رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فى عامه الثامنين الفخرانى..يتوج مسيرته للمرة الثالثة ب«الملك لير»..!


19-4-2025 | 19:58

يحيى الفخراني فى الملك لير

طباعة
بقلم : محمد رمضان

«ذخائر العمر.. الحكمة والقيمة» ثمانون عامًا من النحت فى الصخر.. تاريخ ناصع ومسيرة فنية بُنيت بجهد وعرق لفنان ذى قدر جليل صار اسمه أيقونة النجاح وعلامة الجودة لأى عمل فنى يقدمه لنا.. شكل بإطلالة وجهه البراقة وطيبة سريرته وجدان أجيال عدة تربت ونمت على إبداعاته المنمقة.. ثمانون عامًا قضاها نجمنا المغوار يحيى الفخرانى من عمر الوطن فأصبح هو الآخر جزءًا من تاريخ ذاكرة هذا البلد السخى برموزه وعباقرته ومفكريه وفنانيه.. فلم يكن عمر الفخرانى سنوات تطوى بالانقضاء ولكنها تاريخ تخلّده أعماله الفنية وأدواره التى هى أشبه ببصمات الأقدارالأبدية على جباه وقلوب جمهوره.

فكم تُدين أعمار محبيه لمعين إبداعه البكر المتجدد، ما جعل جيلى يُدين له ويعترف بأن أعمارنا ما هى إلا ثمار ذات مذاق ذكى لشجرة فنه الراقى.

 

فمهما سطرت فى هذا المقال من معانٍ فى حبه لن أوفيه قدره، فقد تعلّقت بحب يحيى الفخرانى منذ صغرى مثل كثيرين عندما شاهدت دوره فى فيلم «آه يا ليل يا زمن» عام 1977 قصة إحسان عبدالقدوس وإخراج على رضا، حيث جسد به الفخرانى دورًا صغيرًا جدًا بناء على طلب المنتج تاكفور أنطونيان الذى صرح فى أحد لقاءاته التليفزيونية بأن الفخرانى وافق على طلبه فورًا بالعمل فى هذا الفيلم دون أى نقاش وأنه لم يحصل على أجر يكاد أن يذكر وهذا له دلالة بأن الفخرانى تحمّل مشقة العناء؛ حبًا فى الفن وليس فى المادة، لأن دوره بهذا الفيلم أمام العملاق رشدى أباظة كان عبارة عن عدة مشاهد ضئيلة جدًا بعضها كان صامتًا إلا أنه نجح بعدها فى أن يصبح ضيفًا عزيزًا داخل بيوت المصريين والأمة العربية من خلال اعتماده على ظهوره فى العديد من مسلسلات الدراما التليفزيونية وبخاصة الرمضانية، حيث تعددت أدواره وتنوعت فبدأت مسيرته من خلال مسلسل «أبنائى الأعزاء شكرًا»، حيث لعب فيه دور الصحفى «رأفت » الابن الأكبر لرائد مدرسة المدبوليزم الفنان الكبير عبدالمنعم مدبولى.. كسب الفخرانى من خلال تجسيده لدور الزوج المغلوب على أمره من زوجته التى كانت تعامل والده بقسوة تعاطف الجمهور معه لأن هذه الزوجة المتغطرسة وضعته فى مأزق التخلى عن والده إرضاءً لها.. بلا شك إن هذا المسلسل ما زال يعيش فى وجدان الأمة العربية حتى بعد مرور ستة وأربعين عامًا على إنتاجه لما له من مبلغ الأثر فى تعلق كافة طوائف الشعب به لدرجة أن الرئيس السادات نفسه كان معجبًا به وأرسل سلامه للفنان الراحل عبدالمنعم مدبولى مع وفد النقابات الفنية أثناء لقائه بهم قائلًا لأعضاء هذا الوفد سلموا لى على «بابا عبده»، فأرسل له العظيم عبدالمنعم مدبولى برقية شكر فكرمه السادات فى عيد الفن داخل أكاديمية الفنون مناديًا عليه «تعالى يا بابا عبده» كل هذا يعكس الدور الخطير للدراما المصرية الهادفة ومدى تاثيرها الجيد فى نفوس المشاهدين من البسطاء والساسة.

 

بل إن المتأمل لتوابع نجاحات هذا المسلسل للمؤلف عصام الجمبلاطى والمخرج الكبير محمد فاضل سيجد أنه قد أفرز فيما بعد جيلًا من كبار النجوم امثال يحيى الفخرانى والراحلين صلاح السعدنى وفاروق الفيشاوى ومحمودالجندى.

لكن هذا لا يعنى الطريق أمام الفخرانى نحو البطولة المطلقة لم يكن مفروشًا بالورود ولكن كانت هناك تحديات المغامرة التى تواجهه، خاصة أنه بدأ حياته طبيبًا بالإدارة الطبية بمبنى الإذاعة والتليفزيون إلا أن نداهة الفن قد اقتنصته لكى يمتعنا بحضوره الطاغى وأدائه المبهر لكافة أدواره.. وبلا شك أن نجاحات الفخرانى التليفزيونية ارتبطت بشهر رمضان منذ ظهوره فى مسلسل «أبنائى الأعزاء شكرًا» ثم توالت بعد ذلك أعماله المتميزة الأخرى وكأن شهر رمضان كان أشبه بالصورة التى اعتقدها الطفل يحيى الفخرانى فى الفانوس الذى اشتراه له والده أثناء طفولته لكونه كان يظن أنه فانوس سحرى سيحقق له كل ما يتمناه، حيث سبق وروى حكايته مع هذا الفانوس أبوشمعة الذى مازال يحتفظ به ضمن ذكرياته مع شهررمضان المبارك منذ أن كان فى مهد صباه داخل بلدته «ميت غمر» بالمنصورة.

 

ما جعلنا نستشعر بأن ظهوره الرمضانى فى المسلسلات كان أشبه بهذا الفانوس السحرى الذى حقق له المزيد من الشعبية داخل قلوب جمهوره، فبعد نجاحه فى مسلسل «أبنائى الأعزاء شكرًا» قام بأول بطولة مطلقة فى شهر رمضان من العام التالى فى عام 1980 من خلال مسلسل «صيام صيام» الذى قدم الفخرانى فيه بأسلوبه وأدائه المتفرد كيفية التعامل مع مفهوم الصيام بطرحه عدة مفاهيم من واقع حياتنا اليومية لإيمانه بأن الصيام ليس فقط بالامتناع على الأكل والشرب ولكنه يشمل مفردات أخرى تتعلق بالمعاملات ما بين البشر بمعالجة درامية تربوية كتبها الكاتب الكبير الراحل صالح مرسى وأخرجها الرائع محمد فاضل فأنبأت بتسيده عرش الدراما الرمضانية فى الأعوام التالية لأنه من الواضح أن المخرج محمد فاضل استثمر بذكائه المعهود نجاح الفخرانى فى أدائه لدوره فى مسلسل «أبنائى الأعزاء شكرًا» فراهن عليه بإسناد بطولة مسلسل «صيام صيام» له خاصة أنه كان يشاركه فى هذه البطولة كلٌ من العملاقين عميد المسرح العربى يوسف بك وهبى ومحمود المليجى، بالإضافة إلى أبناء جيله فاروق الفيشاوى وصلاح السعدنى الذى روى لى فى أحد أحاديثه معى أننا لو تأملنا ملامح الفخرانى سنجدها رغم لون بشرته البيضاء بأنها تميل إلى الملامح الإفريقية التى تعبر عن طيبة مكنونه الإنسانى وطين هذا البلد.

 

ثم جاءت المحطة الفنية الأهم فى مشوار الفخرانى الفنى التى تتمثل فى المسلسل الأسطورى «ليالى الحلمية» بأجزائه الخمسة والتى بدأت مع عام 1987 وحتى عام 1995للكاتب الكبير الراحل أسامه أنور عكاشة والمخرج الكبير الراحل إسماعيل عبدالحافظ، حيث قدم هذا المسلسل الصراع ما بين طبقتى المجتمع المصرى المتمثلة فى طبقة الإقطاعيين فى شخص «سليم باشا البدرى» يحيى الفخرانى وطبقة الفلاحين الممثلة فى العمدة «سليمان غانم» الذى أتى ليشترى أسهمًا فى مصنع نسيج البدرى كنوع من الانتقام من «والد سليم البدرى» الذى تسبب فى وفاة «والد العمدة سليمان غانم» فى السجن.. كان لهذا المسلسل دور كبير فى التفاف كافة أفراد الأسرة المصرية أمام شاشات التليفزيون أثناء إذاعته، لأنه تناول عدة أحداث تاريخية تتعلق بعهد الملكية وقيام ثورة يوليو وتأميم جمال عبدالناصر لشركات وممتلكات الإقطاعيين، واتباعه لسياسة الإصلاح الزراعى، ما أضفى على هذا المسلسل طابع الدراما الاجتماعية والتاريخية، كما أنه تطرق إلى دراما الحارة المصرية التى أصبحت غائبة عن أعمالنا الفنية بشكلها الحقيقى أو ما تحمله من سمات الشهامة والجدعنة والمرؤة، والتى عبرت عنها ليالى أسامه أنور عكاشه فأبدع النجم الكبير الفخرانى فى التعبير عنها فى أحسن صورها، بل إنه ظل يطارده لقب الباشا «سليم البدرى» لعدة سنوات متواصلة لأنه نجح فى الوصول بهذه الشخصية إلى قلوب المشاهدين على اختلاف حظوظهم من التعليم والمستوى الاجتماعى، فلا أبالغ إذا قلت إننى كواحد من جمهور هذا المسلسل قد شعرت بأنه يوجد مساحة من العشرة الطيبة تربطنى بأبطاله وعلى رأسهم يحيى الفخرانى أحد أساطين فن التمثيل فى تاريخ الوطن العربى بأكمله لأن أحداثه وشخوصه جعلت كل من يشاهدونه يرون أنه يمثل واقعهم وملامح حياتهم الاجتماعية.

 

أتذكر أننى ذهبت إلى منزله بعمارات الإعلاميين بشارع الشيخ عبدالله بالعباسية منذ عدة سنوات لإجراء حوار معه هو وزوجته الدكتورة لميس جابر، بمناسبة بدء شروعها فى كتابة مسلسل «الملك فاروق» وكان من المفترض أن نجمنا الكبير سيلعب دور «الملك فاروق»، إلا أن الوقت لم يسعف الدكتورة لميس بالانتهاء من رحلة بحثها فى المراجع والوثائق التاريخية عن بعض الأحداث التاريخية التى تعبر عن عصر هذا الملك ما جعلها تستغرق وقتًا طويلًا فى كتابته، ومن ثم فإن هذا الدور لم يتناسب فيما بعد مع المرحلة العمرية للفخرانى فقام ببطولته الفنان تيم حسن، لكننى فى أثناء إجرائى لهذا الحوار قلت للفخرانى من باب الإطراء عليه إنه اعتاد أن يقدم إلينا الشخصيات الطيبة من خلال مسلسلاته وأعماله الفنية فوجدته يستشيط غضبًا لأنه ظن أننى اختزلت تاريخه فى نوعية واحدة من الأدوار، ولكونه يرفض أن يصنفه أحد أو يحصره فى أداء أدوار معينة، ففوجئت برد عنيف منه لم أكن أتوقعه بأنه سبق له أن قدم إلينا فيلم «الغيرة القاتلة» الذى لعب من خلاله شخصية «مخلص» الذى كان يشعر بالغيرة من صديقه «عمر» والتى دفعته للانتقام منه، كما أنه سبق أن قدم لنا مسلسلاً عن ظاهرة توظيف الأموال بعنوان «الخروج من المأزق» تأليف نبيل غلام وإخراج صفوت القشيرى، والسبب وراء تقديم الفخرانى لهذا المسلسل هو إيمانه بأن الدراما لا بد أن تكون مرآة للواقع الذى نعيشه، حيث استشرت ظاهرة استغلال الدين فى النصب على أموال مودعى هذه الشركات تحت ستار الدين وإطلاق اللحية وارتداء الجلباب الأبيض لكى يبعد هؤلاء اللصوص الجدد أية شبهة عنهم، لكن يبدو أن شهية الفخرانى الفنية لم تقنع بهذين الدورين من أدوار الشر فقط إلى أن فاجأنا بدوره المتميز فى مسلسل «ونوس» تأليف عبدالرحيم كمال وإخراج شادى الفخرانى والذى جسد من خلاله غواية الشيطان للبشر، فكان الفخرانى بأدائه لشخصية «ونوس» التى ترمز للشيطان من أبلغ أدواره فى الشر والذى استطاع أن ينافس به أداء العملاق محمود المليجى لدور «إبليس» فى فيلم «موعد مع إبليس» تأليف جليل البندارى وإخراج كامل التلمسانى، لكن هذا لا يمنع أن يحيى الفخرانى قدم لنا العديد من المسلسلات والأفلام التى أثرت وجداننا ومنها على سبيل المثال مسلسل «يتربى فى عزو» للمؤلف يوسف معاطى وإخراج مجدى أبوعميرة الذى تناول شخصية «حماده عزو» الاتكالية، ذلك الرجل الستينى المدلل الذى يعيش مرفهًا فى كنف أمه «ماما نونا»، كما أنه سبق للفخرانى أن منحنا بتقديمه لشخصية «عباس الأبيض فى اليوم الأسود» قسطًا من الثقافة لكونه لعب دور مدرس التاريخ الذى يتنصل الجميع من معرفته سواء زوجته أو أبناءه إلى أن نجح بعد خوضه العديد من المغامرات فى إثبات أنه حى ولم يمت فكسب تعاطف جمهوره معه، فضلًا عن كون الفخرانى قدم لنا ضمن رصيده الفنى بعض المسلسلات الرومانسية ذات البعد الإنسانى والتى ألهبت وجدان جمهوره ومنها مسلسل «الليل وآخره» لكاتب الدراما الرومانسية الأول محمد جلال عبدالقوى وإخراج رباب حسين، فكم كان الجمهور يتابع بشغف قصة حب «رحيم وحسنات» وكم أبكانا الفخرانى بسبب تعنت ورفض أخواته زواجه من غازية الموالد «حسنات»، كما أنه قدم لنا دور العاشق وأزمة منتصف العمر فى مسلسل «نصف الربيع الآخر» تأليف محمد جلال عبدالقوى وإخراج الراحل يحيى العلمى.

 

أما ما حققه الفخرانى من خلال عشقه الأول للمسرح أبوالفنون فهناك محطات كثيرة جعلته أكثر نضجًا وحنكة فنية، حيث بدأ حبه للمسرح منذ أن كان طالبًا بالجامعة وتصاعد هذا الحب ليصل إلى مرحلة الشغف والعشق، حيث قدم الفخرانى العديد من المسرحيات داخل مسرح القطاعين الخاص والعام ومن أبرزها مسرحية «راقصة قطاع عام» داخل المسرح القومى تأليف يوسف عوف وإخراج جلال الشرقاوى، ثم مسرحية «البهلوان» فى القطاع الخاص تأليف يوسف إدريس وإخراج عادل هاشم، كما أنه قدم مسرحية «جوازة طليانى» مع الراحلة دلال عبدالعزيز التى كانت تعتبره «وش السعد عليها» فى كل الأعمال الفنية التى جمعتهما، كما خاض الفخرانى تجربة مسرحية مستوحاة من فضيحة تحرش الرئيس الأمريكى بيل كلينتون بالحسناء مونيكا لوينسكى مع المنتج والمؤلف المسرحى الراحل فيصل ندا من خلال مسرحية «كيمو والفستان الأزرق» إخراج السيد راضى، بالإضافة إلى أنه حرص على تجسيد رواية «الملك لير» لشكسبير من خلال تجربتين إحداهما داخل المسرح القومى مع المخرج الراحل أحمد عبدالحليم والثانية فى مسرح القطاع الخاص مع المخرج الشاب تامر كرم، ويستعد حاليًا لتقديمها للمرة الثالثة على خشبة المسرح القومى مع المخرج الكبير شادى سرور، حيث يحرص الفخرانى على تقديمه للملك لير لأنه أصبح يمر بنفس ظروفه الحياتية المتمثلة فى بلوغه الثمانين مثل الملك لير بطل الرواية التراثية لشكسبير، علمًا بأن الفخرانى سبق له أيضًا أن حقق رقمًا قياسيًا بتجاوز إيرادات مسرحيته «ليلة من ألف ليلة» العديد من الملايين ليصبح هو النجم الأوحد الذى حقق كل هذه الملايين فى تاريخ المسرح القومى بصفة خاصة ومسرح الدولة بصفة عامة، ورغم بلوغ الفخرانى الثمانين من عمره إلا أنه مازال يتمتع بلياقته الفنية وشباب أعماله الثرية بالأفكار والمعانى الجلية، ونتمنى له المزيد من النجاح والتألق والعمر المديد من الصحة والسعادة والإبداع.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة