بحسب تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن إيران وافقت «نوعًا ما» على شروط الاتفاق النووى مع الولايات المتحدة، ووصف المحادثات الأخيرة بين البلدين بأنها «مفاوضات جادة للغاية» من أجل «سلام طويل الأمد».
المرشد الإيرانى، على خامنئى، من مستوى انتقادات لتصريحات الرئيس ترامب خلال جولته لدول الخليج، قائلاً إن على الولايات المتحدة الرحيل من هذه المنطقة وسترحل واتهم خامنئى ترامب بـ«الكذب» عندما قال إنه يريد السلام فى المنطقة.
الدكتور محمد عبادي، الخبير فى الشؤون الإيرانية قال: إن ترامب يسعى لتحقيق إنجاز تاريخى جديد لعدة أسباب. أولها، أنه قدم نفسه فى الداخل الأمريكى باعتباره رجل دولة يسعى لتحقيق تقدم اقتصادى كبير، من خلال تخفيض أسعار النفط والغاز والدواء والكهرباء، وفتح مجالات جديدة للتوظيف داخل أمريكا. ويعتقد أن تحقيق هذا الهدف يمرّ عبر سياسة إطفاء الحرائق فى العالم، سواء فى الحرب الروسية الأوكرانية، أو فى الأزمات المتصاعدة فى الشرق الأوسط، خاصة بين إسرائيل وكل من إيران وغزة. ومن ثم، فإن إنهاء الحروب وإتمام الاتفاق النووى مع إيران يعد هدفًا استراتيجيًا بالنسبة له.
أما السبب الثاني، فيكمن فى طبيعة ترامب كرجل أعمال يبرم الصفقات، فهو يتعامل مع الملف النووى الإيرانى بمنطق الصفقة، ووضع شروطًا واضحة من بينها تصفير تخصيب اليورانيوم داخل إيران. فى المقابل، يتبنى الإسرائيليون، وتحديدًا نتنياهو، موقفًا أكثر تطرفًا يدعو لتفكيك البرنامج النووى الإيرانى بالكامل، على غرار ما حدث مع البرنامج الليبى سابقًا. ويريد ترامب ومستشاره للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، خفض التخصيب إلى الصفر، وهو ما يشكّل معضلة بالنسبة لإيران، التى تدرك أن نفوذها فى المنطقة قد تراجع كثيرًا، خاصة بعد الضربات التى تلقاها حزب الله، وسقوط نظام بشار الأسد فى سوريا، مما أضعف قدرتها على استخدام وكلائها وأدواتها الصاروخية.
وفى هذا السياق، تتعامل طهران مع الملف النووى كورقة أخيرة على طاولة التفاوض. فهى تفكر فى إمكانية القبول بعدم تصنيع أو امتلاك قنبلة نووية، مقابل رفع العقوبات، وإعادة دمجها فى المجتمع الدولي. غير أن التحدى الأكبر أمامها هو ماذا سيحدث لو تنازلت عن هذه الورقة. هل سيتعرض برنامجها النووى لضربات إسرائيلية؟ وهل ستفقد بذلك قدرتها على ردع أعدائها؟ هذه تساؤلات تثير قلقًا حقيقيًا داخل إيران.
وعن سبب ما وصفه ترامب بموافقة «نوعًا ما» من قبل إيران على شروط الاتفاق، أوضح الدكتور «عبادى» فى تصريحاته لـ«المصور»، أن الوضع الداخلى المتدهور فى إيران هو الدافع الأول. فالوضع الاقتصادى هناك فى أسوأ حالاته، حيث أصبح الدولار يساوى 100 ألف تومان، بعدما كان 4 آلاف فقط عام 2017. وارتفعت نسب الفقر، فى ظل ضغوط أمريكية شديدة على صادرات النفط. كل هذه العوامل دفعت إيران إلى طاولة التفاوض، وإن كانت غير راغبة بذلك من حيث المبدأ، خصوصًا أن المفاوضات جاءت بعد تصريحات مباشرة من ترامب عن إمكانية قلب نظام الحكم الإيرانى أو توجيه ضربات عسكرية مباشرة للمنشآت النووية.
من جهة أخرى، هناك محفزات تجعل إيران تفكر جديًا فى التفاوض. من بين أبرز هذه المحفزات، وجود 150 مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة فى دول مثل كوريا الجنوبية واليابان والعراق. وهناك أيضا رغبة حقيقية فى دخول الشركات الدولية إلى السوق الإيراني، خاصة مع ما تعانيه البلاد من أزمات فى إنتاج الغاز والكهرباء، رغم أنها تمتلك ثانى أكبر احتياطى غاز فى العالم. ولا يمكن إغفال رغبة طهران فى إنهاء التهديدات اليومية من واشنطن وتل أبيب، والتى باتت تلوّح بشكل متكرر بضرب منشآت استراتيجية داخل إيران.
كما أشار «عبادى» إلى أن المفاوضات الحالية تدور حول خمس مراحل، والمطلب الأمريكى واضح: منع إيران من امتلاك سلاح نووي. فى المقابل، تؤكد إيران أنها لا تسعى لامتلاك قنبلة نووية، لكنها ترفض وقف التخصيب بشكل كامل. وبحسب «عبادى»، فإن إيران قد توافق على خفض التخصيب إلى حدود معينة، كما حدث فى اتفاق 2015، وأن تعود إلى مستوى تخصيب 60 فى المائة فقط، مع السماح بزيادة وتيرة عمليات التفتيش، مقابل رفع العقوبات الأمريكية عنها. غير أن المشكلة، كما يراها الدكتور عبادي، تكمن فى أن ترامب يذهب إلى هذه المفاوضات مدفوعًا بعقدته تجاه باراك أوباما وجو بايدن، ولا يريد تكرار اتفاق 2015 نفسه، حتى لا يتهم بأنه عاد عن قراره بالانسحاب من الاتفاق القديم دون مكاسب إضافية.
وفيما يتعلق بإمكانية حدوث مواجهة عسكرية مفتوحة، استبعد الدكتور عبادى هذا الاحتمال، مؤكداً أن الخيار التفاوضى هو المتاح حاليًا، وأن تهديدات ترامب تدخل فى إطار الضغط لا أكثر. لكنه حذّر فى المقابل من محاولات بنيامين نتنياهو تعطيل هذا المسار. ولفت إلى التفجيرات التى وقعت فى ميناء “رجائي” فى بندر عباس، والتى وُجهت فيها أصابع الاتهام إلى إسرائيل، ورد الحوثيين بإطلاق صاروخ على مطار بن جوريون، كمؤشرات على أن هناك من يسعى لجرّ المنطقة إلى مزيد من التوتر.
وأشار إلى أن الجولة القادمة من المفاوضات ستكون حاسمة، سواء فى اتجاه إبرام اتفاق جديد، أو حتى مجرد اتفاق مؤقت. أما إذا فشلت الجولة، فقد يعود نتنياهو إلى طاولة التهديد بضرب المنشآت النووية الإيرانية، ما يعيد الأزمة إلى المربع الأول.

