رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ساعة جامعة القاهرة «دقات التراث على نغمات التاريخ»


27-3-2025 | 00:41

.

طباعة
تحقيق وعدسة: محمد السويدى

تتبوأ جامعة القاهرة، مكانة مميزة محلياً وإقليمياً وأيضاً دولياً، كذلك لساعتها العريقة تاريخ وجدانى لدى المصريين، يتعلقون بها فى أذهانهم، عند سماع دقاتها فى الراديو على رأس كل ساعة خلال إذاعة البرنامج العام، ولعل أبرز تلك الدقات، عندما تدق أجراسها فى الساعة السابعة صباحاً، والجميع ينصرفون من بيوتهم إلى أماكن عملهم ومدارسهم وكلياتهم.

الساعة تدق، ويقول مذيع الراديو: «أعلنت ساعة جامعة القاهرة السابعة تماماً».. هكذا بقيت ساعة جامعة القاهرة تشكل ذكريات جميلة لدى المستمعين، وتزداد هذه الذكريات عذوبة وأصالة لدى طلاب وأساتذة الجامعة العريقة، والعاملين بها، أجيال وأجيال على مدار عقود طويلة منذ العمل، منذ دقات الساعة عام 1937م وحتى الآن، لا تنقطع دقاتها أبداً، إنها ثانى أقدم ساعة فى العالم من هذا النوع، بعد ساعة «بيج بن» اللندنية فى عاصمة الضباب، وتحظى الساعة باهتمام خاص من رئيس الجامعة الدكتور محمد سامى عبدالصادق.

 

(المصور)، تكشف وتوثق بالكلمة والصورة - عبر السطور الآتية، مما تتكون ساعة جامعة القاهرة، كم ارتفاع مبناها، آلية تشغيلها، والخطوات اللازمة لتسجيلها كأثر تاريخى ضمن قائمة التراث العالمى بمنظمة اليونسكو؟، وقصة زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وصعوده إلى أعلى برج الساعة - وقت زيارته لجامعة القاهرة فى عام 2009م.

من جانبه، أيمن حسين صالح، الفنى المسئول عن تشغيل وصيانة ساعة جامعة القاهرة، قال إن الساعة لا تعمل بالكهرباء، وإنما ببطاريات ذات قدرة 60 فولت، والساعة كانت متصلة فى الماضى بساعات موجودة فى مبنى قبة جامعة القاهرة وبكليات العلوم والآداب والحقوق والمكتبة المركزية القديمة ومبنى الإدارة، وبمرور السنين تلفت تلك الكابلات، فانقطعت الصلة بين ساعة الجامعة والساعات الموجودة داخل تلك الكليات، موضحا أن الساعة المسئولة عن تشغيل ساعة الجامعة أعلى المبنى، تتواجد أسفل الأخيرة، وهى على النظام الإنجليزى بارتفاع يتجاوز مترا ونصف المتر، وبجوارها مفاتيح وكابلات الساعات القديمة التى كانت متصلة بتشغيلها فى المبانى والكليات المشار إليها، وتقوم تلك الساعة بإرسال الذبذبات إلى جوانب الساعة الرئيسية الأربعة.

وأوضح أيمن حسين، أن ارتفاع الساعة يبلغ 42 مترا، أى ما يعادل عمارة سكنية مكونة من 14 طابقا، ونظام عملها يتم وفقا لحركة ميكانيكية، عبارة عن مجموعة تروس تسلم بعضها البعض فى التشغيل، إذ إن كل جزء من الموتور يسمح بأن تدق الساعة فى فترات زمنية معينة، فنجدها كل ربع ساعة تدق 4 دقات، وبعد نصف ساعة تدق 8 دقات، وبعد 45 دقيقة تدق 12 دقة، وبعد مرور ساعة كاملة تدق 16 مرة، وبعد ذلك بنحو30 ثانية يقوم الموتور الكبير الخاص بالساعات بالعمل، فعندما تصبح الساعة الواحدة، تدق دقة واحدة، وعندما تصبح الساعة الثانية تدق مرتين، وفى الساعة الثالثة تدق ثلاث مرات، وهكذا دون اختلاف بين الساعة الواحدة صباحاً والساعة الواحدة ظهراً، أو الساعة الرابعة فجراً والرابعة عصراً.

وتابع أيمن حسين صالح، حديثه قائلاً: «تضم ساعة جامعة القاهرة خمسة أجراس كبرى، بأعلى مبنى الساعة ومدونا عليها عبارة (أقامتها مصلحة الطبيعيات فى حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول 1937م)، وأجزاء الساعة بالكامل مصنوعة فى إنجلترا، وهى مطابقة تماما لساعة «بيج بن» فى قلب عاصمة الضباب لندن، مشيرا إلى أن الموتور الرئيسى المشغل للساعة وأجراسها، مصمم بنظام عمل يسمح باستمرار عمل الساعة فى حالة تعطله لمدة 48 ساعة، وهو وقت كاف جداً لإصلاح أسباب العطل، وهنا من الممكن استخدام الذراع اليدوية لإحداث دقات الربع ساعة، مشيراً إلى عمل صيانة دورية لأجزاء الساعة من مواتير وتروس وسلك الوير المثبت فى السقف مرتين على الأقل فى السنة، وذلك باستخدام الجاز والبنزين، وبعض المكونات تحتاج إلى شحم، وتتم أعمال الصيانة بمعرفتى أنا وزميلى محمد سعيد، ولم يسبق خلال سنوات عملى بالساعة أن تمت الاستعانة بفنيين من مديرى ساعة «بيج بن» فى لندن ولا من أى جهات أخرى، بل بالعكس تمت الاستعانة بنا فى صيانة ساعة فنار الإسكندرية والمنشأة عام 1903م، وهى مزودة بثلاثة أجراس، مضيفاً أن «جزءا وحيدا فقط فى مجموعة الميكانيكا للساعة تم تغييره بآخر تم تصميمه فى ورشة الخراطة بنفس درجة الصلابة بعد أن أصبحت سنونه «مبرية» - حسب قوله.

المسئول الفنى لساعة جامعة القاهرة، أضاف قائلاً إن الساعة تضم مجموعة زئبق لتوصيل الكهرباء والمسافات البينية لتروس الساعة الرئيسية تشير إلى زمن الساعة وتكون سبباً فى عقرب الساعات ودقاتها، فالساعة الواحدة ترس واحد، والساعة الثانية «ترسان»، والساعة الثالثة قبلها 3 تروس، والساعة الرابعة 4 تروس، وهكذا وصولا لعدد التروس بين الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة، والذى يبلغ 12 ترساً.

وبالنسبة لعدة الصيانة الخاصة بأجزاء الساعة الميكانيكية، علق أيمن حسين، قائلاً: «لدينا عدة أجزاء تم جلبها من بريطانيا عند تركيب ساعة الجامعة قبل 88 سنة، وهى مكونة من 3 مفاتيح صغيرة واثنين من المفاتيح الكبيرة، وطقمى زوايا والألكيهات الخاصة بها، بالإضافة إلى المشحمة والمزيتة.

وواصل أيمن حسين حديثه قائلا: إن الرئيس الأمريكى باراك أوباما قام بزيارة برج الساعة وصعد السلم الحديدى الضيق إلى أعلاه حيث منطقة الأجراس، وذلك عندما قدم إلى جامعة القاهرة وألقى خطبته الشهيرة من داخل مبنى القبة الرئيسي، وكان ذلك خلال زيارته الأولى إلى مصر عقب توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فى 2009م، وانبهر «أوباما» بمبنى الساعة وبدت عليه سعادة غامرة وهو يقف فى منطقة الأجراس، واستمع إلى آلية تشغيل الساعة ومكوناتها الميكانيكية وعقاربها المختلفة فى الثوانى والدقائق والساعات، مشيراً إلى أن ساعة جامعة القاهرة كانت متصلة قديماً بالإذاعة المصرية كبث مباشر حي، ولكن الآن أصبحت دقات الساعة مسجلة وتذاع فى البرنامج العام بشكل منتظم.

بدوره، قال الدكتور عبد العزيز سالم، وكيل كلية الآثار جامعة القاهرة والخبير الدولى فى التراث، إن آلية التشغيل فى ساعة جامعة القاهرة منذ إنشائها عام 1937م، تتم وفق نظام هيدروليكى، كان سابقا لأوانه فى تلك الفترة، وهى أقدم ساعة فى العالم من هذا النوع بعد ساعة «بيج بن»، ويتعين ضمها لقائمة التراث العالمى باليونسكو، أسوة بالساعة البريطانية، نظرا لتوافر كافة الاشتراطات التى تجعلها ضمن القائمة التراثية التاريخية، لاسيما وأن عددا من مبانى جامعة القاهرة موجودة ضمن قائمة الآثار الإسلامية مثل مبنى القبة، وساعة الجامعة، والمكتبة المركزية القديمة، وكلية الآداب، وكلية الحقوق.

وأضاف د. عبدالعزيز سالم، أن منظمة اليونسكو وضعت 10 معايير كشرط لانضمام الأثر إلى قائمة التراث العالمي، وإذا تحقق واحد منها على الأقل، يتم الضم فوراً، وتعد جامعة القاهرة - الجهة الوحيدة المنوط بها التقدم بطلب انضمام ساعة الجامعة لقائمة التراث العالمي، لا سيما وأن الشروط تنطبق عليها، فإعادة تشغيل الساعة بالنظام الهيدروليكى القديم يمنحنا الأحقية فى المطالبة بالضم، ورغم الكم الهائل من الآثار التى تتمتع بها مصر، إلا أن سبعة مواقع أثرية منها فقط هى المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي، بواقع ستة مواقع تراث ثقافى وهى (الأهرام وسقارة، سانت كاترين، الأقصر، أبوسمبل، القاهرة التاريخية، دير أبو مينا بالإسكندرية)، وموقع واحد تراث طبيعى وهو وادى الحيتان بالفيوم، مضيفا أنه وفقاً لقانون حماية الآثار فى مصر، فإن أى مبنى يحتوى على قيمة فنية وتاريخية، ومر 100 سنة على إنشائه يصبح أثراً تاريخياً.

بينما علقت الدكتورة فكيهة الطيب هيكل، أستاذة الكيمياء الفيزيائية بعلوم القاهرة والحائزة على جائزة نكروما العالمية لأفضل علماء إفريقيا، مؤكدة أن سبب تصنيع أجراس ساعة جامعة القاهرة من البرونز، نظراً لقدرته الفائقة على مقاومة الصدأ والتآكل وعوامل التعرية الناتجة عن التغيرات البيئية فى الهواء، فهو مكون من 88 فى المائة نحاس و12 فى المائة قصدير، كما أن الاحتكاك والطرق على معدن البرونز يحدث صوتا قويا مصحوبا بصدى صوت مميز، ويلعب سمك الجرس الكبير دورا فى ذلك، وهو ما لا يتوافر بنفس القدرة فى معادن أخرى.

واستعادت «هيكل» ذكرياتها مع ساعة جامعة القاهرة، قائلة: «عرفتها وسمعت صوتها قبل الالتحاق بكلية العلوم فى عام 1961م، فقبل ذلك التاريخ كنت أسمع أجراسها فى الراديو مصحوبة بعبارة «دقت ساعة القاهرة»، وأسمعها عن قرب أيضا كلما مررت بجوار الجامعة، وعندما كبرت والتحقت بها، صارت ساعة جامعة القاهرة جزءا لا ينفصل من حياتي، لا يتجزأ عن حبى وعشقى لجامعة القاهرة، حيث الرقى والشموخ، ورغم مرور 60 عاما على تخرجى وعملى بها طوال تلك السنوات الطويلة حتى أصبحت أستاذا متفرغا للكيمياء الفيزيائية والأمين العام للجنة قطاع العلوم الأساسية بالمجلس الأعلى للجامعات، لكن أظل أحدّث نفسى قائلة: «ربنا ما تحرمنى من جامعة القاهرة ولا من ساعتها التاريخية»؛ إذ إنها محفورة فى ذهنى بذكرياتها الجميلة.

واتفقت معها الدكتورة سرفيناز أحمد حافظ، مديرة المكتبة المركزية بجامعة القاهرة، حيث قالت إن ساعة جامعة القاهرة جزء مهم فى حياتي، سواء كنت تلميذة أو أستاذة جامعية، فمنذ أن كنت طالبة بكلية الآداب، كان والدى - رحمه الله- يصطحبنى فى سيارته من منطقة المنيل حيث نقيم، مروراً بكوبرى الجامعة وحتى باب الجامعة الرئيسي، فأسمع ساعة الجامعة وهى تدق وتطرب أذنىّ لرنين الساعة بصدى صوتها الجميل والمهيب فى نفس الوقت، وهو نفس الشعور الذى يلازمني، والآن وأنا أستاذ للمكتبات والوثائق بكلية الآداب ومديرة لمكتبة القاهرة المركزية منذ ست سنوات ونصف السنة، أحرص بشدة على الدخول من الباب الرئيسى حتى وقتنا هذا لكى أسمع ساعة الجامعة وهى تدق، رغم أنه بإمكانى الدخول بسيارتى من أبواب الجامعة الأخرى القريبة من المكتبة، ولكن لا أقدر على ذلك، وكلما مر علىّ يوم العمل دون سماع دقات ساعة الجامعة، أشعر وكأن شيئا ما ينقصنى.

أخبار الساعة