رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الورد.. رسول المحبة


20-4-2025 | 16:42

ورد وزهور

طباعة
تحقيق: منار عصام

مع حلول فصل الربيع واحتفالات شم النسيم، تتحول مصر إلى سوق مفتوحة للزهور، حيث تزدهر تجارة الورود ونباتات الزينة، ليس فقط كرمز للجمال، بل كقطاع اقتصادى واعد يساهم فى دعم الدخل القومي. ومن خلال هذا التحقيق، نغوص فى عالم زراعة الورد وتسويقه، ونكشف عن تحولات هذا القطاع الذى يجمع بين التقاليد الزراعية الموروثة والتكنولوجيا الحديثة، مع تسليط الضوء على دوره فى تعزيز السياحة البيئية ومواجهة التحديات العالمية.

ارتبط الورد فى مصر بالحضارة الفرعونية، حيث استُخدم فى الطقوس الدينية وزينة القصور، كما دلت النقوش الأثرية على معابد الأقصر وأبو سمبل. اليوم، لا تزال الزهور جزءًا من الاحتفالات، خاصة فى شم النسيم، الذى يُعد من أقدم الأعياد المرتبطة بالربيع، حيث يُزين المصريون منازلهم بالورود ويُقدمونها كهدايا تعبيرًا عن التجدد.

إلا أن التحول الأبرز حدث فى العقدين الأخيرين، مع تطور زراعة الورد من نشاط تقليدى إلى صناعة منظمة، فيُقدّر سوق زراعة الزهور العالمى بنحو 7.06 مليار دولار وتلعب مصر دورًا محوريًا فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث تُصدر أنواعًا مثل الورد الجورى والزنبق إلى أوروبا والخليج.

وفى هذا السياق، قال المهندس أيسر محمد، أحد منتجى الزهور فى مصر، إن الدولة المصرية تنتج ما يزيد على 100 مليون وردة خلال الموسم الصيفى والشتوى من كل عام، مضيفًا أن الموسم الشتوى من العام هو «الأغنى» بالزهور فى مصر عن الصيف، ويضم زهرة البتونيا والقطيفة والاستر والجارونيا والسكلمان والجازنيا وغيرها من الأصناف الأخرى التى يصل إجمالى عددها إلى 32 صنفًا، بينما يقتصر موسم الصيف على أنواع بعينها، مثل الزنيا والوينكا والزيلوزيا والجعفرينا وغيرها التى لا تتجاوز 6 أصناف فى المجمل.

وأوضح أن بداية الموسم الشتوى لزراعة الورد فى مصر تبدأ بداية من شهر أكتوبر من كل عام وتخرج أول «عروة» فى المنتج الشتوى فى 15 أكتوبر من كل عام ويمتد حتى نهاية شهر أبريل على أن يبدأ الموسم الصيفى بداية من شهر مارس وحتى بداية أكتوبر.

وعن التكلفة والأسعار، أوضح «أيسر» أن أسعار بيع إنتاج الورد للمحلات والمنافذ تعتبر زهيدة جدًا تتراوح بين 5:8 جنيهات للنبتة فى الوقت الذى تقوم فيه المحلات ببيع الورد بأسعار مبالغ فيها للمستهلكين. ونفى ما يتردد بشأن الاعتماد على بذور مستوردة من هولندا لإنتاج الورد الطبيعى فى مصر، مؤكدًا أن غالبية المنتجين يعتمدون على بذور محلية «بلدى».

وأشاد «أيسر» بالاهتمام الذى توليه الدولة لمجال زراعة الورد وهو ما يظهر جليًا من خلال معرض الزهور الدولى الذى تنظمه وزارة الزراعة، حيث يعتبر من أهم الأحداث التسويقية للورد، حيث يضم 200 عارض، ويُقدّم أصنافًا تتراوح أسعارها بين 50 جنيهًا للأصيص الصغير و1500 جنيه للنباتات النادرة مثل «صبار عرف الديك» و»سرو الليمون»، لافتًا إلى أن الإقبال يتزايد على الورود البلدى بسبب أسعارها التنافسية، بينما تستهلك الفنادق والفيلات النباتات المستوردة بأسعار مرتفعة.

وأكد «أيسر» على أهمية مجال نباتات الزينة للاقتصاد، لاسيما من حيث قدرته على تشغيل عمالة، ليس فى مجال الزراعة فقط، وإنما أيضًا فى الصناعة المرتبطة به المتعلقة بمستلزمات الإنتاج، مشيرًا إلى أنه بالنسبة للمحاصيل التقليدية أو الفاكهة مثلًا، فإنه يمكن أن تدير مزرعة مساحتها 50 – 60 فدانًا بواسطة 4 أو 5 أفراد، بينما الفدان الواحد المزروع بنباتات الزينة، يمكن أن يحتاج لعمالة أكثر من هذا العدد بكثير. واختتم حديثه موضحًا أن الفترة الأخيرة شهدت انتشار تطبيقات تتيح شراء باقات ورد مخصصة مع توصيلها فى غضون ساعات، مضيفًا أن ما يزيد على 30 فى المائة من مبيعات الورد فى القاهرة الكبرى تتم عبر هذه المنصات، خاصة فى المناسبات مثل شم النسيم.

خريطة زراعة الورد فى مصر.. من الصحراء إلى الدلتا

فيما أوضح «صباح» أحد أصحاب محلات بيع الورد بمنطقة المعادى، أن محافظة القليوبية تُعتبر عاصمة الورد البلدى، حيث تنتج 40 فى المائة من إجمالى الإنتاج المحلى، خاصة فى قرى مثل «شبرا شهاب» بالإضافة إلى عدد من المحافظات الأخرى.

وأضاف «صباح» ذو الـ57 عامًا، أن حركة البيع والشراء تزدهر فى سوق بيع الورد فى مصر خلال مواسم عيد الحب وعيد الأم؛ وذلك نظرًا لكثرة إقبال المواطنين على شراء الورد فى المناسبتين. ويعمل «صباح» فى مجال الورد منذ 35 عامًا وكون خلالها خبرات كبيرة فى أنواع وأشكال الورد حتى أصبح قادرًا على تشكيل باقات الورود لزبائنه بمجرد علمه بالمناسبة التى سوف يتم تقديم الورد خلالها.

وعن أسعار الورد، أكد «صباح» أن الأسعار تختلف باختلاف أنواع الورد وحجمه ولونه، بالإضافة إلى أن أسعار الورد أيضًا تختلف باختلاف المكان الذى تباع فيه. فأسعار الورد فى مناطق كالزمالك والمعادى تختلف عن غيرها من المناطق وذلك نظرًا لارتفاع تكاليف تشغيل المحلات وإيجاراتها من منطقة لأخرى، الأمر الذى ينعكس بدوره على سعر الورد.

ويرى «صباح» أن وتيرة الإقبال من قبل المواطنين على شراء الورد الصناعى ارتفعت مؤخرًا مقارنة بالإقبال على شراء الورد الطبيعى، منوهًا بأن مكانة الورد الطبيعى مازالت لها بريقها ومكانتها فى قلوب عشاق الورود.

ويعتمد «صباح» على مزارع الورد فى منطقة «المناشي» فى توريد الورد إلى متجره، حيث يتم تزويد المتجر بأنواع «فريش» من الورد مرتين أسبوعيًا.

والجدير بالذكر، أن الدولة المصرية شجعت مشاريع استصلاح ضخمة بمناطق من الصحراء الغربية لزراعة الورد المُدخل وراثيًا، مثل «ورد الأقصر» المقاوم للجفاف، وتضم الدلتا مزارع الورد الهولندى المُهجن فى مناطق كفر الشيخ والمنصورة، بدعم من استثمارات أوروبية.

لم يغِب التطور التكنولوجى السريع عن المشهد فى مجال زراعة الورد البلدى داخل مصر، حيث كشف «أحمد» أحد أصحاب محال بيع الورد فى نطاق منطقة الزمالك عن أن أسعار الورد تختلف باختلاف طريقة زراعته. حيث باتت الصوب الزراعية الذكية تُستخدم على نطاق واسع، خاصة فى الوادى الجديد، حيث تُحاكى أنظمة الرى بالتنقيط والتحكم فى الإضاءة الظروف المثلى للنمو.

كما أدخلت بعض التقنيات الحديثة مثل التبريد السريع لحفظ الزهور أثناء النقل. وعبر «أحمد» عن استيائه نظرًا لعزوف الكثير من المواطنين عن شراء الورد فى المناسبات المختلفة، قائلًا: «عيد الحب حاليا وشم النسيم لم نعد نفرح بهم كما كان الحال فى السابق»، مستشهدًا بأحدث المناسبات التى مرت وهى عيد الأم، حيث لم يكن الإقبال على شراء الورد كما كان الحال منذ بضع سنوات مضت.

ويرى «أحمد» أن السبب فى ذلك يعود إلى تغير ثقافة المواطنين فى تقديم الورد فى المناسبات المختلفة.

 

أخبار الساعة