تمر العلاقة الأوروبية الأمريكية بتوتر غير مسبوق منذ تولى ترامب فترته الرئاسية الثانية، وتبنيه لسياسات تضر بمصلحة أوروبا كما يراها البعض، آخرها كان فرض تعريفات جمركية على البضائع الأوروبية بحوالى 20 فى المائة، قبل أن يعود ويعلقها لمدة 90 يوما، الأمر الذى زاد الوضع سوءا، واتجهت أنظار العقلاء إلى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلونى لتهدئة الأوضاع مع ترامب باعتبارهما يتحدثان نفس اللغة.
حيث وصف ترامب قبل ذلك ميلونى بأنها امرأة رائعة، كما أنها الزعيمة الأوروبية الوحيدة التى حضرت مراسم تنصيب ترامب يناير الماضى، ولا شك فى أنها الأفضل فبالإضافة للعلاقة الطيبة التى تجمع ميلونى وترامب، يرى الكثيرون أن مواقفهما السياسية متشابهة فالاثنان يتبنيان سياسة اليمين المتطرف، المتشابهة فى العديد من القضايا مثل الهجرة، هذا الشكل من التناغم الحيوى بينهما جعلهم يطلقون عليها «هامسة ترامب»، وأصبحت المسئولة المباشرة عن إصلاح العلاقات بين أوروبا وأمريكا.
استُقبلت ميلونى بحفاوة بالغة، يستقبل بها القليل من الزوار فى عهد ترامب، فى البيت الأبيض وبالطبع كانت المشكلة الأكثر حضورا هى مشكلة التعريفات، لكن ميلونى التى كانت تتحدث الإنجليزية أثناء اللقاء، قالت بأنها مشكلة بين الأصدقاء يمكن حلها، ويبدو بالفعل أن ميلونى كان لها تأثير كبير، حيث قال ترامب فى النهاية إنه سيتم التوصل لاتفاق تجارى بنسبة 100 فى المائة مع أوروبا لكنه سيكون على حد تعبيره اتفاقا عادلا، أما ميلونى فقالت إنها متأكدة أيضا من أنه سيتم التوصل إلى اتفاق حتى وإن كان متأخرا قليلا، وأنها تهدف بذلك استعادة مجد الغرب وجعله عظيما مرة أخرى.
يذكر أن ميلونى هى الزعيمة الأوروبية الأولى التى تزور أمريكا، بعد قرار ترامب بفرض 20 فى المائة من التعريفات على المنتجات الأوروبية، ويعول عليها الكثير فى أوروبا بأن تكون جسر التواصل بين القارة العجوز والولايات المتحدة، حتى إنه كان هناك تواصل بينها وبين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قبل اللقاء لمراجعة القضايا التى ستتم مناقشتها، وحتى الآن يرى الكثير بأن مساعيها حتى الآن حققت تقدما ملحوظا، حيث صرحت أثناء اجتماعها مع ترامب بأن الرئيس الأمريكى وافق على إجراء زيارة رسمية إلى روما، وسيتقابل هناك مع ممثلين من الاتحاد الأوروبى.
وكانت هناك مخاوف من أن تكون زيارة ميلونى زيارة محدودة على إيطاليا بمعنى أن تمثل ميلونى بلدها فقط دون النظر إلى 27 دولة أعضاء الاتحاد، لا سيما أنها تتشارك بعض المعتقدات مع ترامب، ولاسيما أن ميزانها التجارى مع الولايات المتحدة وصل إلى 40 مليار دولار، مما يعنى أن لديها واحدا مع أكبر الأنشطة التجارية مع الولايات المتحدة، لكن ذلك لم يحدث، وتحدثت ميلونى بلسان القارة التى يعانى حاليا أغلب زعمائها من توتر للعلاقات مع ترامب، حتى إن فون دير لاين لم تحدد ميعادا لمقابلة ترامب حتى الآن، مما يضع مزيدا من الضغط على ميلونى.
ويذكر أن التوترات بدأت مع إعلان موقف ترامب ضد زيلينسكى وخوف القارة العجوز من سياسات أمريكا للتقارب مع روسيا ومحاولة إنهاء الحرب لصالحها على حساب الأراضى الأوكرانية، مما يهدد دول الاتحاد الأوروبى المجاورة، ويقول السفير رخا حسن عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة فى تصريحاته لـ«المصور»، إن العلاقات الأوروبية الأمريكية تمر بلحظات فارقة، آخرها هذه التعريفات التى كانت بمثابة الصدمة لأوروبا، لا سيما أن سرعة تنفيذها مربكة، ورغم أن أوروبا كانت تفكر فى فرض ضرائب مماثلة إلا أنها فكرت فى التفاوض كحل أول.
ترامب هو الآخر أيد هذا المقترح وليس حتى مع أوروبا فقط بل مع الصين أيضا بحسب تصريح ترامب، لأنه فى النهاية ليس رجلا اقتصاديا ولم يعِ حجم العواقب التى سيتسبب فيها قراره، ففى النهاية أدرك أنه لا يمكن أن يعوض حجم الإنتاج الخارجى بالإنتاج المحلى بالسرعة التى كان يتخيلها.
وأضاف «رخا» أن الأمر لا يقتصر فقط على التعريفات الجمركية فى أوروبا، فهناك هزة كبيرة فى العلاقات الثنائية بينهم لدرجة أن المستشار الألمانى المنتخب بدأ يتحدث عن إنشاء قوة مستقلة عن الناتو لحماية أوروبا لينضم بذلك إلى دعوات ماكرون السابقة، وذلك لوجود حالة من عدم الثقة فى الشريك الأمريكى، وذلك بسبب العديد من الممارسات الأمريكية، منها على سبيل المثال مطالبة ترامب برفع مساهمتهم فى حزب الناتو إلى 5 فى المائة بعد أن كانت 2 فى المائة فى فترة رئاسته الأولى، وبالفعل كانت بعض الدول وصلت إلى 2 فى المائة مثل ألمانيا، لكن كانت بعض الدول بظروفها الاقتصادية الصعبة بالكاد وصلت إلى 1.5 فى المائة مثل ايطاليا، ومن الصعب على بعض الدول الوصول إلى 5 فى المائة.
وبالتأكيد أحد أبرز أسباب التوتر هو أوكرانيا كما يقول «رخا»، حيث أكد أن ميلونى تتفق مع ترامب فى أن يقود هو عملية التفاوض، بينما ترى أوروبا بضرورة أن يكون لها دور فى هذه العملية، لمنع روسيا من أن تشعر بالنشوة والقوة التى يعطيها الحق فى السيطرة على الدول المجاورة.
الأمر لا يتوقف عند ذلك أيضا، حيث يرى البعض أن الأمر يذهب لأبعد من ذلك وأن السياسة الخارجية التى ينتهجها ترامب هى عبارة عن حروب ثقافية يقودها ترامب هو وإدارته ضد الليبرالية فى الداخل الأوروبى، وأن سياسة «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا» التى يتبعها هى سياسة ضد العولمة وهو النهج الذى تتبعه أوروبا. لكن على الجانب الآخر يرى البعض أن هذا التوتر لن يستمر طويلا، لأنه ليس من الذكاء أن تخسر الولايات المتحدة أكبر حلفائها، وستشهد الأيام القادمة تهدئة للأوضاع.

