تمثل الضرائب المصدر الأساسى للموارد فى الموازنات العامة لأغلب دول العالم، وفى مصر يستهدف مشروع موازنة العام المالى 2025 - 2026 مساهمة الضرائب بنحو 84 فى المائة من جملة الإيرادات العامة وبزيادة تصل لـ30 فى المائة عن العام الحالي، حيث تسجل الإيرادات الضريبية المستهدفة فى مشروع الموازنة الجديد نحو 2.6 تريليون جنيه مقابل نحو 2 تريليون متوقعة بموازنة العام الحالى.
الاعتماد على الضرائب كمصدر أساسى للموارد العامة، يجعلها على رأس الملفات التى توليها الحكومة اهتمامًا إجرائيًّا وتشريعيًّا، وهو ما ظهر بوضوح فى حزمة التسهيلات الضريبية التى أقرتها الحكومة مؤخرًا بموجب ثلاثة تشريعات ضريبية، تستهدف معالجة الخلل الذى تسبب فى تراكم متأخرات ضريبية، قيمتها 458 مليار جنيه، وفقًا للحساب الختامى لموازنة 2023 - 2024، أى بنهاية يونيو 2024 مقارنة بـ154 مليار جنيه خلال 2018، أى بزيادة تقارب من 200 فى المائة خلال ثمانى سنوات.
حزمة التسهيلات الضريبية التى أطلقتها الحكومة لا تقتصر أهميتها على معالجة مشكلة المتأخرات الضريبية فقط، لكنها تستهدف أيضًا توسيع القاعدة الضريبية من خلال ضم أنشطة القطاع غير الرسمى للمنظومة، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة للانضمام للمنظومة الضريبية والتسجيل فيها، وكذلك حل المشكلات الإجرائية التى تواجه الممولين المنظمين والمسجلين فى المنظومة، وتلافى شكاوى التقديرات الجزافية لقيم الضريبة، بل اهتمت التسهيلات الضريبية كذلك بتنظيم وتقنين محاسبة الأنشطة المستحدثة فى سوق العمل، مثل: منتجى المحتوى، والـ«فرى لانسرز»، وكذلك أنشطة التجارة الإلكترونية.
وقد صدرت التسهيلات فى ثلاثة قوانين، كل منها موجه إلى شريحة من الممولين، حيث يختص القانون رقم 5 لسنة 2025 بتسوية أوضاع الممولين والمكلفين، خاصة أولئك الذين لم يسجلوا فى النظام الضريبى، أو الذين لديهم منازعات ضريبية قائمة، حيث يشمل القانون عدة تسهيلات منها التسجيل الطوعى، حيث يتيح القانون للممولين غير المسجلين فى النظام الضريبى التقدم للتسجيل الطوعى دون محاسبتهم عن الفترات السابقة، ويتضمن كذلك تسوية المنازعات الضريبية القائمة عن الفترات المنتهية قبل 1 يناير 2020، مع إمكانية التجاوز عن 100 فى المائة من مقابل التأخير أو الضريبة الإضافية، بشرط سداد أصل الضريبة المستحقة.

ويهدف القانون إلى منح الممولين والمكلفين فرصة لتسوية أوضاعهم الضريبية عن الفترات السابقة، وذلك دون توقيع غرامات أو مقابل تأخير عن تلك الفترات، إذا لم يكونوا قد قدموا إقرارات ضريبية عنها. ويشترط القانون أن يتم تقديم طلب تسوية خلال 3 أشهر من تاريخ العمل بالقانون، وأن يتم تقديم الإقرارات المعدلة عن السنوات السابقة (2020–2023 لضريبة الدخل، و2020–2024 لضريبة القيمة المضافة) خلال 6 أشهر من تفعيل القانون. كما يُمنح الممولون إمكانية تقسيط الضرائب ومقابل التأخير أو الضريبة الإضافية المستحقة على أربع أقساط ربع سنوية متساوية دون فوائد إضافية. لا يجوز للممول العدول عن الاستفادة من هذا النظام خلال خمس سنوات من تاريخ الطلب، ويستمر العمل بالتسهيلات حتى إذا زاد رقم الأعمال بنسبة لا تتجاوز 20 فى المائة عن الحد الأقصى المحدد لمرة واحدة فقط خلال مدة الاستفادة، ويلزم القانون مصلحة الضرائب بتوفير الدعم الفنى والإرشاد اللازم للممولين دون مقابل تسهيل اندماجهم فى المنظومة الرسمية.
بينما يهدف القانون رقم 6 لسنة 2025 إلى تقديم حوافز وتيسيرات ضريبية للمشروعات التى لا يتجاوز حجم أعمالها السنوى 20 مليون جنيه، سواء كانت مسجلة ضريبيًا أم غير مسجلة، ويتيح القانون الاعتماد على آخر بيانات ربط ضريبى نهائى أو آخر إقرار أو بيانات منظومة الفاتورة الإلكترونية لتحديد حجم أعمال المشروع.
وللاستفادة من الحوافز، يشترط القانون على المشروع الالتزام بتقديم الإقرارات الضريبية فى المواعيد القانونية، والانضمام إلى المنظومات الإلكترونية لمصلحة الضرائب، بما فى ذلك الفاتورة الإلكترونية أو الإيصال الإلكتروني، وإصدار الفواتير أو الإيصالات المقررة، ولا تسرى أحكام هذا القانون على أنشطة الاستشارات المهنية التى يتحقق 90 فى المائة على الأقل من حجم أعمالها السنوى من تقديم استشارات مهنية لشخص أو شخصين، أو على المشروعات التى تقوم بأى فعل أو سلوك بقصد الدخول تحت مظلة هذا القانون بغير وجه حق، مثل تقسيم أو تجزئة النشاط القائم دون وجود مبرر اقتصادي.
وتُحدد الضريبة المستحقة على المشروعات الخاضعة لأحكام هذا القانون بنسبة 1 فى المائة من حجم الأعمال السنوى للمشروعات التى لا يتجاوز حجم أعمالها 10 ملايين جنيه، و1.5 فى المائة للمشروعات التى يتراوح حجم أعمالها بين 10 ملايين و20 مليون جنيه، كما تُعفى المشروعات المستفيدة من هذا القانون من ضريبة الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التصرف فى الأصول، ومن ضريبة توزيعات الأرباح، ومن ضريبة الدمغة، ومن رسوم التوثيق والشهر العقارى على عقود تأسيس الشركات وزيادة رؤوس أموالها، وفى حال إذا تجاوز حجم أعمال المشروع السنوى 20 مليون جنيه بنسبة لا تتجاوز 20 فى المائة ولمرة واحدة خلال مدة السنوات الخمس، يستمر المشروع فى الاستفادة من أحكام هذا القانون.
أما القانون رقم 7 لسنة 2025 فيُعد تعديلًا مهمًا لقانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206 لسنة 2020، ويهدف إلى تعزيز العدالة الضريبية وتبسيط الإجراءات، وبحسب القانون لا يجوز أن يتخطى مقابل التأخير أو الضريبة الإضافية نسبة 100 فى المائة من أصل الضريبة المستحق عليها مقابل التأخير أو الضريبة الإضافية، كما يسمح القانون للوزير أو مَن يفوضه بالتصالح فى الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون أو القانون الضريبي، التى ليس محلها مستحقات ضريبية، مقابل دفع تعويض لا يقل عن نصف الحد الأدنى للغرامة المنصوص عليها فيه ولا يجاوز ضعف هذا الحد، وذلك قبل رفع الدعوى الجنائية، ولا يسقط الحق فى التصالح برفع الدعوى الجنائية إذا دفع تعويضا يعادل الحد الأدنى للغرامة ولا يجاوز ثلاثة أمثال هذا الحد، وذلك قبل صدور حكم فى الموضوع، فإذا صدر حكم بات جاز له التصالح نظير دفع تعويض يعادل أربعة أمثال الحد الأدنى للغرامة ولا يجاوز الحد الأقصى لها. وفى جميع الأحوال، يكون الدفع إلى خزانة المصلحة أو إلى مَن يرخص له فى ذلك من الوزير.

وفى شرح مبسط للميزات التى اشتملت عليها القوانين الثلاثة التى تمثل جوهر مبادرة التيسيرات الضريبية، قال أحمد عبدالرازق حجاب، رئيس وحدة التجارة الإلكترونية بمصلحة الضرائب: إن «التيسيرات تشمل جميع الممولين والمكلفين حيث ينص القانون على عدم محاسبة المكلفين بالضريبة غير المنضمين للمنظومة بأثر رجعى حال انضمامهم بشكل طوعي، وهو ما يعد فتح صفحة جديدة مع الممولين لتسهيل انضمامهم للمنظومة الضريبية، وبالنسبة للممولين المنظمين للمنظومة ولديهم ملفات ضريبية بالفعل، ولكن لديهم منازعات قبل عام 2020 يمكنه تسوية المنازعة فوريًا بموجب تقديم طلب إلكتروني».
«حجاب»، أكد أن «التسوية الفورية للنزاعات الضريبية تتم لأى درجة من درجات النزاع»، موضحًا أن المصلحة خصصت فرقًا للدعم موكلًا إليها مساعدة الممولين فى تقديم طلبات تسوية النزاع والإجابة عن كافة استفسارات الممولين وتقديم كل خدمات الدعم الفنى مجانًا.
وأضاف «حجاب»، أنه «بالنسبة للمنضمين الجدد للمنظومة ووفقًا للبيانات التى يقدمونها بأنفسهم يتم تحديد طريقة المحاسبة، فمَن كان منهم حجم أعماله أقل من 20 مليون جنيه ينضم للمحاسبة وفقا للقانون 6 الخاص بالمشروعات الصغيرة»، موضحًا أن «الانضمام للفاتورة والإيصال الإلكترونى وفقًا لمراحل الإلزام والتى تنتهى بنهاية 2025 شرط أساسى للاستفادة من الحوافز الضريبية التى يقرها القانون 6 لمحاسبة المشروعات الخاص».
كما لفت إلى أن تكلفة الفاتورة الإيصال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة يتم تقديم أدواتها للممولين على حساب المصلحة مثل ماكينات الـ«بى أوه إس» وغيرها، مؤكدا أن إقرارات القيمة المضافة لهذه المشروعات أصبحت ربع سنوية بدلا من شهريا، وإقرار المرتبات للموظفين العاملين بالمشروع سنويًا بدلا من شهريًا إقرارات الدخل أيضا سنوية، إلى جانب الإعفاء من عدد من الرسوم، وكذلك تم إلغاء نظام المحاسبة بالخصم والتحصيل تحت حساب الضريبة، وبالتالى كل ما يقوم المشروع ببيعه يتم تحصيله ويظل مع الممول فى شكل سيولة يتم العمل من خلالها.
وأوضح «حجاب» أن حوافز القانون 6 يمكن لشرائح واسعة من أصحاب الأنشطة الفردية الاستفادة منها مثل المهنيين مثل المهندسين والأطباء والمحامين وغيرهم والفرى لانسرز بمختلف القطاعات التى يعملون بها، وأشار «حجاب» إلى أن القانون 5 مؤقت بعد انتهاء مدته ما لم يجددها الوزير المختص، ولذا إذا لم يبادر الممول والمكلَف بالضريبة باستغلاله فقد خسر الأوكازيون الضريبى الذى لن يتكرر مرة أخرى لأنه القانون أما القانونان 6 و7 فهما دائمان، مشيرًا إلى أن القوانين الثلاثة تم إطلاقها فقط للتيسير والتحفيز ولم يشتمل على عقوبات، إذ توجد العقوبات للمخالفين أو المتهربين فى القوانين الرئيسية للضرائب وهى قانون الإجراءات الضريبية وقانونا الدخل والقيمة المضافة.
وحول تأثير التسهيلات التى تم إقرارها على المتأخرات الضريبية وتسوية النزاعات قال «حجاب»: إن «المؤشرات الأولية جيدة للغاية -بحسب وصفه- موضحًا أن تأثير التسهيلات على القاعدة الضريبية وكذلك الحصيلة سيتم الإعلان عنها من قِبل وزير المالية فور انتهاء المدد المحددة للقانون 5 والذى تم مد العمل به مؤخرًا»، مضيفًا أن «تأثير المبادرة على المجتمع الضريبى كانت جيدة أيضًا، لأنها بدَّلت الصورة الذهنية عن المصلحة، من كونها هيئة للجباية لمؤسسة إيرادية لا تتسلط ولا تتصيد، بل وتقدم حوافز وتدعم الممولين وتسعى لطمأنتهم وجذب أنشطة الاقتصاد غير الرسمى للعمل تحت المظلة الرسمية، والفلسفة التى تعمل بها المصلحة هى ثقافة ( win / win ) أى أن الجميع سيكون رابحًا.