رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«افرح يا قلبى».. قصة للروائية علوية صُبح


27-3-2025 | 01:07

.

طباعة
بقلـم: يوسف القعيد

هذه رواية من لبنان وعنه وعن همومه فى نصٍ روائى جميل. كتبته الروائية اللبنانية علوية صُبح. وعنوانه: افرح يا قلبى. أما السلسلة التى نشرتها فى الهيئة المصرية العامة للكتاب، فهى سلسلة الإبداع العربي. وتبدو معنية بإبداعات الكُتَّاب الأشقاء العرب من غير المصريين. ورئيس هيئة الكتاب هو الدكتور أحمد بهى الدين، والمسئول عن السلسلة التى نشرت هذه الرواية المهمة على عطا رئيس التحرير، ومدير التحرير عادل سميح، وسكرتير التحرير نشوى أحمد.

ورغم أن عدد صفحاتها يصل إلى 334 صفحة من القطع المتوسط، إلا أن ثمنها لا يتجاوز الـ 85 جنيهاً. وربما رأى البعض أنه غالٍ، ولكن أعتقد أن الرواية تستحق دفع هذا المبلغ.

 

صاحبة الرواية شخصية أدبية معروفة، وُلِدت فى بيروت. وعملت بالصحافة. ورأست تحرير مجلة الحسناء اللبنانية، ولها روايات كثيرة غير هذا النص منها: نوم الأيام نصوص قصصية منشورة سنة 1986، مريم الحكايا 2002، دنيا 2006، اسمه الغرام 2009، أن نعشق الحياة 2021.

والكاتبة معروفة عربياً لدرجة أنه أُطلِقت جائزة باسمها فى جامعة تاتوان فى المغرب عام 2016، والجائزة تُقدم لأفضل النقاد العرب الشباب، وصدر عن أعمالها الأدبية كتابان فيهما أفضل المقالات التى نُشِرت عنها بالعربية.

وربما كانت رواية: افرح يا قلبى، أول ما يُنشر لها فى القاهرة. وهذا يدفعنى إلى شُكر رئيس هيئة الكتاب الدكتور أحمد بهى الدين، لأنه يُمكِّننا بالفعل من قراءة الجديد فى النتاج الروائى العربي.

مقدمة إدوارد سعيد

وهذه الرواية لا تخلو من المفاجآت المدهشة والمُفرحة، فلها مقدمة كتبها الدكتور إدوارد سعيد، كتب فى هذه المقدمة:

- بيتى القُدس، الإنسان الذى لم يعد له وطن يتخذ من الكتاب وطناً يقيم فيه. إن الغالب كان شعورى الدائم أنى فى غير مكاني، عاتبٌ على أهلى لأنهم لم يسمحوا لى بالانخراط فى مجتمعى الذى نشأت فيه. وبالتالى لم يتسن لى معرفته معرفة وثيقة.

ويكمل إدوارد سعيد فى مقدمته الخطيرة والمهمة ومع هذا لم يُثبت على غلاف الكتاب أنه صاحب مقدمة له، يكتُب:

- ليس لدىُّ مشكلة مع الهوية، فلدى هويات متعددة، أنا فلسطينى وعربى وأمريكي.

إن الشعور بالهوية مجموعة من التيارات الجارية أكثر منها بمكانٍ محدد أو مجموعة ثابتة. ومن المؤكد أن ذلك ينطبق على تجربتي. المنفى هو قسرية لا تتجسر فى الكائن البشرى وموطنه الأصلي. بين النفس ووطنها الحقيقي، ولا يُمكن التغلُّب على الحزن الناجم عن هذا الانقطاع أياً كانت إنجازات المنفى فإنها خاضعة على الدوام لإحساس الفقد.

هل المنفى مقولة الجغرافيا؟ - مقولة التغيير فى المكان فحسب؟ أم هو التباس قسرى على المستوى السيكولوجى وشرخٌ فى الوعى ومن ثم تحولٌ فى الرؤيا إلى الذات والعالم؟ هناك تنوع من التمييز العُنصرى بالموسيقى. أعتبر أن زماننا تفرَّد فيه كون الموسيقى. الموسيقى تُعطيك الجمال لتهرب من الحياة من ناحية وأن تفهم الحياة بشكلٍ أعمق.

كانت تلك هى مقدمة إدوارد سعيد القصيرة والمُركَّزة، ومنْ يهتمون بعالم الرواية العربية المُعاصرة يعرفون قيمة إدوارد سعيد وأهمية مقدمته.

أول الرواية

تبدأ رواية علوية صبح هكذا:

- يا عازف العود. رفقاً منك بالوتر. وابكِ على فتية. شابوا منذ الصِغر.

والمؤلفة تجعل بطلها رجلاً. تصفه وهو يركب سيارة ولا يدرى هل ما يراه حوله حقيقة أم خيال؟ لأنه كان متوتراً ضائعاً وأعصابه مشدودة، لا يهمه أن يرى شيئاً خارج النافذة. ومع هذا لم يكن يريد أن تودِّع عيناه أى مشهد. يريد لهما أن تمحوا كل الصور والمشاهد التى اختزنتها شاشاتهما.

كان فى حضنه عوده المُغطَّى بقميصه من القماش الأبيض. نظر إليه ولامسه، دائماً يلتمس رجاءً مما هو هارب منه. لا يعرف لماذا أخذه معه؟ لم ير نفسه فى المرآة قبل أن يُغادر البيت، كان غاضباً ومسرعاً، تسبقه خطواته إلى الرحيل الأبدي، شعر أن ملامحه المبعثرة تعزف لحناً شاذاً لطالما نفر منه وكرهه طول حياته. وطنين الكآبة المزعج يرن فى أذنيه.

روايات الحروب

فى هذه الرواية تحاول الروائية تتبع ما تُحدثه الحروب من تصدعات وشقوق تستشرى فى جسد الوطن والبيت والعائلة. وحتى فى النفس الإنسانية ذاتها على مستواها الفردي. وكل هذا يُنتج لنا هوية مأزومة بالتشظى والهزيمة، يندفع صاحبها تحت وطأة الغضب للهروب من خارج حدود الذات، وربما المكان أيضاً.

وهو ما حدا بغسان الشخصية الرئيسية فى رواية علوية صُبح الذى شهدت طفولته الحرب الأهلية اللبنانية لمحاولات الفكاك من وثاق الجذور، وقيد المكان، وسطوة الذاكرة، عبر الرحيل عن بلدته دار العز، حاملاً عوده ومتجسراً بموسيقاه إلى نيويورك بحثاً عن هوية جديدة وثقافة مغايرة لتعيده أزمة أخيه إلى ما حاول التحرر منه، وتستعديه على كل ما هو غربى.

وما إن يعود إلى بلدته حتى يسقط من جديد فى حُفرة من التناقضات والصراعات التى يتشاركها هو وإخوته. ليُدرك أن صفحة الماضى لم تنطوِ بعد. وأن الأمس – رغم مروره – دائماً ما يجد طريقاً للعودة والظهور.

روائية الجوائز

حصلت الروائية علوية صُبح على عدد كبير من الجوائز العربية وغيرها العالمية. أولها جائزة السلطان قابوس للإبداع الروائى عام 2008، ثم جائزة سلطان العويس للأدب عام 2019، ثم وصلت روايتها: أن تعشق الحياة إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للأدب عام 2021، ووصلت روايتها: مريم الحكايا، إلى القائمة القصيرة لجائزة إيبرد العالمية فى لندن للأدب المترجم إلى الإنجليزية سنة 2017.

وأُطلقت جائزة باسمها فى جامعة تاتوان فى المغرب عام 2016 لأفضل النقاد العرب الشباب. وصدر كتابان نقديان عن أعمالها فيهما أفضل المقالات التى كُتِبت عنها. واختارت إحدى دور النشر الإيطالية رواية: اسمه الغرام، للمؤلفة من بين المائة رواية الأكثر جمالاً وتأثيراً فى تاريخ الأدب منذ عام 1999 بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الدار.

البداية والنهاية

تبدأ الفصل الثانى من روايتها: ما دام تحب بتنكر ليه/ دا اللى يحب يبان فى عينيه/ تصدَّعنى وتهجرني/ وأكلمك تهرب مني/ وإن غبت يوم تسأل عني/ أعرف هواك ساعة لقاك من طول جفاك.

وهكذا تبدأ نصها الروائى بأغانى أم كلثوم، والأغانى القديمة، أغانى فيروز وصباح ووديع الصافى وسميرة توفيق، وكل المطربين اللبنانيين الجُدد. وتحب أيضاً المطربة شادية فى أغنيتها: القلب يحب مرة/ ما يحبش مرتين.

وكما بدأت روايتها بالوصول إلى البلاد، فهى تُنهيها بسفرٍ آخر. تكتُب:

- الطائرة تُحلِّق به على ارتفاعٍ عالٍ جداً، ها هى الموسيقى التى حلُمت أن أؤلفها وأعزفها تكتمل وأنا بين السماء والأرض، يا لا الغرابة. آلات شرقية وغربية والعود بينها فى لحنٍ أسطوري، هو الآن عزفٌ كامل فى أذنى دون تصور سابق أو هاجس فى التفكير به. يتناثر فى الفضاء بعد عنونة «عزيزى الإنسان تعلو رقاب البشر جميعاً وهم يسمعونه من الغيوم ويُطربون له دون أن يدركوا أى غيمةٍ تعزف»؟!.

إنها رواية عن الرحيل بعيداً عن المكان. خاصة عندما يكون هذا المكان وطناً تربطه بالإنسان أجمل أشكال الحُب.

أخبار الساعة