رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الفارق بين سامح حسين ورامز جلال


21-3-2025 | 10:57

.

طباعة
بقلـم: أشرف غريب

فى سنوات الثمانينيات والتسعينيات قبل أن تتغول الدراما التليفزيونية مع مطلع الألفية الجديدة مع هوجة القنوات الفضائية اللا نهائية، كان بالإمكان أن تجد فى كل رمضان برامج ناجحة ومهمة تجمع بين المتعة والتسلية جنبا إلى جنب مع روائع الدراما التليفزيونية التى لا تزال تحتفظ بطازجتها حتى اليوم، كان بالإمكان أن تجد بجوار رأفت الهجان وليالى الحلمية وبوابة الحلوانى برامج من قبيل «كلام من ذهب ويا تليفزيون يا وحوار صريح جدا»، أما اليوم فالأمر بات شاقا على أى برنامج يريد أن يطل برأسه وسط طوفان المسلسلات الأربعين أو ما يزيد كل عام، ولا يبقى منها إلا القليل الذى يستمر ذكر اسمه أسابيع فقط بعد انتهاء أيام الشهر الفضيل

 

وإذا فرضنا أن هناك برنامجا استطاع أن يخترق سياج الدراما الكثيف فلا بد أن يكون على شاكلة برامج المقالب وعلى رأسها برنامج رامز جلال، تسبه وتلعنه آناء الليل وأطراف النهار، قبل المشاهدة وأثناءها وبعدها، ومع ذلك تحرص على مشاهدته، والعلة هنا فيك كمتلقى قبل أن تكون فى محتوى البرنامج الذى بتنا جميعا على يقين من أنه تمثيلية هزلية سخيفة يتلذذ فيها رجل قليل الحظ فى التمثيل بتعذيب ضحاياه من المشاهير الذين ارتضوا من أجل المال هذه الحالة اللا إنسانية، وهذا هو أكثر الألفاظ تهذيبا فى وصف ما نراه يوميا على الشاشة، وهو أمر بحاجة إلى محلل نفسى بارع يفسر لنا واقع أطراف اللعبة الثلاث: المقدم والضيف والجمهور على السواء.

كان من البديهى وقد توفرت لبرنامج كهذا كل الإمكانيات أن يصبح برنامجا «جامد» على رأى نجم الكرة الشهير، وأى برنامج يمكن أن تتاح له تلك الظروف لا بد أن يكون «جامد» بصرف النظر عن المحتوى والهدف والقيمة التى يحملها فى زمن لم يعد الناس فيه يريدون أن يشغلوا بالهم بما هو نافع أو يدعو للفكر والتأمل واستخلاص العبر.

أما أن يأتى فنان بسيط لا يملك إلا موهبته وخفة ظله وقبوله عند الناس، ويضع نفسه أمام كاميرا دائرة وإضاءة وديكور يتسمان بالبساطة ليقول كلاما إنسانيا رائقا وراقيا يخاطب به مشاعر المتلقى ووجدانه ويحثه فى الوقت ذاته على إعمال الفكر واستلهام المعانى والقيم، فيحقق هذا النجاح الطاغى ويصبح حديث الناس فهذا هو الإنجاز العظيم، فما بالنا وهو لا يقدمه عبر شاشة قناة فضائية تصل إلى ملايين الناس بما تملكه من وسائل ترويج، وإنما عبر قناته على يوتيوب وروابطها عبر وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة، فهذا بحق إعجاز يجب أن ننحنى له احتراما، ونتوقف أمامه كى نفهم ما جرى .. أحدثكم بالطبع عن برنامج «قطايف» الذى يقدمه الفنان سامح حسين عبر صفحاته الشخصية، وإذا أردتم الدقة إنه ليس برنامجا بالمعنى المتعارف عليه، هو «ريلز» بلغة هذه الأيام لا تزيد مدته عن سبع دقائق تقريبا، ومع ذلك فهو كبسولة مختصرة ومكثفة لأفكار عميقة فى بساطتها، وبسيطة فى عمقها، تجنح أحيانا إلى قواعد التنمية البشرية، وتذهب فى أخرى حد التصوف أو الفلسفة، لكنها فى كل الأحوال تغلفها صياغة رشيقة وجذابة قام بها المبدع عبدالرحمن هيبة، واستوعبها بحب وإخلاص الفنان الموهوب سامح حسين.

كيف نحج إذن سامح حسين بلا إمكانيات تقريبا فى مواجهة الغث والرديء الذى اعتدنا على إدمانه كل عام؟ وماذا يمكن أن نخرج به من هذه التجربة الملهمة؟.

أولا: أثبت سامح وفريق برنامجه أن العملة الجيدة يمكن أن تجد لها مكانا رغم كل التحديات التى تواجهها، وأن الناس ليسوا جميعا بهذا السوء فى التلقى، أو تلك السلبية فى الاختيار، بدليل أن برنامجا بسيطا بلا راع أو كفيل غلب ملايين الدولارات التى تصرف هباء كل عام.

ثانيا: ومن هذا المنطلق فقد أعاد سامح حسين بقطائفه اللذيذة الثقة فى المتلقى المصرى الذى اتهم كثيرا بالسطحية وانحدار الذوق العام، والسعى وراء ما هو رائج دون تفكير أو اختيار وفقا لنظرية سياسة القطيع التى ظللت تجربتنا الإعلامية فى السنوات الأخيرة.

ثالثا: أظهر البرنامج قوة وسائل التواصل الاجتماعى وتأثيرها الكبير، فى زمن السماوات المفتوحة، وأنها سلاح قوى وفعال إذا أحسن استخدامه، فكم هاجمنا وانتقدنا هذه الوسائل واتهمناها بكل ما هو موبق وسلبى، وهذا صحيح، لكن جاءت قطائف سامح حسين لتؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعى كالسكين تستطيع أن تقتل بها، ويمكنك أيضا أن تقطع بها ثمرة الفاكهة لتأكلها وتهضمها بالهناء والشفاء.

رابعا: فعل سامح حسين ببرنامجه ما أوصى به متابعيه، لقد قال لكل متابع فى إحدى حلقاته: «صدق نفسك» وأنت سوف تنجح بالتأكيد، وهذا ما فعله، لقد صدقت أسرة البرنامج نفسها وآمنت بما تفعل، وبإمكانية النجاح وسط غول الدراما التليفزيونية، أو برامج رامز وأمثاله، ونجحت بالفعل، فاكتسبت احترام الجميع وتقديرهم، وقدمت تجربة ملهمة لكل من يبحث عن تحقيق حلمه، أو من يريد أن يقدم لغيره ما هو خير وأبقى.

وكل ما أرجوه ألا يضيع الأثر الطيب الذى أحدثته تجربة سامح حسين، وأن يتم التأسيس عليها من أجل التأكيد على قيمنا الإنسانية النبيلة، وتقديم رسالة إعلامية هادفة عميقة الأثر والتأثير.

 

أخبار الساعة