«مجاريح الهوى».. ما بين بزوغ قصة عشق وضحاها تسكن أعماق الفؤاد أوجاع الفراق بسهام القسمة وأقدار النصيب مؤكدة ما أوجزه المتنبى فى وصف «الحبيب بأن نصيبك فى حياتك من حبيب نصيبك فى منامك من خيال».
هكذا كان مصير الفنان الكبير محمود عزب الشهير بـ«عم نصر» فى المسلسل الرومانسى الرائع «قلبى ومفتاحه»، الذى تبوح عيناه بأبلغ معانى الحب التى عجز لسانه عن النطق بها لحبيبته طوال الحلقات، مكتفيًا بالتعبير عن حبه برسالة وضعها لحبيبته فى قرص الطعمية فتزوجها صديقه.
يروى «عزب» فى حواره مع «المصور» أن الشركة المنتجة كانت حريصة على تعلمه طريقة «قلى الطعمية» باصطحابهم له إلى أحد المطاعم بمدينة نصر لمدة يومين لإتقانه «قلى الطعمية»، وأنه اقترح أن يؤدى دوره من مخزون ذكرياته مع «عم نونو» صاحب المطعم المجاور لمدرسته بشبرا، معبرًا عن سعادته بإعادة المخرج تامر محسن اكتشافهفنيًا من خلال هذا الدور التراجيدى المأساوى الذى أبهر به الجمهور، إلا أنه يجزم بأنه لن يطلق الكوميديا.
يعترف «عزب» بأنه مر فى حياته بــ«الحب العذرى» مثل «عم نصر» أثناء دراسته فى المرحلة الابتدائية إلى أن رزقه الله بزوجته «وش السعد» عليه التى لم يكتب لها أية رسائل غرامية لكنه كان يسطر بعض الأشعار فى أسر هواها.
ما أسباب اختفائك وعودتك للساحة الفنية؟
بالفعل ظللت بعيدًا عن الساحة الفنية منذ تقديمى لبرنامجى التلفزيونى «نجوم الأسمرات» منذ ثلاث سنوات، لأن ابتعادى عن الساحة الفنية أو عودتى إليها مسألة قدرية تتعلق بتيسير الخالق عز وجل لى، ولكن منذ بدايتى بالعمل فى مجال المنوعات الفنية كنت حريصًا على اشتراكى بين الحين والآخر فى أعمال فنية أخرى فى المسرح والسينما والتلفزيون، لأننى كنت أضع فى حسبانى دائمًا أننى لن أظل أعمل بمجال المنوعات فى الحفلات والأفراح لأنه سيأتى علىّ وقت وأكبر فى السن، لذا كنت حريصًا على أن أحصل على دورات تدريبية فى فن التمثيل من خلال اشتراكى فى أعمال فنية أخرى، لكى أصقل موهبتى فى التمثيل، وأعود للمنوعات بين الحين والآخر، لذلك أصف اشتراكى فى مختلف الأعمال الفنية الأخرى بأنها كانت بمثابة «كورسات» تدريبية أهّلتنى لإعادة اكتشافى فنيًا من خلال دور «عم نصر» الطعمجى فى مسلسل «قلبى ومفتاحه» والذى يعبر عن محصلة خبراتى داخل الوسط الفنى، وأعتبر نجاحى فى جميع أعمالى بمثابة وحى من الله عز وجل وليس شطارة منى، حيث إننى كنت أمثل شخصيات لمسئولين ووزراء لم أكن أعرفهم بشكل شخصى، ولكننى كنت أشاهد لهم فيديوهات فأركز على تفصيلة من تفاصيلهم لكى أقدمهم للجمهور بشكل مقنع، وهذا ينطبق أيضًا على شخصية «عم نصر» فى مسلسل «قلبى ومفتاحه».
كيف تم ترشيحك للاشتراك فى مسلسل «قلبى ومفتاحه» ولماذا تم تغيير اسمه قبل رمضان بأيام قليلة؟
فوجئت باتصال تليفونى من مدير إنتاج الشركة المنتجة يبلغنى بأن المخرج تامر محسن يرغب فى التحدث معى تليفونيًا فطلب منى مقابلته، وسألنى عن إمكانية تفرغى للعمل معه فى هذا المسلسل، فرحبت وتفحص وجهى، وسألنى عن سنى ونظر إلىّ، قائلًا: إننى الشخصية المكتوبة ضمن أحداث هذا المسلسل، وأبلغنى بأنه تم اختيارى ما بين سبعة عشر ممثلًا كانوا مرشحين لأداء دور «عم نصر»، وأن سبب اختياره لى لأننى أشبه هذه الشخصية جدًا المكتوبة ضمن أحداث هذا المسلسل، وبالطبع أسعدنى ذلك جدًا لأنه أعاد اكتشافى فنيًا.
كان عنوان هذا المسلسل بشكل مؤقت هو «الحب كله»، وتم الإعلان عن اسمه الحالى «قلبى ومفتاحه» قبل حلول شهر رمضان بنحو ثلاثة أيام لدرجة أننا فوجئنا كممثلين بهذا العنوان الجديد، وقد سعدت جدًا بهذا العنوان الجديد المأخوذ عن أجمل أغانى المطرب الكبير فريد الأطرش، خاصة أننى أحب كل أغانيه، وأكثرها قربًا لوجدانى هى أغنية «قلبى ومفتاحه».
كيف استعددت لأداء دورك بالمسلسل خاصة أنك ظهرت وكأنك «طعمجى محترف»؟
استندت فى استعدادى لأداء هذه الشخصية إلى شقين؛ أولهما استعدادى النفسى لشخصية «عم نصر» صاحب مطعم الفول والطعمية، ووجدت أننى لا بد أن يكون من أهم سمات هذه الشخصية التحدث بصوت منخفض وهذا يتطابق مع طبيعة تحدثى مع الآخرين، بالإضافة إلى أننى ذهبت لمدة يومين من خلال الشركة المنتجة لأحد مطاعم الفول والطعمية بمدينة نصر لكى أتقن طريقة قلى الطعمية لأن «عم نصر» طعمجى شاطر جدًا، وبالفعل أتقنت قلى الطعمية فى أربع ساعات خلال هذين اليومين، وكان حرص الشركة المنتجة على تعلمى قلى الطعمية لأنهم كانوا حريصين على أن أظهر أثناء أدائى لهذا الدور فى صورة «طعمجى محترف»، وتعلمت أثناء هذه التجربة طريقة «قلى الطعمية» فقط وليس تصنيع عجينتها، ولا أخفيك سرًا بأن كل العاملين بالمسلسل كانوا يأكلون من الطعمية التى كنت أقوم بقليها أثناء تصويرى هذا المسلسل، أما استعدادى الخارجى فكان من خلال إطلاقى للحيتى التى اشتعل الشيب فيها، واختيارى لطريقة المشى، واستغليت خبرتى فى المكياج التى اكتسبتها من خلال كل أعمالى السابقة لإظهار التجاعيد فى وجهى، بالإضافة إلى الملابس التى كنت أرتديها والطاقية التى جعلتنى أقترب من الشكل الحقيقى لمعظم مَن يعملون فى مطاعم الفول والطعمية.
هل محمود عزب استوحى أداءه لشخصية «عم نصر» من «طعمجى» تعامل معه خلال حياته؟
اقترحت فى بداية تصويرى بالمسلسل على المخرج بعض الملامح لشخصية صاحب مطعم يُدعى «عم نونو» كان مطعمه يقع بجوار مدرستى الابتدائية بميدان فيكتوريا بشبرا، حيث كان يستحوذ على إعجابى، إلا أن أداءه كان يختلف عن «عم نصر» فى كونه يتحرك بسرعة أثناء إعداده السندوتشات لطلبة هذه المدرسة، حيث كان يعد لمائة طالب هذه الوجبات أثناء خروجهم من هذه المدرسة، فصورة هذا الرجل ظلت ضمن مخزون ذاكرتى منذ أن كنت طالبًا فى المرحلة الابتدائية، إلا أن المخرج تامر محسن ضحك عندما حكيت له عن «عم نونو»، قائلًا لى إن طبيعة «عم نصر» الشخصية تتميز بالهدوء عكس شخصية «عم نونو»، لأننى لو أديته بهذه السرعة فلا بد أنها ستنعكس على تصرفات «عم نصر» فى كل ردود أفعاله، خاصة أنه يخشى أن يصرح لمحبوبته بحبه لها فكيف ستكون تصرفات وسلوكياته سريعة؟
ومن ثم قدمت «عم نصر» بناء على رؤية المخرج تامر محسن له، وأعتز جدًا بتجربتى الفنية معه لأنه أجاد استثمار كل تاريخى الفنى بتقديمه لى بهذا الشكل الجديد الذى ظهرت به من خلال «عم نصر»، لذلك فإننى مدين لهذا المخرج العبقرى بإعادة اكتشافه لى فنيًا أثناء عملى معه فى هذا المسلسل، ولا أبالغ إذا قلت إنه استطاع أن يبروز تاريخى كله من خلال «بورتريه عم نصر» فالمخرج تامر محسن راهن علىّ فنيًا، وربنا أنصفنى بعد شقا السنين الماضية بهذا المسلسل الذى لاقى قبول واستحسان الجمهور.
هناك مَن يرى أن ظهورك فى هذا المسلسل أصاب جمهورك بالدهشة؟
لأن جمهورى كان يتوقع أن دورى به سيغلب عليه الطابع الكوميدى، إلا أن المخرج فاجأ هذا الجمهور لأنه قدمنى لهم بهذا الشكل الجديد الذى لم أكن أتخيل نفسى سأقدمه فى حياتى.. وبالمناسبة المخرج جعلنى أركز على التمثيل من خلال استخدامى الجيد لتعبيرات عينى لأن لغة العيون أفصح من اللسان فى التعبير عن الحب، بالإضافة إلى أنها تعبر عن لغة المشاعر، والفضل فى ذلك يرجع للمخرج الذى جعلنى أطمئن إلى حد ما بأننى سأنجح، إلا أننى فى الوقت نفسه لم أكن أتخيل أن أنجح بهذا المستوى الكبير، وما أسعدنى جدًا ردود أفعال الجمهور الجميلة، حيث تعاطفوا مع أدائى لـ«عم نصر» الذى أبكاهم فى بعض مشاهد المسلسل.
لماذا اختزل المسلسل التاريخ الدرامى لقصة حب «عم نصر» فى العبارة التى كتبها لحبيبته فى قرص الطعمية «بحبك يا مهجة من وانت لسه بضفاير»؟
فعلًا، المخرج والمؤلفة اختزلا التاريخ الدرامى لقصة حب «عم نصر» فى هذه العبارة التى كتبها لحبيبته فى قرص الطعمية بناء على نصيحة صديقه الشناوى له بهذه الفكرة الجهنمية بإرساله هذه الجملة لحبيبته داخل قرص الطعمية. وبلا شك أن هذه العبارة أيقظت داخل نفوس الجمهور كل قصص الحب العذرى التى مروا بها خلال حياتهم.
هل مررت فى حياتك بتجربة الحب العذرى؟ ومَن هذه الحبيبة التى أحببتها من طرف واحد؟ وهل زواجك يمثل هذه التجربة؟
من المؤكد أننى مررت بتجربة الحب العذرى حيث عشتها منذ أن كنت طالبًا فى الصف الثانى الابتدائى، لأننى كنت أحب زميلتى فى الفصل والتى تربطنى بها علاقة الجيرة أيضًا، لأنها كانت تقطن داخل مربع سكنى بشبرا، وظللت أحبها دون أبوح إليها بهذا الحب إلى أن افترقنا عندما التحقنا بالمرحلة الإعدادية، ولكن حبها ظل يطاردنى لسنوات طوال قبل زواجى، وما زلت أمتنع عن البوح باسمها لأنها تزوجت من أحد جيرانى، وحتى الآن لا أحد يعلم أى شيء عن هذه القصة على الإطلاق، وهذه الحبيبة لم تكن بضفائر ولكن كانت تسريحة شعرها «ديل حصان».
حتى جاءنى عوض الله عز وجل عنها بأن تعرفت على زوجتى «وش السعد» علىّ بالمصادفة أثناء تواجدى فى مكان ما فتزوجتها، وبدأنا رحلة كفاحنا سويًا داخل أصغر شقة، عشنا بداخلها فى منطقة إمبابة لمدة ثمانى سنوات، إلى أن اجتهدت وانتقلنا إلى مدينة نصر، وفى فترة خطوبتنا لم أكتب لزوجتى أى رسائل غرامية، ولكننى كنت أكتب فيها بعض الأشعار وأقوم بإلقائها إليها عندما نتقابل وأنجبت منها ثلاثة أبناء، وقد أنهوا تعليمهم، ومن ثم فإننى أنهيت دورى كأب ولذلك فإننى أمارس الفن الآن من أجل المتعة الشخصية لى، لأننى أحب التمثيل والفن بصفة عامة، كما أننى كنت أستشعر نفسى خلال السنوات الماضية وكأنى مثل أية ماكينة جيدة الصنع ولكنها غير مستغلة بالشكل الجيد، إلى أن جاء المخرج تامر محسن، وأزال من عليها غبار الزمن.. ومن هذا يتضح مدى شطارة هذا المخرج فى كيفية استغلاله لإمكانيات ممثليه المجهولة.
لماذا اتجهت لأدوار التراجيديا رغم أنك اشتهرت بالأعمال الكوميدية؟ وهل طلقت الكوميديا؟
بالعكس لم أطلق الأعمال الكوميدية باتجاهى إلى التراجيديا، ولكننى أثبت نفسى فى الكوميديا من خلال الأعمال التى قدمتها من قبل، وهذا الرأى وجدته يتطابق مع وجهة نظر المخرج تامر محسن، قائلًا: «أنت أضحكت الناس» سنوات طوال وأثبت أنك ناجح كفنان كوميديان، ولكن دورك فى هذا المسلسل مختلف تمامًا عن مجمل أعمالك التى سبق لك تقديمها، ولذلك فإنك ستبكيهم بقدر ما أضحكتهم لأنك ستجسد دورا يحمل أبعادا ودلالات إنسانية وسيجعلك أكثر قربًا من كل مَن سيشاهدونك فى مسلسل «قلبى ومفتاحه»، ورغم أن أدائى كان مختلفًا لهذا الدور عن سابقة أعمالى، فإننى لم أجد أية صعوبة فى أدائى التراجيدى له، بل إننى سعيد جدًا به.
هناك مَن يرى أن أحداث هذا المسلسل كان يغلب عليها طابع الكوميديا السوداء؟
بالفعل، كان أدائى له بمثابة كوميديا سوداء لأننى أضحكت الجمهور على مآسى «عم نصر»، لدرجة أننى فوجئت ببعض المحيطين بى يبلغوننى بأنهم كانوا يبكون متأثرين أثناء ظهورى فى مشهد زواج «الشناوى من مهجة حبيبة عم نصر»، إلا أنهم أخذوا يضحكون عندما رأونى أشرب «الويسكى الحلال.. ماء السلطة»، وكأنى أتجرعه لكى أسكر وأنسى إحساسى بمرارة مشهد هذه الزيجة، وما دعم تأثر الجمهور بهذا المشهد هو توظيف المخرج لأغنية «إنت الحب» لأم كلثوم فى خلفية هذا المشهد.
أداؤك لـ«عم نصر» بهذا الشكل المأساوى جعل البعض يستعيد ذكرياته مع أغنية الفنان الكبير الراحل عبد المنعم مدبولى «زمان وكان يا ما كان» من فيلم «مولد يا دنيا» فهل تأثرت بمدبولى فى اتجاهك للتراجيديا بل إن البعض يرى أن أداءك يذكره بدموع العندليب الأسمر فى فيلم «الوسادة الخالية» وسعد عبد الوهاب فى فيلم «علمونى الحب»؟
لم أكن أتخيل بأننى سوف أتجه لأداء أدوار التراجيديا، ولكن الله عز وجل منحنى هذه الفرصة، لأن إجادتى لهذا الدور تعد مسألة قدرية وليست شطارة منى، لكن ربنا أنصفنى بعد شقا كل هذه السنين الماضية من حياتى ومشوارى الفنى، وأدائى لشخصية «عم نصر» أعتبره بمثابة حلم حياتى الذى كنت أطمح إليه لكى أصل للجمهور بدور مختلف وبعيد عما قدمته إليهم من كوميديا.
ويشرفنى ويسعدنى ما يردده البعض بأن أدائى لهذا الدور الرومانسى جعله يتذكر معاناة العندليب الأسمر فى فيلم «الوسادة الخالية «والفنان سعد عبدالوهاب فى فيلم «علمونى الحب» لأن ذلك دليل على نجاحى لأدائى الجيد لهذا الدور.
ألم تخشوا من أن يهاجم البعض مسلسلكم لأنه يتطرق لفكرة المحلل المرفوضة دينيًا واجتماعيًا كما أنه سبق للفنان عادل إمام تقديمها فى فيلم «زوج تحت الطلب»؟
كان لزامًا علينا أن نواجه هذه المشكلة الاجتماعية بطرحها دراميًا من خلال مسلسل تلفزيونى هادف، لأنها تشغل بال المجتمع حتى لو كان قد سبقت مناقشتها من خلال عمل فنى من قبل مثل فيلم الزعيم عادل إمام «زوج تحت الطلب»، الذى ناقش هذه القضية المجتمعية بملمح كوميدى، عكس ما تتطرقنا إليه من معاناة حقيقية يعانى منها البعض، وتناولنا لقضية «المحلل» يغلب عليها الطابع الإنسانى والاحتياج المجتمعى لها، أما الزعيم عادل إمام فقدمها من منظور كوميدى من خلال «المحلل المأجور».
هل هناك نية لتقديمكم جزءًا ثانيًا من مسلسل «قلبى ومفتاحه» لكى تستثمروا نجاحه؟
لا أعتقد ذلك لأنه كان من باب أولى أن نقدم هذا المسلسل فى ثلاثين حلقة بدلًا من خمس عشرة، خاصة أن ديكوره ما زال قائمًا داخل مدينة الإنتاج الإعلامى، وتكلف حوالى أربعين مليون جنيه، وربما يكون أكثر من ذلك.


.