الشخصية المصرية على مر التاريخ لها تأثير كبير على كل مَن يتعامل معها، ورغم أن مصر احتُلّت أكثر من مرة ولكن الاحتلال فشل فى محو الهوية المصرية، بل على العكس كان المحتل هو الذى يتأثر بها، فالشخصية أو الهوية المصرية الأصيلة جزء من قواها الناعمة.
الحديث عن الشخصية المصرية لا يتوقف خصوصا أن الشعب المصرى يفاجئ العالم دائما بما هو غير متوقع دائما، لأنه كما نقول بالعامية (شعب ليس له كتالوج).
فرغم كل محاولات البعض من صرف مليارات الدولارات لبثّ روح الهزيمة والانكسار وإحداث حالة من الغضب عند الشعب ضد الدولة من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، فإن الشعب المصرى دائما ما يظهر قدرته على الوعى وحفاظه على الوطن، فرغم حالة الحصار الاقتصادى والأزمات الاقتصادية، فإن الحياة تسير ولا تتوقف، ويتحمل الشعب حالة الضغط، ليس قهرا ولكن بوعى شديد لأنه يرى إنجازات تتم على أرض الواقع وليس بشعارات وكلام مرسل.
حملات الهجوم على مصر لا تتوقف، والمخططات ضد مصر والشعب المصرى مستمرة، سواء من الخارج أو بأذرع داخلية تنفذ المخططات الخارجية، فكل ما تقوم به الدولة المصرية هو محط اتهام دائم، فلو قامت الدولة بمشروعات قومية كبرى يتحدث عنها العالم تجد حملات الهجوم تتزايد ضد هذه المشروعات بحجة ما الجدوى منها، وتبدأ حالة التنظير.
قد يغضب البعض من حملات الهجوم على مصر، ولكنى أرى أن هذه الحملات هى أكبر دليل على أن مصر تسير بخطى سليمة وبتخطيط يخشاه البعض، وأقرب مثال على كلامى ما حدث الأيام الماضية فى زيارة الرئيس الفرنسى لمصر وتفقده للمتحف المصرى الكبير قبل افتتاحه. انظروا إلى مدى انبهار الرئيس الفرنسى بحضارة المصريين القدماء واستمرار حالة الانبهار خلال جولته فى منطقة الحسين وحى خان الخليلى، وهو يسير بجوار الرئيس السيسى وسط الأهالى وأصحاب المحال والسائحين المنتشرين بالمنطقة، هذه الجولة تحمل العديد من الدلالات المهمة جدا، أهمها على الإطلاق وعى الشعب المصرى وثقافته ونظامه الذى يسهل عملية الأمان للكل. الجميع يعلم مدى ازدحام منطقة الحسين وخان الخليلى نظرا لضيق الشوارع بالمنطقة وما تحمله من طابع تاريخى أثرى جميل يجعل المارة يبطئون فى خطواتهم لإمتاع نظرهم، سواء بالمبانى أو بمعروضات المحال.
فلك أن تتخيل عزيزى القارئ أن رئيسين يسيران فى خان الخليلى وسط ذلك الزحام، واحتفال وفرحة وترحيب الشعب المصرى لضيف مصر ولرئيسهم، وحرصهم على التقاط الصور «السليفى»، والمصافحة بالأيدى بنظام وبحب، وهو الأمر الذى انعكس على الرئيس الفرنسى الذى بادر بنشر جزء من الجولة مصوّرة على صفحته على السوشيال ميديا ليشكر الشعب المصرى على حفاوة الاستقبال هذه ومشاعر الحب الحقيقية التى تنم عن جوهر الشعب الحقيقى؛ لذا لم يكن غريبا أن يفتخر الرئيس السيسى بأن يخبر نظيره الفرنسى أنه عاش وتربى فى هذه المنطقة، هذه الجولة رسالة قوية من الشعب المصرى للعالم وتهدم كل المخططات التى تُحاك ضد مصر.
ولأن تلك الرسالة وصلت سريعا، فكانت الحملات المضادة لمصر أيضا سريعة، فهناك مَن ادعى أنها مخططة، وهناك من تعجّل وقال إن الأجانب لا يهتمون إلا بالآثار، ولم يرَ الرئيسين فى محطة عدلى منصور بالقطار الكهربائى، هذا مجرد مثال بسيط للاسكربت الذى تم توزيعه بشكل ممنهج على بعض اللجان الإلكترونية سواء التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية أو غيرها، كذلك لن تتحدث اللجان الإلكترونية عن الإعلان المشترك لترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، بالإضافة إلى التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين، ولن تذكر نتائج المنتدى الاقتصادى المصرى - الفرنسى.
ولن تتحدث أيضا عن إشادة الرئيس الفرنسى بالدور والجهود المصرية تجاه القضية الفلسطينية والأحداث فى غزة (ولن تذكر المشهد الذى تابعه العالم للرئيسين فى العريش) أو القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفرنسية لبحث القضية الفلسطينية.
وهنا أريد أن أقلب الصورة لثوانٍ بأن الرئيس السيسى هو الذى يقوم بزيارة لفرنسا واصطحبه الرئيس الفرنسى فى جولة ميدانية ستجد أن نفس تلك اللجان سوف تخرج علينا بتعليقات من عينة شاهدوا الديمقراطية والبساطة والحرية والتقدم الفكرى، وأن مثل تلك الصورة لن تجدها فى مصر، وعندما تحدث فى مصر تجد الهجوم عليها.
وكما قلت سابقا إن هذا الهجوم الدائم هو أكبر دليل على نجاح مصر، وأنها تسير فى طريق سليم، وأن كل المخططات التى تُحاك ضد الشعب المصرى تأتى بنتائج عكسية فى تزايد وعى الشعب المصرى الذى يضرب كل يوم مثالا فى مدى عمق الوعى المنتشر فى ربوع مصر، ليس فقط ضد ما يُحاك ضد مصر سواء داخليا أو خارجيا، وأهمها القضية الفلسطينية التى تعد قضية مصر الأولى وما يحدث فى غزة ومخطط تهجير أهالى غزة ووقوف مصر بقوة ضد هذا المخطط، فموقف مصر ليس رافضا فقط ولكنه يعمل بكل جهد وبكل طاقة وبكافة إمكانات الدولة لإجهاض ذلك المخطط، ليس ببيانات رفض، ولكن بتدويل القضية فى كل مناسبة وطرح خطة عربية لإعادة إعمار غزة بدون تهجير، ليس ذلك فقط، ولكن العمل على استعادة التهدئة من خلال الوقف الفورى لإطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية.
وطرح الحل الوحيد الذى يضمن السلام الدائم بالمنطقة من خلال حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو عام 1967.
الزيارة الرابعة للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لمصر ليست مجرد زيارة عادية، ولكنها تحمل العديد من الرسائل التى تؤكد على مدى أهمية مصر فى المنطقة ودورها المهم الذى تقوم به، بالإضافة إلى أن مصر شريك رئيسى ومهم لفرنسا، وهى شهادة لمصر لثقة دول العالم بالتعاون مع مصر وجذب مزيد من الاستثمارات لمصر كدولة مستقرة تحظى بالأمان وسط محيط مملوء بالصراعات فى كل الاتجاهات.

