فى قلب الجنوب، حيث ظلت التنمية الحقيقية حلمًا مؤجلًا، يمر اليوم قطار لا يحمل فقط الركاب والبضائع، بل يحمل وعدًا حقيقيًا بالمستقبل، فهناك الآن مشهد جديد يرسم نفسه بهدوء فوق تراب الصعيد.. شبكة القطار الكهربائى السريع تدخل إلى صعيد مصر ليس فقط كوسيلة نقل، بل كخط تنموى عابر للزمن والتهميش، يُعيد رسم الخريطة الاقتصادية والاجتماعية لجنوب البلاد.
بسرعة تصل إلى 250 كيلومترًا فى الساعة، وعلى قضبان جديدة تمتد فى قلب الصعيد، يشق القطار الكهربائى السريع طريقه ليعيد رسم خريطة الحركة والتنمية.. المشروع، الذى يُعد أحد أضخم مشروعات البنية التحتية، يمثل تحوّلًا استراتيجيًا فى منظومة النقل، ليس فقط لكونه وسيلة حديثة ومستدامة، بل لأنه يحمل على متنه رؤى التنمية والتكامل الإقليمى بين مدن وقرى امتدت طويلًا فى عزلة نسبية عن محاور الحركة السريعة.
وفقًا لبيانات المشروع، يمتد الخط الثانى من شبكة القطار الكهربائى السريع من أكتوبر وحتى أبوسمبل، ويخترق قلب الصعيد من الشمال إلى الجنوب، مرورًا بمحافظات المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان.. وفى المسافة الواقعة بين المنيا وسوهاج، والتى تشهد حاليًا أعمال تنفيذ مكثفة، تم التخطيط لإنشاء 11 محطة متنوعة الوظائف، منها محطتان رئيسيتان للقطارات السريعة والإقليمية، وتسع محطات إقليمية موزعة على التجمعات السكانية والمناطق الصناعية.
المحطتان الرئيسيتان فى هذا القطاع هما محطة أسيوط ومحطة سوهاج، وهما مصممتان لخدمة حركة القطارات السريعة والإقليمية فى آنٍ واحد، فعلى سبيل المثال تقع محطة أسيوط على الطريق الصحراوى الغربى بالقرب من مدينة ناصر الجديدة، وتخدم جامعة المستقبل، ومدينة الهضبة، ومطار أسيوط، والمناطق الصناعية الحديثة مثل «الصفا»، إلى جانب ارتباطها بمحاور النقل كطريق الوادى الجديد.
هذه التعددية فى الوظائف تمنح المحطة دورًا محوريًا فى الربط بين المدينة القديمة والمجتمعات العمرانية الحديثة، فضلًا عن دعمها لحركة الزوار والطلبة والعمال.
أما محطة سوهاج، فتُعد بوابة جديدة لجنوب الصعيد، حيث تخدم مطار سوهاج والمنطقة الصناعية بجرجا، ومدينة سوهاج الجديدة، وتفتح مسارات جديدة للتنمية فى جنوب الوادى، بما فى ذلك دعم شبكات التوزيع اللوجستى للمناطق الصناعية والزراعية المجاورة.
وفى محافظة أسيوط، تخدم محطة ديروط مناطق الإنتاج الزراعى ومركز دشلوط، إلى جانب كونها نقطة تواصل مع الواحات الغربية مثل الفرافرة، ما يعزز وظائف النقل بين واحات الصحراء والوجه القبلي. بينما توفر محطة القوصية منفذًا مهمًا للوصول إلى دير المحرق ومسار العائلة المقدسة، ما يدعم جهود الدولة فى تهيئة البنية التحتية للسياحة الدينية.
وتُكمل محطة طهطا الصورة، بخدمة المدينة الصناعية القريبة منها، بما فى ذلك مصنع الأسمنت، إلى جانب كونها نقطة حيوية للربط مع جهينة ومراكز الإنتاج الزراعى فى المنطقة، أما محطة جهينة، فتُعد امتدادًا لهذا المحور الصناعى، وتسهم فى تكامل حركة النقل مع المناطق الصناعية القائمة والمخططة.
كما كان الفريق كامل الوزير واضحًا فى رسالته، حين التقى العمال على خطوط الإنشاء، حيث أكد لهم تقدير الرئيس لجهودهم، واعتزازه بكل عمال مصر ودورهم الكبير فى تنفيذ المشروعات العملاقة فى مختلف المجالات، موجهًا بتكثيف الأعمال على مدار الساعة خاصة مع أهمية المشروع الذى سيمثل نقلة نوعية هائلة فى وسائل النقل الجماعى الأخضر المستدام الصديق للبيئة فى مصر، ومشددًا فى الوقت نفسه على مراعاة أن تكون مواقع المحطات بصفة عامة قريبه من الطرق والأماكن السكنية ومناطق التقاطعات مع محاور النيل، لخدمة سكان محافظات الصعيد، وأن تكون جميع طرق الاقتراب للمحطات حرة وتخدم جميع اتجاهات الحركة المرورية، تيسيرًا على المسافرين للوصول إلى المحطات من كل الاتجاهات ومن جميع المدن والقرى القريبة.
أهمية هذا المشروع لا تقتصر على الجوانب النقلية فحسب، بل
الدكتور حسن مهدى أستاذ الطرق بجامعة عين شمس يقول إن كل وسائل النقل الحديثة أخذنا فيها بما توصل إليه العالم خارجيًا من أسلوب لوسائل النقل التى تكون صديقة للبيئة وقليلة الانبعاثات الكربونية، وعلى سبيل المثال فالقطارات السريعة تمثل دفعة كبيرة للعمل التنموى فى مصر، إذ نستطيع من خلالها توصيل مستلزمات الإنتاج من الموانئ إلى المناطق الصناعية وبالتالى تقليل تكلفة النقل والذى بناءً عليه يقلل من تكلفة المنتج النهائى الذى يصل للمواطن، بخلاف سرعة الوصول إلى أى منطقة فى الجمهورية وتقليل مشقة السفر على المواطنين.
»مهدى» أكد أن مثل هذه المشروعات عائدها ليس سريعًا كما يتخيل البعض، بل يأخذ وقتًا لكى ترى ثماره، فضلًا على أن الأصل أن منظومة النقل قطاع خدمى، لا تهدف الدولة للربح منه بل من المشروعات التى تقام حوله.
ومن المنتظر أن يُحدث تشغيل هذا الخط نقلة نوعية فى حركة النقل بالصعيد، حيث لن يكون وسيلة للانتقال السريع فحسب، بل عامل محفز لجذب الاستثمارات، وتوطين السكان فى المجتمعات الجديدة، وتقوية الروابط الاقتصادية بين محافظات الجنوب والمراكز الصناعية الكبرى فى القاهرة والدلتا.
أعمال تنفيذ المحطات والهياكل الخرسانية تسير بوتيرة متسارعة، وتخضع لرقابة ميدانية مباشرة من وزارة النقل، حيث شدد الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، على ضرورة العمل على مدار الساعة للانتهاء من الإنشاءات فى المواعيد المحددة، بما يواكب الجدول الزمنى الطموح الذى وُضع للمشروع.
ولا تتوقف أهداف الخط عند هذا الحد، بل يُسهم أيضًا فى ربط المقاصد السياحية فى أقصى جنوب مصر مثل أبوسمبل وأسوان والأقصر وأبيدوس بالمواقع الأثرية المركزية فى القاهرة الكبرى، وعلى رأسها منطقة الأهرامات والجيزة، بما يُعزز من فرص تطوير السياحة الثقافية والداخلية.
كما يوفّر الخط وسيلة نقل فعّالة لنقل الركاب والبضائع على حد سواء، ويساهم فى الربط بين مناطق استخراج الخامات والثروات المعدنية، مثل أبوطرطور وقنا وأسوان، وبين الموانئ المخصصة للتصدير، ما يرفع من كفاءة منظومة سلاسل الإمداد ويقلل الاعتماد على وسائل النقل التقليدية.
