رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

شعراء الرسول يوسف بن إسماعيل النبهانى صاحب «جامع كرامات الأولياء»


27-3-2025 | 04:15

.

طباعة
بقلـم: د. حمد الله حافظ الصَّفْتـى

لا شك أن محبةَ النبى، وإجلالَه، ونصرتَه، وتعظيمَ جنابه الشريف: من أوجب الواجبات الدينية على الإنسان المسلم، فالاشتغال بمحبة سيدنا محمد من أعظم القربات إلى الله تعالى، ومن أجلِّ أسباب الخيرات والسعادات للعباد فى الدنيا والآخرة، يتعلَّق بها المؤمنون، ويتسابق فيها العارفون، توقيرًا وتعظيمًا لمقامه الكريم، وأداء لواجب شكره؛ إذ ليس فى الأرض موضع قدم إلا وهو مشرق بنور رسالته.

 

وقد كان العلامة القاضى، الفقيه الصوفى، الشاعر الأديب، الشيخ يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل بن محمد ناصر الدين النبهانى، المولود فى قرية «إجزم»، من أعمال مدينة «حيفا»، سنة 1265 هـ، ممن شغف بحب سيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام، شغفًا جعله يوقف أيام عمره على خدمته، فلا ترى جانبًا من جوانب حياته  وسيرته، أو أخلاقه وسنَّته، أو مدائحه ومحبَّته، إلا وله فيها رضى الله عنه كتاب كبير أو صغير.

نشأ النبهانى، فى بيت علم وفضل، فقد كان والده شيخًا صالحًا من حملة القرآن الكريم، صاحب عبادة وتنسُّك، حتى كان يختم القرآن الكريم كل ثلاث ليال، فحفظ عليه القرآن الكريم، وكثيرًا من «متون» العقيدة والفقه والنحو والبلاغة.

أرسله أبوه إلى مصر، لتلقى العلم بالأزهر الشريف، فدخله فى يوم السبت، غرة شهر المحرم، سنة 1283 هـ، وقضى فى الأزهر ما يزيد على ستة أعوام، تلقى خلالها من علمائه الأكابر العلوم النقلية والعقلية، فقرأ: شرحى «التحرير» و«المنهج» لشيخ الإسلام زكريا، بحاشيتى الشرقاوى والبجيرمى، على علامة الأزهر الشيخ إبراهيم السَّقا الشافعى، ولازم دروس الإمام شمس الدين الأنبابى الشافعى، شيخ الأزهر، فى شرح «الغاية» لابن قاسم، والخطيب، وغيرها، وحضر على الشيخ المعمر العلامة السيد محمد الدمنهورى الشافعى، والعلامة الشيخ إبراهيم الزرو الخليلى الشافعى، والعلامة الشيخ أحمد الأجهورى الضرير الشافعى، والعلامة الشيخ حسن العدوى المالكى، والعلامة الشيخ السيد عبد الهادى نجا الإبيارى، والعلامة الشيخ عبد الرحمن الشربينى الشافعى، والعلامة الشيخ عبد القادر الرافعى الحنفى الطرابلسى، شيخ رواق الشوام بالأزهر، والعلامة الشيخ يوسف البرقاوى الحنبلى، شيخ رواق الحنابلة بالأزهر الشريف، وغيرهم، وأخذ طريق السادة الخلوتية على الشيخ حسن رضوان الصعيدى.

عاد الشيخ النبهانى بعد إتمامه دراسته فى الأزهر الشريف إلى أرض فلسطين، فى شهر رجب، سنة 1289هـ، فأقام فى مدينة «عكا» مدرِّسًا للعلوم الدينية والعربية.

وتولى بعد ذلك نيابة القضاء فى مدينة «جنين» سنة 1290هـ، وظل بها ثلاث سنوات يقيم العدل، وينشر العلم، ثم توجه إلى دار الخلافة العثمانية فى «الآستانة» سنة 1293هـ، وظل هناك مدة عامين ونصف العام، عمل فيها محررا لجريدة «الجوانب»، ومراجعًا للكتب العربية، ثم عاد إلى بلده فظل هناك مدة أربع سنوات.

توجه مرة أخرى إلى «الآستانة» سنة 1297هـ، وأقام بها مدة عامين، ألَّف خلالهما كتابه المشهور: «الشرف المؤبَّد لآل سيدنا محمد»، وخرج منها رئيسا لمحكمة الجزاء فى مدينة «اللاذقية»، سنة 1300 هـ، فأقام فيها مدة خمسة أعوام.

كما تولى بعد ذلك رئاسة محكمة الجزاء فى مدينة «القدس»، وظل بها أقل من سنة، التقى فيها بالشيخ العارف: حسن بن حلاوة الغزى، وكان وليًّا معتقَدًا صاحب كرامات، فأخذ عنه الطريقة القادرية.

غادر مدينة «القدس»، سنة 1305هـ، متوجِّهًا إلى «بيروت»، ليشغل منصب رئيس محكمة الحقوق، وظل فيها ما يقرب من عشرين عامًا.

وفى سنة 1325هـ، وقعت له حادثة تسببت فى فصله من عمله، حاصلها أن رجلًا كان يمشى فى السوق، فسمع شخصًا يسبُّ النبى ، فتناول الرجل سكينا وضرب بها ذلك الشخص فقتله، وعرضت القضية على محكمة بيروت، برئاسة الشيخ النبهانى رضى الله عنه، فكان نصُّ قرار الحكم الذى أصدره: «يحكم على القاتل بالأشغال 15 سنة، لارتكاب جناية القتل عمدًا، وبإسقاط الحق الشخصى تخفض العقوبه إلى النصف، وللأسباب المخففة التقديرية التى تراها المحكمة، يتم الاكتفاء بمدة توقيف المتهم، ويطلق سراحه من قاعة المحكمة».

ثم فوجئ الحاضرون بالقاضى الجليل، بعد إصدار الحكم، ينزل من قوس المحكمة، ويقترب من المحكوم عليه، ويسأله: «يا بني: بأى يد قتلت من شتم رسول الله ؟»، فمد الرجل: يده اليمنى، ليقبلها القاضى وهو يبكى، وسط دهشة الجميع.

وكتبت حينها أن رئيس المحكمة يقبل يد القاتل، فصدر قرار يقضى بفصله.

غادر الشيخ «بيروت» إلى المدينة المنورة، فظل بها مجاورًا لسيدنا رسول الله ، حتى إعلان الحرب العالمية الأولى، فعاد إلى قريته «إجزم»، وظل بها حتى توفـى، سنة 1350 هـ، الموافقة لسنة 1932م.

ألَّف «النبهانى» كثيرًا من الكتب النافعة، بلغت ستين مؤلَّفًا، دلت على سعة اطلاعه، وغوصه فى بطون الكتب دون ملل، مع الأسلوب السهل، والبعد قدر المستطاع عن استخدام اللغة الاصطلاحية، وغالب كتبه عن رسول الله ، فمن أبرز مؤلفاته: «الأحاديث الأربعين فى أمثال أفصح العالمين»، و«الأحاديث الأربعين فى فضائل سيد المرسلين»، و«أحسن الوسائل فى نظم أسماء النبى الكامل»، و«الأسمى فيما لسيدنا محمد من الأسما».

ولقد لهجت ألسنة العلماء والصالحين بالثناء عليه وعلى سعة علومه وحسن أخلاقه ودأبه فى العبادة.

 

أخبار الساعة