعية وبيئية، والأهم هو خلق حالة من الحراك ونشر الوعى المجتمعى وروح الانتماء وتعزيز الهوية الوطنيه داخل محافظات مصر.
ولذلك نحرص على إقامة المسابقات حتى يتمكن الشباب من تقديم رؤيتهم ومشاركاتهم فى الحفاظ على التراث المعماري، منها مشاركات فى معارض فنون الفوتوغرافى على سبيل المثال، وأهمهم مسابقة المشاركة فى بينالى فينسيا للعمارة وهى تكشف عن حجم اهتمام الشباب بالتراث.
هل هناك اشتراطات معمارية أو معايير مختلفة لكل مدينة من مدن مصر؟
لكل مدينة شخصيتها المعمارية والعمرانية، لذا نقوم بإعداد دراسة بالتعاون مع المحافظات والجامعات لتوثيق الهوية البصرية للمدن المختلفة، حيث نضع رؤية للعمارة والعمران على مستوى المدينة الواحدة، على سبيل المبانى فى أسوان لها مواصفات لا تتناسب مع مبانى الدلتا ووجه بحري، لذا وجب وضع قواعد للبناء يراعى فيها طبيعة كل مدينة وهويتها البصرية وشخصيتها التى تنعكس العمارة والعمران، ونجحنا فى تحديد السبعة أقاليم فى مصر وطابع كل منها المعماري، وهو ما يمثل تراث المستقبل الذى يجب الحفاظ عليها من أجيال قادمة، وعلينا أن نترك لأبنائنا وأحفادنا مبانى تستحق التسجيل والتوثيق والحفاظ عليها، وعلينا أن نصنع تراث عمارة وعمرانا يستحق الحفاظ عليه ويمثل الشخصية المصرية وهويتها.
هل من يقوم بالبناء الجديد اليوم يراعى اشتراطات التنسيق الحضارى ويهتم بالهوية البصرية أو طابع المعماري؟
بالتأكيد هناك تجاوزات كثيرة فى مصر، وكما فيه تجاوزات هناك عقوبات أيضا، وهناك إجراءات يتم اتباعها لمواجهة كل من يتجاوز، لكننا لا نسعى إلى تطبيق العقوبات إنما نشارك فى تطبيق الحماية منذ البداية لتقليل فرص التجاوز، ونضع معايير للبناء فى كل منطقة على مستوى المحافظات من أجل توضيح المعايير، نعمل على زيادة الوعى والتركيز على أهمية الحفاظ على التراث المعماري، وما يحدث فى وسط البلد هو تطبيق واضح لمعايير جهاز التنسيق الحضاري، واجهات المبانى عادت مرة أخرى للحياة واكتسبت رونقها القديم، كذلك نجاح فكرة إعادة الاستغلال والاستثمار الجيد لتلك المباني، على سبيل المثال إن الإقامة فى فندق بوسط البلد داخل مبنى تراثى يعتبر أفضل بكثير من الإقامة داخل فندق جديد، دوما الإقامة بالفنادق التراثية يعتبر الأغلى سياحيا حول العالم، لأنه يعبر عن تاريخ البلد.
الأسواق الشعبية من الأماكن التى تجتذب حركة السياحة، كيف يمكن أن تتحول الأسواق المصرية الشعبية مثل العتبة والموسكى والأزهر لمواقع جذب يمكن للناس التجول داخلها براحة وحرية كما نراها داخل عواصم العالم؟
«ميدان العتبة» هى منطقة فاصلة بين القاهرة الخديوية ونهاية القرن الـ 19 والقاهرة التاريخية الإسلامية القديمة تحتضن تنوعا تجاريا وثقافيا وسياحيا كبيرا، فريدة من نوعها، لذا كان لابد من تدخل الدولة لرفع كفاءتها أولا، وبالطبع من الصعب إخلاؤها من الباعة الجائلين، وهم يمثلون شريحة كبيرة من المواطنين والمجتمع لا يمكن إقصاؤهم لأنهم جزء من اقتصاد الدولة، لكن يجب أن يكون وجودهم منظما ومناسبا للموقع الحضارى الذى يعملون داخله، المنطقة المحيطة تحمل تاريخا طويلا من التنوع الثقافى المصري، وهناك منطقة المسارح مثل المسرح القومى ومسرح الطليعة ومسرح الطفل، وهناك حديقة الأزبكية وسورها الذى يمثل سوقًا للكتب ويعتبر جزءا من تاريخ المنطقة.
هل العمل على مشروعات تنمية حضرية مثل وسط البلد أو ميدان العتبة يبقى تكاتفا فى جهود كل الجهات المعنية، أم لا يزال العمل يجرى وفق نظام جزر منفصلة؟
حقيقة لا أحد يستطيع إنكار جهود كل الوزارات المعنية فى الحفاظ وإعادة الأحياء لكل ما يتعلق بالهوية والتراث المعمارى والعمرانى بداية من وزارة الثقافة، ممثلة فى جهاز التنسيق الحضاري، وكل الوزارات ذات الصلة وفى مقدمتها وزارة الإسكان علاوة على دور المحافظة التى يقع فى حيزها المشروع وغيرها من الجهات الحكومية المعنية، ولو أخذنا ميدان العتبة كنموذج نجد أن تطويره شمل كل القطاعات، على سبيل المثال الدولة اهتمت بعودة الروح إلى حديقة الأزبكية، ونادى شيش السلاح وهو نادٍ تاريخي، وعودة الروح إلى منطقة المسارح، هذا إلى جانب تطوير وترميم واجهات المبانى التراثية ومنها عمارة «تيريج» الشهيرة، ومن المنتظر عودة الباعة إلى حركة البيع مرة أخرى بشكل منظم.
زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى خان الخليلى جذبت أنظار العالم وحركة السياحة إلى منطقة الأزهر والحسين، كيف يمكن استثمار ذلك؟
بالتأكيد تلك الزيارة قدمت دعما كبيرا لحركة السياحة العالمية، ولا يمكن إنكار مشروع تطوير ميدان وساحة مسجد الحسين ومشروعات الترميم داخل القاهرة التاريخية، والجهود المبذولة اليوم تحتاج إلى ضمان لاستدامتها حتى لاتضيع هباء، وهنا يأتى دور جهاز التنسيق الحضارى لتوفير الضمانات اللازمة لتحقيق الاستدامة لكل مشروعات التطوير والترميم والإعادة الاستغلال، وأعتقد أن شارع المعز لدين الله الفاطمى دليل واضح على ذلك، بعد الانتهاء من ترميم آثاره حدث له بعض التدهور، لكن اليوم هناك مشروعات لإعادة صياغة بعض المناطق فيه خاصة منطقة المقابلة لجامع الحاكم بأمر الله، كذلك نرى ذلك فى مسار آل البيت والمناطق المحيطة بمسجد السيدة نفيسة والسيدة سكينة ورقية.
هل هناك تصور للمنطقة بعد إزالة كوبرى السيدة عائشة؟
بالتأكيد بعد إزالته هناك مشروع لإعادة صياغة المنطقة ككل كى تتحول إلى منطقة مزار سياحى يمتد حتى جامع السلطان حسن ومنطقة قلعة صلاح الدين.
تحدثت عن حديقة الأزبكية ماذا عن بقية الحدائق التراثية كيف اهتمّ بها جهاز التنسيق الحضارى؟
الاهتمام بالحدائق التراثية ساعدنا بطريقة غير مباشرة على ترسيخ مفهوم الهوية الحضارية والنسيج العمرانى المميز لكل منطقة أو حى أو مدينة، ومن ضمن ذلك الحدائق القديمة التى كان تتميز بها مصر وفى مقدمتها القاهرة، لذا كان لابد من الاهتمام بتوثيق الحدائق التراثية على مستوى أقاليم مصر والتى يبلغ عددها 13 حديقة تراثية، البداية كانت كما قلت مع حديقة الأزبكية إلى جانب حدائق «الأسماك، الحرية، النباتات، الأورمان، الزهرية بالقرب من برج القاهرة»، وعدد من الحدائق داخل منطقة القناطر الخيرية.
من المبانى والعمارة إلى الأشجار، ما طبيعة مشروع تأسيس الأرشيف الوطنى للأشجار المعمّرة والنادرة فى مصر، وهل سيمثل نجدة للأشجار بعد حملات الإزالة الجائرة التى تعرضت لها خلال الفترة الماضية؟
الأشجار بالنسبة لجهاز التنسيق الحضارى جزء من التراث الطبيعى المصري، ولدينا على أرض مصر عدد كبير من الأشجار النادرة وعدد من الأشجار المعمرة لا يعرف قيمتها سوى المتخصصين نوعا ما، لذا بدأنا بوضع أسس ومعايير التعامل مع الحدائق التراثية، ثم وجدنا أن هناك أشجارا بعينها تستحق الحماية أيضا وليس الحديقة ككل، وبدأنا نعمل توثيقها وترقيمها وتاريخها وكيفية رعايتها، الحقيقة أن الجهد المبذول داخل حديقة الأزبكية كشف لنا عن حجم الثروة الطبيعية التى تمتلكها مصر، خاصة أنها تحتضن عددا من الأشجار النادرة التى عادت للحياة مرة أخرى، ولا ننسى جهد الدكتور ماهر استينو الذى صمم حديقة الأزهر، وشارك فى إحياء الأزبكية أيضا، وهو رئيس لجنة الحدائق التراثية، ويسهم فى حصر الأشجار النادرة والمعمرة.
كيف ستقومون بعملية الرصد والحصر والتوثيق للأشجار، وهل المعلومات ستكون متاحة للناس العادية؟
بالفعل عمليات الحصر تتم من خلال لجان متخصصة ومجموعات عمل ووضع معايير دقيقة لتصنيف الأشجار، وتنفيذ حصر ميدانى باستخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، إلى جانب التوثيق الثقافى والتاريخي، وإنشاء قاعدة بيانات رقمية وتطبيق إلكترونى وخريطة تفاعلية تسهّل الوصول إلى المعلومات، على سبيل المثال «شجرة المطرية»، أو «شجرة دير سانت كاترين»، بحيث يكون لكل شجرة بطاقة تعريف بتاريخها وأهميتها ومدى ندرتها لو هى شجرة نادرة أو عمرها لو هى شجرة معمرة، وفى الأرشيف نقوم بتسجيل كل شجرة على حدة، سواء كانت داخل حديقة تراثية أو داخل حديقة قصر أثرى مثل قصر الأمير محمد على بالمنيل الذى يحوى أشجار نادرة ومعمرة أو فى الشارع أو أمام مبنى، خاصة وأن الجهاز _ كما قلت_ انتهى من حصر وتسجيل الحدائق التراثية على مستوى الجمهورية، لكن فى الأرشيف الوطنى للأشجار النادرة والمعمرة نسعى إلى التسجيل والتوثيق وإقامة المبادرات للحماية مثل إقامة «عيد الشجرة» مثلا، وتفعيل القوانين التى تحمى الأشجار من عمليات القطع الجائرة، ونحاول وضع مرجع علمى لما تملكه مصر من ثروة من الأشجار كى نستطيع تطبيق قوانين الحماية عليها.
وكل ذلك يتم بالتعاون مع الجمعيات الأهلية المهتمة بالطبيعة والأشجار، مثل جمعية محبى الأشجار فى المعادي، خاصة أن حى المعادى يحتضن مجموعة من الأشجار النادرة وسط شوارعه، كذلك نتعاون مع كل الجهات المعنية والتى سبقتنا فى عمليات التوثيق مثل مركز بحوث الأشجار التابع لوزارة الزراعة إلى جانب كليات الزراعة فى الجامعات..
ما أشهر الأشجار النادرة والمعمرة التى تمتلكها مصر؟
شجر «الجميز والصفصاف وأم الشعور» هم الأشهر لكن الخبراء يؤكدون أن مصر تمتلك بعض الأشجار النادرة على مستوى العالم مثل بعض أشجار حديقة الأورمان، وهناك فرق بين الأشجار المعمرة والأشجار النادرة، طبعًا المعمرة هى التى يمتد عمرها سنوات قد تصل إلى مئات السنين مثل شجرة مريم بالمطرية، وهناك أشجار نادرة لا مثل لها إلا بأعداد قليلة على مستوى العالم، والحقيقة مصر تمتلك منها الكثير، وبالتالى فإن هدف الأرشيف توثيق الأشجار والتعريف بها وبأنواعها، حيث سيحدد الخبراء نوع الشجرة واسمها العلمى واسمها الدارج، ذلك للتأكيد على وجودها وبالتالى حمايتها، والأهم أن نتبادل المعلومات مع الأرشيفات العالمية للأشجار، علمًا بأن مصر تأخرت كثيرا فى تنفيذ مشروع الأرشيف الوطنى للأشجار، وهناك دول سبقتنا بسنوات مثل الأرشيف الإنجليزى الذى يتضمن تفاصيل عن كل شجرة.


