رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

لقاء نادر مع «جيهان السادات»


31-5-2025 | 16:38

.

طباعة
بقلم: سناء السعيد

«جيهان صفوت رؤوف» هى «جيهان السادات» سيدة مصر الأولى التى التقيت بها فى 2020 لأجرى معها لقاء نادرا قبل وفاتها فى التاسع من يوليو 2021، وهو اليوم الذى أصدر فيه الرئيس «عبدالفتاح السيسى» قرارا بمنحها وسام الكمال، مع إطلاق اسمها على «محور الفردوس». إنها جيهان السادات حرم الرئيس «محمد أنور السادات»، وهى باحثة وسيدة مجتمع، وتعد أول سيدة أولى فى تاريخ الجمهورية المصرية تخرج إلى دائرة العمل العام. وهي محاضرة جامعية بجامعة القاهرة سابقا، وأستاذ زائر بالجامعة الأمريكية، ومحاضرة فى جامعة «كارولينا» الجنوبية.

 

 

كان لجيهان السادات مبادرات اجتماعية ومشاريع إنمائية. أسست جمعية «الوفاء والأمل»، وشجعت تعليم المرأة، وطالبت بضرورة حصولها على حقوقها فى المجتمع المصرى، ودعم دورها السياسى. عدلت بعض القوانين منها قانون “الأحوال الشخصية” الذي لا يزال يعرف حتى الآن بقانون “ جيهان”. فى بداية اللقاء بادرتها بالسؤال عن رؤيتها بالنسبة للزوج “ محمد أنور السادات” فقالت: (زوجى لم يكن ديكتاتورا بل كان رئيسا فذا وحكيما ووطنيا صادقا. كان زوجا مثاليا، وأبا رائعا. افتقده كثيرا. لم أكن أتدخل فى قراراته، ولكنى لم أمنع نفسى من التدخل فى المسائل النسائية، ونجحت فى إقناعه بدور المرأة وضرورة تطويره، فاستجاب لى من خلال أمرين: الأول أنه حدد 30 مقعدا للنساء فى مجلس الشعب، وأقر قانون الأحوال الشخصية من أجلى).

«جيهان السادات» إنسانة مرهفة الحس إلى أقصى درجة، بسيطة تلقائية. لم يكن لقائى بها هذه المرة هو اللقاء الأول، فلقد التقيت بها مرات عديدة عندما كانت سيدة مصر الأولى. كانت تحدثنى عن كل شىء.. نشاطها الباهر، وبصماتها الرائعة عبر جهودها فى المجالين الاجتماعى والإنسانى، عن جمعية “ الوفاء والأمل” للمعاقين، والتي كانت وراء إنشائها. لم تنسها. ولكنها كانت تشعر بألم عندما ترى أن المشروع الذى رعته وكانت وراءه قد أوقف بعد رحيل زوجها. ولكن هذه هى الحياة، ولذلك يجب ألا نقف طويلا أمام أحداثها، ولا أمام التغيير الطفرى الذى قد يصيب الإنسان من جراء المتغيرات فيها، فالمواقف تتغير وفقاً لمعادلات السلطة وتحركاتها. فإذا كانت السلطة بقبضتك فأنت متوج بغير تاج، ولكن ما إن تخرج عن نطاقه حتى يصنف كإنسان آخر لا يتم التعامل معه بالحيثية التى تم التعامل بها من قبل. هذه هي الحياة وما تأتي به يجب عليه تقبله، فلا يغضب ولا يصدم ولا يتوقع الأحسن. الإنسان بطبعه يجرى وراء السلطة، فإن حظى بها نال كل شىء، ولكن إذا غابت عنه غابت عنه مزاياها، وبالتالى يصبح “مرفوعاً من الخدمة”.. ساقط القيد، فلا يتم التعامل معه وفق الأصول المرعية معه وهو فى السلطة. وهذه هى الحياة.

سألت “ جيهان” يومها عن منصب السلطة بين التربع على ساحته والخروج منه، فقالت: ( أمر طبيعى، فأى رئيس دولة لابد أن يكون مثار اهتمام، ولابد أن يشكل عنصر جذب).

سألتها عن النفاق، وهو الصفة الغالبة عند المتعاملين مع من يملك السلطة، لا سيما وأنها مرت بمواقف تخللها النفاق، وهو مرض العصر، ووسيلة لخداع الآخر؟ فقالت:( لم يكن النفاق هو المسيطر. ولكن وبسهولة يمكن للمرء معرفة من يخدعه ومن لا يخدعه. ولكن يظل هناك فارق بين النفاق والمجاملة)،

وأسألها: (هل انتابك شعور بخيبة الأمل إزاء المخادعين)؟، فقالت:( لا بالطبع لأن خيبة الأمل تأتى عندما تتوقعين حدوث شيء وترى نقيضه. ولكنى لم أتوقع من هؤلاء إلا ما رأيته على أرض الواقع. وإذا كان الإنسان ملماً بالنفس البشرية سيكون على بينة بوجود أنماط على هذه الشاكلة، العملية ليست مفاجأة بالنسبة لى).

وخلافا لذلك كان لـ” جيهان السادات” موقف رائع حيال “ شاه إيران” وزوجته بعد أن بات خارج السلطة. تبنت موقفا إنسانيا رائعا يتمشى مع مقولة (ارحموا عزيز قوم ذل)، فكانت أكثر من تعاطف مع وضعه عندما تحدثت زوجته معها، فلقد سارعت وعرضت استضافتهم فى مصر، وحرصت على تبديد قلق زوجة الشاه التى كانت فى وضع اليائس الخائفة على زوجها من مؤامرات تحاك ضده.وجدت “ جيهان” نفسها فى وضع الأنثى التى تغلف ما تقدمه من عرض بورق السوليفان، فقالت على استحياء لزوجها السادات:( أنها أخطأت عندما تسرعت وعرضت على زوجة الشاه إمكانية قدوم الشاه إلى مصر، وإجراء العملية الجراحية التي يحتاجها. وأن تعاطفها مع زوجة الشاه هو الذي فرض عليها اتخاذ هذا الموقف). وأحرزت “ جيهان” بأسلوبها الدبلوماسي الهادئ موافقة زوجها السادات على دعوة شاه إيران إلى مصر. وقال لها السادات يومها: ( لا يمكن أن يلجأ إلينا أناس فى محنة ونتخلى عنهم. عندما تتحدثين مع زوجة الشاه هاتفيا قولى لها على الرحب والسعة. نحن فى انتظارها هى وزوجها. سأبعث بطائرة خاصة لإحضاره. أنا لست أمريكا التى انقلبت عليه بعد أن كان صديقا لها).

كانت زوجة الشاه قد أخبرت “جيهان السادات” السبب فى مخاوفها على زوجها، وحدثتها عن المؤامرة التى كانت تحاك من جانب أمريكا وبموجبها يتم تسليم شاه إيران إلى السلطات الإيرانية خلال 24 ساعة. يومها خرجت جيهان السادات من هذا الموقف بتجربة حية أدركت من خلالها أن أمريكا ليس لها صاحب، وأدركت أكثر وأكثر أن السياسة مصالح وليس لها صاحب، وإذا تعارضت المصلحة مع الصديق فمن السهل بمكان التخلي عن الصداقة مقابل إعلاء المصلحة.

وقبل أن أتركها عاودت سؤالها: ماذا إذا أعيدت الكرة من جديد ولجأت إليك زوجة رئيس آخر خارج السلطة، وأردفت جيهان وقالت على الفور:( صدقينى أعطيه بيتى، فأنا ضعيفة أمام أزمات الغير. وإذا كان في يدي مخرج سأسارع بتقديمه عن طيب خاطر).

أخبار الساعة

الاكثر قراءة