فى 27 أبريل عام 1930، ولدت الفنانة ثريا يوسف عطا الله، بمحافظة المنيا، ليسكن الفن قلبها منذ الصغر، فالتحقت بالمعهد العالى للفنون المسرحية دون علم أسرتها، فحدثت القطيعة بينها وبين عائلتها.
اختار لها الفنان زكى طليمات اسما فنيا، فصارت «سناء جميل»، وبدأت مسيرتها من المسرح، ثم جاءت الشهرة من شخصية «نفيسة» فى فيلم «بداية ونهاية».
قدمت سناء جميل عشرات الأدوار السينمائية المميزة، فى الزوجة الثانية، واضحك الصورة تطلع حلوة، كما تألقت فى الدراما خاصة فى شخصية فضة المعداوى فى مسلسل الراية البيضاء.
وفى حوار صادق أجرته معها الصحفية عائشة صالح بعد نجاح مسلسل «الراية البيضاء» سنة 1988، فتحت سناء جميل قلبها، وانهمر شلال من المشاعر والكلمات، تحدثت فيه عن الفن والحياة والحلم والوحدة، وكأنها كانت تكتب الحوار بيدها.
المعلمة فضة المعداوى.. نجمة الموسم وحديث كل الناس واختلط الجد بالهزل وأصبح الناس يطلبون منها أشياء غريبة.. لأن سناء وفضة إنسان واحد، وأكثر من شخص يستوقفها فى الطريق ويسألها عن التمساحة ولماذا اختفت.
والتليفون لا يكف عن الرنين فلم أستطع أن أتكلم معها جملة واحدة مفيدة إلا بعد أن رفعت السماعة بعد أن نفد صبرها من مكالمة عجيبة، فعلى الطرف الآخر فتاة تطلب من سناء أن تهديها كل مصاغها الذى ظهرت به فى المسلسل.. وسناء تؤكد لها أن المصاغ فالصو والبنت لا تريد أن تصدق لأنه معقول الكلام ده.. المعلمة فضة تلبس فالصو.. مع أن كل ملابس وإكسسوارات «فضة» من جيب سناء جميل التى تتقاضى مرتبًا قدره 160 جنيهًا من المسرح القومى.
وزهقت أنا ولم تزهق سناء واكتفت أنها تتحلى أحيانًا بصبر أيوب ولم أكن أعرف عنها هذا فهى تناقش البنت بهدوء.. طيب خلينى معاكى.. نفرض أنه ذهب حقيقى.. هل ممكن وقتها أهديه لك.. ده يبقى ثمنه الشىء الفلانى مبلغ ضخم يعنى.. لكن البنت ما زالت تلح.. وإيه يعنى موش حضرتك لبستيه خلاص.. عايزاه تانى ليه.. تقدرى تشترى لنفسك مصاغ غيره وأحسن منه كمان.. ونفد صبر سناء أخيرًا فقالت لها تبقى مجنونة لما تفكرى بالطريقة دى.. لأن ثروة المعلمة فضة ليست فى جيبى.. والبنت لا تكف عن الإلحاح.. هتجنن يا مدام سناء نفسى فى الدهب.. فاقتنعت سناء أخيرًا أن رفع السماعة هو الحل الوحيد.
أحيانًا أزهق حقيقى.. لويس يقول لى معلش يا سناء دول جمهورك.. لكن هل تتخيلى تليفون يرن بصفة دائمة وأتمنى خمس دقائق هدنة.. وآدى انت شايفة بعض المكالمات والطلبات الغريبة.. أضطر أرفع السماعة وأحيانًا أقول النمرة غلط مع إنى ما أحبش الكذب.. أنا طبعًا سعيدة بحب الناس ونجاح المسلسل.. والمكالمات المعقولة تفرحنى.. لكن تصدقى إنى مللت سماع صوتى وهو يكرر نفس الكلام.. ربنا يخليك.. إن شاء الله أقدم عمل جديد.. حاضر.. متشكرة.. مع إنى موش فاضية ورايا شغل البيت كله.. الطبيخ.. وتنظيف البيت والغسيل، أبدًا والله موش مسألة بخل.. أنا أحب كل حاجة تتعمل بإتقان وبأقصى طاقة ولما اشتغل أحط كل قلبى فى الشغل سواء دور أؤديه على المسرح أو أمام الكاميرا ولو حتى غسيل الأطباق.. ولو جبت حد يشتغل فى البيت هعيد تنظيف البيت تانى.. لأن الإتقان أصبح عملة نادرة.
افتكرت دلوقتى فرغلى.. كان ولد صغير ربيته فى بيتى هنا.. شاطر فى شغل البيت مرتبه عشرة جنيهات.. كبر واتجوز وخلف.. طلب زيادة فى المرتب قلت له يا ريت يا فرغلى.. إمكانياتى لا تسمح.. لويس جوزى شاف له شغلانة طباخ فى فندق كبير.. بعد سنة جاء يزورنى.. كان حريص يقول لى على مرتبه 300 جنيه.. وقتها كان مرتبى فى المسرح القومى 150 جنيها ولا أعمل إطلاقًا.. وموش أنا اللى كنت برفض لكن لم يعرض علىّ عمل واحد على مدى خمس سنوات نفسيتى انهارت موش علشان الفلوس.. ربنا يخلى لى جوزى.. صحيح احنا دخلنا على قدنا لكن الحمد لله عايشين.. أنا عندى طاقة فنية خطيرة كانت مكبوتة فوصلت لحافة الانهيار العصبى.
فرغلى معذور لأن عنده مسئوليات ومن حقه يعيش والمجتمع انقلب حاله واختلت موازينه وظهرت فيه شخصيات مثل فضة المعداوى.
وغضب فاضل من سناء
أنا حقيقى حبيت المعلمة فضة لكن كنت خائفة منها جدًا لأنها شخصية صعبة.. أسامة أنور عكاشة أرسل لى الحلقات ولم يقل كلمة.. أراد أن يعرف انطباعى عن الراية البيضاء.. قلت له يا أسامة أنا خايفة من فضة المعداوى.. لكن وأنا بقول له هذا الكلام لم يكن عندى استعداد أن أتنازل أبدًا عن فضة.. أحببتها حقيقى.. لأن أسامة لا يرسم الشخصيات فقط لكن يحفرها.. قادر على أن يجسدها أمامك.. وبعد أن تدرسيها تسكن جواكى وتصبحى أنت وهى شخص واحد.. أسامة كاتب عظيم.. خطير.. فهل هناك مهزلة أكبر من أن يمنع عرض هذا العمل فى مصر بينما يعرض فى كل البلاد العربية.. وفى احتفالات أكتوبر الأخيرة التقيت بصفوت الشريف.. قلت له يا معالى الوزير رقابة التليفزيون مانعة عرض مسلسل «الراية البيضاء» قال لى من مخرجه؟ قلت: محمد فاضل.. طلب أن يذهب إليه فاضل ومعه المسلسل.. صرح الوزير بعرضه دون أى حذف مع أن الرقابة وضعت 27 ملحوظة رقابية.. معنى كده انه ماكانش هيبقى فيه مسلسل.
قلت لسناء: مللنا الخطبة الطويلة التى تقدمها لنا فردوس عبدالحميد قبل بداية كل حلقة لتؤكد لنا أن هذه الشخصيات ليست حقيقية ومع ذلك فهى موجودة فى مجتمعنا.
قالت سناء: سمعت هذا التعليق أكثر من مرة.. لكن أنا لم أشعر بالملل.
وهذه العبارات الفخمة الضخمة التى رددها أبو الغار ومن معه عن الثقافة والفن والمبادئ بطريقة مباشرة خفضت درجة استمتاعنا بهذا العمل العظيم ولو درجة واحدة.
لا تنسى أن المثقفين يميلون لهذا الأسلوب فى الحوار وأسامة أراد أن يقدم صورة صادقة لهم.
قدمت مع فاضل عملًا قمة واختياره لك فى دور معلمة ضربة معلم.
سألت فاضل انت ليه اخترتنى قال أنا عايز معلمة من لون جديد اسمها سناء جميل.. فاضل مخرج متميز رائع بأتمنى أشتغل معاه كمان وكمان.. لأن موش خسارة تمر السنين دون أن نلتقى إلا أخيرًا مع الراية البيضاء قلت له هذا الكلام ببساطة وتلقائية.. تصورى زعل.
معقول!
بعد الحلقة الأخيرة طلبت فاضل لأهنئه.. كنت سعيدة بنجاح العمل.. قلت لفردوس موش خسارة ما أشتغلش مع فاضل كل العمر ده – ليه انت بس اللى تشتغلى معاه.. ما احنا كمان.. فاضل زعل منى.. قلت له: ليه يا أستاذ فاضل.. المفروض الكلمة دى تسعدك موش تزعلك.. ليه تحطنى فى موقف أدافع فيه عن نفسى.. رد وقال.. أنا متجوز فردوس وهى نجمة.
قالت عن فردوس وهى ما زالت طالبة فى المعهد إنها عظيمة.. مافيش حد أتكلم عن مراتك من الممثلات وقال عنها إنها عظيمة غير سناء جميل.. وموش معنى إنى أقول إنى عايزه أشتغل معاك وموش كله لفردوس إنى بقصد أن فردوس وحشة.
فردوس نجمة سواء أردت أنا أم لم أرد.
يمكن فهم كلامك غلط..
لأ.. أنا كلامى واضح.. وبأتكلم بصدق.. كلامى زعل فردوس.. فاضل زعل.. مع كده حاولت أوضح له قصدى من الكلام.. كان عندنا اجتماع فى نادى القاهرة.. حاولت أعاتبه قلت له يا فاضل ده أنا بقول لك موش خسارة أننا مانشتغلش مع بعض.. لكن فاضل قطع الكلام وقال لى خلاص انسى الموضوع وبلاش نتكلم فيه مرة أخرى.
إحساسى قال لى..
شيء فظيع أن الناس تفهمك غلط فتظلمك.. تتألمى وتتعبى أنا عشت موقف هدنى.. رقدت فى السرير أسبوع كامل بسببه.. لأنى كتمت اللى جوايا ورفضت أتكلم وهذا تصرف يتناقض مع طبيعتى.. أنا بطبعى انفعالية وأثور لو كلمة أو موقف غلط أرد وبعد كده أهدأ وأنسى كل شيء فورًا.. ما أشلش فى نفسى.. لكن لو لم أرد أتعب حقيقى.. يمكن كل مواليد برج الثور كده أو يمكن صادف إن فيه اثنين من أصحابى لهم نفس طبيعتى وعرفت بعد كده أنهم من مواليد برج الثور.
لويس هو اللى فرملنى وعلمنى أسيطر على انفعالاتى إلى حد كبير.. دائمًا يقول لى معلش يا سناء بس لو تفكرى شوية قبل ماتثورى.
فضة المعداوى من حزب الأذكياء ذكاؤها فطرى رغم إنها أمية من نوعية الفيروسات التى طفت على سطح المجتمع فى السنوات الأخيرة.
الطريقة التى تناولت بها الدور كانت من تفكيرى أنا الشخصى.. لأن أى إنسان وصولى انتهازى متسلق لا يمكن أن ينجح إذا أظهر أظافره ومخالبه.. فضة لجأت لأسلوب الكلمة الحلوة.. الابتسامة.. الدحلبة.. الرشوة.. لا يمكن طبعًا أفكر أرفع حاجب وأشخط وأنطر لأن الناس هتهرب منى وتتفادانى.. التجارب التى مرت بها فضة عمقت ذكاءها.. بنت غلبانة تبيع البسارية.. سرقت دخلت السجن وخرجت ثم اكتسبت خبرة كبيرة من تعاملها مع الرجال فى حلقة السمك.
كان يهمنى جدًا أعرف رأى الإسكندرانية فيه.. وبالذات بنات بحرى وصلنى مكالمات كثيرة منهم.. «يا حلوة رفعتى راسنا.. يا ختى عليكى يا شربات.. والنبى على قلبك تيجى تزورينا».
أسامة قال لى يا سناء فضة دى شخصية لا يمكن حد يقدر يكرهها، لأنها موش شريرة بالعكس حبوبة ولطيفة وذكية.. لكن اللى عايزاه لازم تاخذه بدون قتل أو دم بدليل إنها حاولت أن تجبر «أبوالغار على أن يبيع لها الفيللا لكنها عاتبت محاميها لأنه حاول أن يلجأ للعنف مع «أبوالغار» ومن معه حتى يرضخ.
لكن أنا كرهت فضة فى مشهد واحد فقط.. قلت لفاضل أرجوك يا فاضل نغير المشهد ده.. أرجوك يا أسامة اكتب غيره.. فاضل وأسامة أصرا أن أؤديه كما كتب.
المشهد يمثل «النونو» عندما جاء ليخطب ابنتى لأننى أنا التى شجعته على هذا رغم أنه عامل بسيط عندى.. جاء لابس عريس.. امسكه من ودنه واركعه على الأرض وأقول له «هى ستك وانت خدامها» هى إيه.. يقول ورايا «هى ستى وأنا خدامها.. صدقينى ماكنتش قادرة أقول الجملة.. صحيح فضة كانت دائمًا تقول أنا بفلوسى أوقف طوابير رجالة وبنتى تختار.. لكن كنت أفضل أن المعلمة تعبر عن إحساسها ده بطريقة أكثر إنسانية.. يعنى مثلًا تقول للنونو كلام تحرجه.. تهزأه يعنى.. تقول له يا جربوع انت تروح الترب تتجوز واحدة من هناك من مستواك.
إحساسي أقوى من ذكائى
هذا عصر الذكاء لا الإحساس
اضطريت أقول الكلام المكتوب.. كل مرة يدخل جوه قلبى يوجعنى أبكى نعيد المشهد.. صورناه 3 مرات حتى أستطيع السيطرة على نفسى فأى موقف لا إنسانى يؤلمنى.
لويس كان يتتبع معى حلقات المسلسل.. عندما وصلنا لمشهد البولدوزر امتلأت عيناه بالدموع لأنه بكل ذكاء فضة المعداوى ورغم الملايين التى تمتلكها والتى اشترت بها أكثر من نصف الإسكندرية وبعض ضعاف النفوس وامتد نفوذها للثقافة والآثار فقد فاتها شيء هام.. أن الشعب المصرى بخير وتتشابك ايديه وقت الخطر.
فعلًا مصر عظيمة ودى طبيعة الإنسان المصرى والعربى ولو أنا بشك فى ده لحظة واحدة أحط المسدس فى فمى وأنتحر.
لويس قال لى: الكل قمة.. لكن محمود الحدينى هو مفاجأة الحلقات.
المشاهد الخارجية صورناها فى الإسكندرية 10 أيام والداخلية شهر فى الأردن ولأننى أحسست بمسئولية هذا الدور وأهميته نسيت سناء تمامًا لصالح فضة المعداوى فكنت لا أختلط بالناس حتى أعيش فضة.. بعد التصوير أعود لجناحى فى الفندق ولا أخرج منه.. باستثناء مرتين.. مرة قضينا السهرة فى النادى المصرى ومرة دعانا السفير المصرى على الغداء.. شلت الهم.. لا أريد أن أخرج عن شخصية فضة ولا يصح أن أتعامل بسوقية.. الحمد لله مرت العقدة بسلام.
ناس كثيرة تعتقد إنى أعمل كثيرًا فى التليفزيون لإنى أختار الأعمال التى تبقى فى الذاكرة.. قدمت 6 أعمال فقط من يوم دخول التليفزيون مصر وحتى الآن.
أجمل أيام حياتى عندما أنجح وأتعسها لو فشلت.. العمل ليس المقيم الوحيد لنجاحك أو فشلك فى الحياة.. بل يشمل الزواج والبيت وتربية الأولاد ومواقفك وعلاقاتك الإنسانية.. لكن النجاح فى العمل مهم جدًا.
والمال ليس مقياس النجاح رغم سيطرته الآن – المهم تميزك فى العمل لذلك قلت لأسامة.. أرجوك يا أسامة ربنا يخليك اكتب لى.. أسامة عارف امكانياتى أكثر منى قلت له نفسى أقدم على المسرح مونودراما سياسية كوميدية.. قال: انتظرى منى مفاجأة.
الرجل الفرنسى مقهور
أتمنى أيضًا أن أقدم المرأة المصرية خلال الـ30 سنة الأخيرة بعد أن يغوص كاتب فى أعماقها ويقدمها على حقيقتها فهى معطاءة وطلباتها قليلة.. تصورى هذه الفكرة فى ذهنى من يوم أن قدمت مسرحية «رقصة الموت» لسترنبرج مع جميل راتب فى باريس.. اثنين ستات اتفرجوا على المسرحية وقالوا عظيمة.. تراهنوا واحدة قالت الممثلة دى أسبانية أو يونانية والأخرى قالت بل مصرية.. قلت فعلًا أنا مصرية صعيدية الست اللى كسبت الرهان دعتنى لأقوم بجولة معها فى الريف الفرنسي.. ثم دعتنى على الغداء فى بيتها.. زوجها على المعاش ظلت تتكلم طول الوقت.. ولو فتح زوجها فمه بكلمة واحدة تقول له اسكت.. صحيح موش بتقول كلام فارغ.. لكن طريقة معاملتها لزوجها ضايقتنى.
تتبعت التليفزيون الفرنسى وبالذات وقت تقديم الندوات.. كان يشترك فيها رجال ونساء.. الستات تتكلم والرجالة ساكتة ولا كلمة.. ولو واحد حاول يفتح فمه يقابل بحصار وإرهاب نسائى.. صحيح الست الفرنسية مثقفة وتقول كلام مفيد لكن الأنا عندها ضخمة جدًا.. وقتها جاءتنى فكرة عمل فنى يقدم المرأة المصرية ويغوص فى أعماقها ويقول منْ هي.
لقاء القمة
أحيانًا يبدأ التصوير من 8 صباحًا حتى 6 مساءً.. أرجع البيت أغيّر هدومى وأغسل وشى وأوضّب السرير وأطبخ.. لأن النشاط مستمر لكن لو حاولت أستريح لمدة خمس دقائق هنام لغاية الصبح.. ومين يطبخ.. أول ما أخلص شغل البيت أرتمى على السرير كيف القتيل.
لكن كل حاجة تعمليها بحب لا تتعبك.. بحب التمثيل والطبيخ وتنظيف البيت والتفصيل والقراءة.. شغل كثير أحس اليوم قصير جدًا.. أقول يا ربى خلاص الدنيا ضلمت ولازم أولع النور.. ده حلو لأنى مشغولة دائمًا ولو أن العمر بينسرق بالشكل ده.
أنا اللى فصّلت وقمت بخياطة كل جلاليب فضة المعداوى.. شوفى مجهود قد إيه.. فى الأول طلبت من فاضل أن يحضر مدير الإنتاج تصميم لأزياء فضة.. جاب لى فساتين شانيل بكرانيش.. قلت «فضة» معلمة ملو هدومها معقول تلبس كده.. رحت وكالة البلح واشتريت قماش قطيفة.. واخدة بالك من الجلاليب التى كنت لابساها الزرقاء والزيتى والنبيتى والبيج والسوداء.. كلهم أنا اللى مفصلاهم.
كل جلابية كانت بتاخد منى شغل من الصبح لليل أسبوع كامل.. وعجبتنى جلابية سوداء عليها طاووس اشتريتها جاهزة.. وكان عندى فستان شيك لونه نبيتى أضفت له خرز علشان أعطيه اللمسة البلدى.
وقفت أمام المرأة بالساعات علشان أختار غطاء رأس ظريف ماركة فضة المعداوى.. الناس كانت مبسوطة.. لكن عجبهم أكثر التربون اللى لبسته فى عيد ميلاد بنتى سمحة.. تصورى التربون ده عبارة عن كول فستان ربطته من الخلف بشريط.. علشان كده معلمة روض الفرج مصممة تقابلنى علشان تسألنى عن اللبس عايزة تقلدنى.
أحكى لك عن معلمة روض الفرج.. من كام يوم مجموعة من الفنانين راحوا سوق روض الفرج.. شافتهم أكبر معلمة فى السوق هناك.. عرفتهم قالت لهم خدونى للست سناء جميل.. عايزة أعرف منها مين اللى عمل لها الجلاليب دى.. كل الحتة بتعايرنى وتقولى فضة المعداوى معلمة أجدع منك.. لازم تلبسى زيها تمام.. أنا موافقة.. يا ريت لأن لبسها عاجبنى.. الفنان محمد كامل حكى لى الحكاية دى قلت له هى لابسة إيه يا محمد.. قال لى جلابية قماشها غالى جدًا وعلى رأسها منديل وطرحة.. لبس متكلف كثير لكن تقليدى.
اللبس أخد منى مجهود كبير لأنه عنصر أساسى فى رسم الشخصية.. الشغل موش بيتعبنى ما دام بحبه.. اللى تاعبنى حقيقى الـ69 سلمة اللى بطلعها لغاية ما أوصل لشقتى فى الدور الثالث.. كل دور ونصف أقف علشان آخد نفسى.. يمكن علشان كده فيه حلم يتكرر معى من سنين طويلة.. أنا كنت ساكنة فى جاردن سيتى فى عمارة سيف الدين.. كانت شقة جميلة جدًا أو يمكن أنا شايفاها كده لأنها فى الدور الأول.. ما أعرفش إزاى صاحب البيت ضحك عليّ وأخدها منى.. يمكن كنت محتاجة لفلوس فعرض عليّ مبلغ أخذته وسبت الشقة.. من يومها وحتى الآن أشوف الشقة دى كثير جدًا فى أحلامى.
عندى أمل أن أتخلص من هذا الحلم قريبًا.. حماتى عندها كام فدان باعتها وأخو لويس ناوى يبنى بيت صغير سنأخذ عنده شقة قلت له عايزة الدور الأرضى أيوة.. طبعًا.. هفتح الشبابيك وموش خايفة من حاجة.. الحرامى لو دخل بيتى موش هيلاقى حاجة.. وموش هقول إنه هيترك لنا شيء علشان إحنا صعبانين عليه.. لأنى موش بقول نكتة.. لكن أنا ولويس عندنا الستر فقط.. دى موش شكوى لكن مجرد معلومة بقولها لأن كل إنسان لا بد يتحمل نتيجة المبدأ اللى اختاره ويكون راضياً.
فيه ناس تقبل تعمل حاجات كثيرة موش على مستوى وتكسب ملايين وعندها عمارات.. لكن مين تهون عليه نفسه يعمل فيها كده.
سعادتى فيها لمسة حزن
عبدالمنعم إبراهيم الله يرحمه هو اللى قال لى على الشقة دى.. لأن هو كان ساكن فى نفس العمارة.. الشقة حلوة.. وأجمل ما فيها إنها تطل على النيل.. لحظة الغروب والشروق وضوء القمر على صفحة النيل شيء خرافى.. منتهى الشاعرية والجمال.. قمة الرومانسية والحزن أعيشها لحظة الغروب.. لحظة فيها دفء وأطفال بتنام وجو لونه غريب وحلو.. لكن نهاية يوم.. ولحظة الشروق فيها إحساس بالحياة والعمل والتدفق.
أنا قابلت لويس فى الشقة دى.. فاكرة تمام يوم ما اتجوزنا كان أسعد أيام عمرى.
بصى كده على التاريخ المكتوب على الدبلة.. لأن موش معايا النظارة.. لكن ليه.. أنا فاكرة التاريخ كويس.. أول أغسطس سنة 61 افتكرت دلوقتى صديقتى الصحفية السودانية لأنها سبب لقائى بلويس.. كانت بتعرف كل الصحفيين وأنا ماعرفش حد منهم.
تصدقى إنى كنت لغاية الأيام دى عمرى ما قابلت صحفى.. قالت لى يا سناء أنا عايزة أعزم مجموعة من الصحفيين على الغداء.. لفيت أنا وهى على كازينوهات وفنادق كثيرة.. أسعار غالية نار.. احترنا نعمل إيه.. قلت لها خلاص اعزميهم فى بيتى.. قالت لى موش هتضايقى.. قلت لها أتضايق ليه.. نزلنا مع بعض اشترينا الحمام واللحمة والخضار وجبنا طباخ.
العزومة كان فيها صحفيون كُثر.. فاكرة منهم دلوقتى يوسف السباعى، إحسان عبدالقدوس، فتحى غانم، أحمد بهاء الدين، جورج البهجورى، ولويس جريس.. الأستاذ لويس لفت نظرى.. ساكت ومنتبه لكل شيء.. شيك قوى فى تعامله.. قال لى أنا كنت مسافر بدرس فى أمريكا فلم أرَ أعمالك.. النهارده اتفرجت على فيلم «بداية ونهاية» حفلة 3 علشان عارف إنى جاى عند حضرتك بالليل.. عجبنى تحليله لدور نفيسة فى بداية ونهاية.. تعبيراته دقيقة جدًا.. اتمنيت أقعد معاه كثير ونتناقش.. لكن إزاى.. ممكن ماشوفوش تانى.. قلت لازم أقتحمه.. وهو خارج أعطيته قرش صاغ وقلت له اضرب لى تليفون.. ابتسم وأخد القرش.. وحصل.
جايين الدنيا ما نعرف ليه؟!
لويس غيّر فيّ حاجات كثير.. أصبحت أنظر للحياة بشكل مختلف.. موش بقول إنى اتغيرت من النقيض للنقيض.. بدليل إنى عمرى ما فكّرت أجيب أولاد.. أخلف عيال أعمل بيهم إيه طالما موش هقدر أوفر لهم حياة رغدة.. هيشربوا نفس مبادئى يعرفوا امتى يقولوا لأ حتى لو كانت الدنيا هتنهد على رأسهم.. معنى كده إنى جايباهم علشان أعذّبهم مع سبق الإصرار.
أحيانًا لما أقعد بينى وبين نفسى أقول ما كانش فيه داعى إنى آجى الدنيا.. أنا جيت الدنيا بعمل إيه يعنى؟! الحياة تعب تعب.. «كررت سناء كلمة تعب 7 مرات».
خصوصًا لما يكون الإنسان ماشى دوغرى.. تبقى متعبة قوى ومكلفة: كان هينقص الدنيا إيه لو أنا موش فيها.. وأستغفر الله العظيم يا ربى لو كان أهلى خيّرونى كنت أقول موش عايزة آجى.. ولأنى ما أقدرش أستشير ابنى ييجى أو ما يجيش يبقى بلاش أحسن.. الدنيا ضيقة قوى على اللى ماشى صح.. آدى أنت شايفة أنا بشتغل إيه ولويس إيه..
ما قدرش أشترى شقة تمليك.. نفسى فى شقة فى الدور الأول أو عمارة فيها أسانسير.. أعمل إيه ما أقدرش أعمل تنازلات.. لو حاجة موش عاجبانى ما أعملهاش حتى لو كنت هكسب من وراها مال قارون.. لو فيه طفل يمكن كنت أفكر أعمل بعض التنازلات.. عذابى يزيد.. وبرضه موش هقدر أتغير.. أنا راضية عن مبادئى وإلا كنت غيّرتها من زمان.
مأساة «بوسيت الجميلة»
أنا بخاف جدًا من المرض.. لا يمكن أرقد فى السرير إلا لما حرارتى توصل 39، وأيام البرد الانزلاق الغضروفى يتعبنى أضطر أنام يومين ثلاثة على ظهرى.. وبخاف جدًا من الموت.. أستغفر الله العظيم موش قادرة أتخيل أنى أبقى موجودة دلوقتى وكلى حيوية وبعدين ما أبقاش.. يمكن فيه غيرى بيفكر كده لكن ما يقولشى.. أنا بقول اللى جوايا ببساطة ليه أخبّى.
أنا زوجة موش غيورة لأن لويس إنسان نظيف ودوغرى ومهذب وصادق.. دى الصفات التى يستحق أن يُمنح الرجل بسببها لقب «سيد» موش أى راجل يستحق هذا اللقب.. اللى يحدد ده تصرفاته وطريقة تعامله.. أيوة أنا بشوف الراجل الصح سيد لكن موش «سى السيد» لأن حرف سى هنا يحمل معنى العبودية.. وقتها الست ممكن تخاف من الراجل لكن لا تحبه أو تحترمه.
وعندما تنادى «بوسيت» على سناء لا تستطيع أن تتأخر عنها لحظة.. قامت بلهفة لترد عليها عادت وهى تحملها.. تختبئ بوسيت فى حضن سناء.. ترتدى معطفًا من التريكو الأحمر وملفوفة بشال أبيض.. المعطف والشال شغل يد سناء.. «بوسيت» بيضا مثل اللبن.. شعرها حرير.. مربوط بشريط أخضر حتى لا يسقط على عينيها.. تريد أن تأكل شيكولاتة.. الشيكولاتة الموجودة بالنوجة.. اضطرت سناء أن تعجن لها قطعة حتى تصبح لينة.. النوجة مطاطة التصقت بسقف حلق «بوسيت» واحتارت فى فمها.. لكنها سعيدة بطعمها الحلو – بوسيت هى كلبة سناء الجريفون.
سناء تعاملها بحنان عجيب.. نصفها الأسفل مشلول.. عجزها يوجع قلبك.
شايفة حبيبة أمها – قد إيه جميلة.. أردت أن أحميها من المرض أخذتها للطبيب.. حقنها ضد السعار.. الحقنة غلط.. وربما المصل فاسد.. «مسألة ضمير».
يوم 24 ديسمبر الماضى كان يوم رهيب فى حياتى.. كنا معزومين عند ناس أصحابنا فى الزمالك.. موش متأكدين من رقم العمارة. لما أكون مع لويس أنا اللى أسوق العربية حتى لا أضايقه.. طول ما هو بيسوق أقول له حاسب خلى بالك على مهلك.. يتضايق.. اتفقنا لما أكون معاه أسوق أنا.
وقفت العربية ونزل لويس ليتأكد من رقم العمارة.. شفت عربية بتجرى بسرعة جنونية.. ولولا أن لويس مال بجسمه للخلف كانت العربية يا ساتر يا رب.. لحظة يا رب ما توريها لحد ولا لعدو.
أنا بسوق بحرص شديد وأنفذ التعليمات ولا يمكن أخرق القانون أبدًا.. ده تكوينى وكمان عيب لما سناء جميل تعمل كده.
دائمًا تلاقى معايا البطاقة الشخصية ورخصة السيارة ورخصة القيادة.. ولو نسيت أى واحدة من الثلاثة أطلع الـ69 سلمة تانى وأجيب الأوراق اللى نسيتها.. دى الأصول.
مرة كنا سهرانين عند أحمد زكى المخرج المسرحى.. وأنا راجعة بالليل وقرب نادى الصيد ضباط المرور استوقفونى أنا وغيرى بيسألوا عن الرخص.. دى المرة الوحيدة اللى ما كانتش معايا.. لويس أخدها علشان يجددها وتركها فى البيت.. الضابط عرفنى وقال لى اتفضلى يا مدام سناء.. قلت له لا معلش أنا هروح أجيب الرخصة وأرجع لك تانى.. هو افتكر إنى بقول كده لأنى لما رجعت بالرخصة اندهش وقال لى ليه.. قلت له كده لازم ده حقك وأنا وعدتك.
أنا أحب الإنسان يمشى صح علشان كده بثور لما ألاقى حاجة غلط.
المعلمة فضة المعداوى 93 كيلو
مسألة العمر موش فى بالى.. ولا يمكن أخبّى سنى.. ولو أى مخلوق سألنى عمرك كام سنة إما أقول بالضبط اليوم والشهر والسنة أو أقول له وانت مالك.. يعنى موش ممكن أكذب.. أنا بينى وبين نفسى عارفة سنى كام ليه أخبيه عادى.. لكن اللى بيغيظنى إنى بشوف زميلاتى وزملائى اللى من نفس سنى بيصغروا فجأة وأنا بكبر لدرجة كمان شوية هلعب دور أمهم.. قلت أكيد بيشدوا جلد وشهم.. أيوة طبعًا لما تشوفى واحدة بدل ما تكبر بتصغر يبقى إيه السبب بالعقل كده.. فى مرة اتهفيت فى عقلى وقلت للويس.. إيه رأيك يا لويس أشد وشى أنا كمان.. قال لى موش حرام عليك يا سناء اللى انت عملتيه بإيديكى فى سنين عمرك إزاى يهون عليك تلغيه.. ياه.. شوفى الكلمة عظيمة قد إيه.
اللى مضايقنى حقيقى زيادة وزنى.. أثناء تصوير مسلسل «الراية البيضاء» كان وزنى 93 كيلو.. هو ده الوزن المناسب للمعلمة فضة المعداوى لكنه لا يناسب سناء – بدأت رجيم من أغسطس الماضى– وزنى الآن 81 كيلو –احسبى فقدت كام كيلو فى كام شهر تلاقى النتيجة كويسة– أقول لك على طريقة الرجيم – آكل بدون ملح نهائي.. طبعًا طعم الأكل بيبقى صعب مع إنى طباخة ممتازة.. أحيانًا أحس بجوع شديد أفكر إنى هآكل من غير ملح نفسى تنسد.. مع إنى بحط ليمون كثير علشان يحسن الطعم.. ولا آكل نشويات إطلاقًا وأستعمل عيش الرجيم.. وآدى أنت شايفة النتيجة هايلة موش كده.. المهم قوة الإرادة.. والحمد لله أنا أتمتع بقوة إرادة حديدية.



