لم يقتصر دور الفن على كونه وسيلة للمتعة فقط، بل إن له دوراً تنويرياً وتثقيفياً وتعليمياً، لما يتمتع به من قدرة هائلة على التغيير والتأثر، ومن هنا أطلق عليه اسم «القوة الناعمة»، وعندما يكون الفن فى أيدى مبدعين، وينتمى لبلد حباها الله من الجمال ما لا يقدَّر، هنا فقط نجد أعمالاً فنية أصبحت سفيرة للسياحة فى بلدان العالم، واستطاعت أن تبرز جمال مصر الذى يكمن فى كل شبر من أراضيها، ليست فقط لإبراز الجمال، بل تشجيع على السياحة وجذب الأجانب للاستمتاع بروعة ما أهدانا به الخالق، فخراً وعزة بوطن لا يقدر ترابه بمال.
فى السطور التالية نرصد بعض الأعمال الفنية التى استطاعت الترويج للسياحة فى مصر، ونتناقش مع صناعها فى كيفية الاستمرار والتطوير من هذه الأعمال.
شاطئ الغرام
من أهم الأعمال الفنية التى استطاعت أن تكون وسيلة جذب سياحية مهمة وأولها، فيلم «شاطئ الغرام» للقديرة ليلى مراد، والذى روج للسياحة والمناظر الخلابة بمدينة مرسى مطروح، وقد تم إنتاج الفيلم عام 1950 وهو من إخراج هنرى بركات، وتم تصوير بعض المشاهد فى أحد شواطئ مدينة مرسى مطروح، الذى شهد قصة من أجمل قصص الحب فى تاريخ السينما المصرية، لتنطلق تسمية الشاطئ فيما بعد على اسم الفيلم «شاطئ الغرام».
غرام فى الكرنك
كذلك لدينا فيلم من أجمل الأفلام السينمائية وهو فيلم «غرام فى الكرنك»، الذى أبرز جمال مدينة الأقصر بسحرها الخاص الذى لم نرَ مثله فى أى بلد من بلدان العالم، الفيلم من إخراج على رضا، وتم إنتاجه عام 1967 وهو أول فيلم مصرى ملون يتم تحميضه داخل مصر، والفيلم من بطولة فريدة فهمى ومحمود رضا وعبد المنعم إبراهيم، واستطاع الفيلم تقديم دعاية رائعة لمدينة الأقصر من خلال التصوير داخل المعابد والمتاحف الموجودة هناك، وأغنية «الأقصر بلدنا»، وهى أشهر أغانى «الفولكلور» المصرية والتى تعبر عن مدينة الأقصر وتمت إذاعتها داخل العديد من البلاد.
وعن هذا قالت فريدة فهمى لـ«الكواكب»: فيلم غرام فى الكرنك لن يأتى مثله، ونحتاج لمعجزة كى تجتمع كل عوامل النجاح التى اجتمعت بهذا الفيلم، من حيث الفرقة الاستعراضية والإخراج والتصوير والموسيقى، فنجاح الفيلم لم يكن لسبب واحد ولكن لوجود كوادر لن تعوض، فأثناء عملنا بالفيلم كنا نحن صناعه نستمتع بما نرى، وكلما رأينا جمال البلد أردنا إبرازه للأجانب أكثر وأكثر، هذا غير أننا كنا نبرز نوع فن خاص بمصر وهو أيضاً ترويجاً سياحياً.
وتابعت: بعد نجاح الفيلم كنا قد جهزنا لثلاثة أجزاء جديدة من الفيلم وعمل سلسلة أفلام منه، ولكن لأسباب عديدة تعرقل المشروع، ولم نستطع تقديم الجزأين التاليين.
وأضافت: الفيلم أبرز جمال الأقصر وجمال مصر، وبذل به علي رضا مجهوداً كبيراً ليظهر جمال مصر سياحياً وفنياً، ولكى تتكرر التجربة تحتاج إلى كوادر مميزة فى كل جوانب صناعة العمل، فمصر ليست الأقصر فقط، ولكن كل شبر فى مصر يستحق عملاً كاملاً يظهر جماله
.
شورت وفانلة وكاب
لم يقتصر الترويج للسياحة المصرية وجمال مصر عن طريق الفن من خلال أفلام حقبة الـ«أبيض والأسود»، بل امتدت إلى الأفلام الجديدة، التى ظهر منها أكثر من نموذج يغزلون على نفس المنوال، واستمر العطاء الفنى فى الترويج للسياحة، ومنها فيلم «شورت وفانلة وكاب»، الذى تم إنتاجه عام 2000، وهو من بطولة أحمد السقا ونور وسامى العدل وشريف منير وأحمد عيد وداليا مصطفى، ومن إخراج سعيد حامد. وفاز الفيلم بخمس جوائز فى مهرجان القاهرة السينمائى، منها جائزة أحسن مخرج لسعيد حامد وأحسن ممثل لأحمد السقا، وروج الفيلم للأماكن السياحية الساحرة بمدينة شرم الشيخ.
سنة أولى نصب
وفى عام 2004، تم إنتاج فيلم «سنة أولى نصب»، الذى ألقى الضوء على جمال مدينة الغردقة، وهو من إخراج كاملة أبو ذكرى وبطولة أحمد عز، نور، خالد سليم، داليا البحيرى، حسن حسني
.
خليج نعمة
وفى عام 2007، ظهر فيلم «خليج نعمة»، وهم من تأليف أحمد البيه، وإخراج مجدى الهوارى، ومن بطولة غادة عادل وأحمد فهمى وروج الفيلم لمدينة شرم الشيخ وكل الأماكن الجميلة بها، وقد تضمن الفيلم أغنية الثنائى أحمد فهمى وغادة عادل «حلوة يا بلدى» التى غنتها المطربة الإيطالية مصرية الأصل داليدا عام 1979م.
وقد تحدث مجدى الهوارى مخرج الفيلم لـ«الكواكب» فى إطار تطوير الأعمال الفنية التى تهدف للترويج للسياحة، قائلاً: بطبيعتى أحب أن أبرز جمال بلدى فى أعمالى، وهذا ما فعلته فى فيلم «خليج نعمة»، فشرم الشيخ تستحق من الأعمال الكثير والكثير لنستطيع حصر معالم الجمال بها، ولكنى حاولت بالفعل إظهار هذا بالفيلم، حتى أغنية «حلوة يا بلدى» تمت إعادة تقديمها بشكل لطيف، وأيضاً فى مسلسل «دايماً عامر» لمصطفى شعبان اتبعت نفس النهج لإبراز جمال بلدى، وكنت أتحدث مؤخراً مع أحد المتخصصين كى يستغلوا القوة الناعمة، فى أن نحاول جميعاً تقديم ذلك سواء مخرج أو مؤلف أو ممثل بأن يكون شرطاً أساسياً أن يكون فى أرشيفه عمل أو أكثر يتحدث عن جمال مصر والخدمة العامة، وأهمها السياحة، وإبراز جمال المحميات الطبيعية الموجودة بمصر، فمصر من شرقها لغربها بها محافظات متنوعة الثقافات والملابس والموسيقى والفلكلور، ولو تناولنا كل ذلك وساهمنا فى إظهاره سنستطيع التسويق للثقافة المصرية السمعية والبصرية والسياحية بشواطئها وبجمالها وبأراضيها وألوانها وبلابسنا التى تميزنا.. كل هذا له علاقة بالسياحة ليس فقط الغردقة أو شرم الشيخ، ولكنها ملف ضخم، وهناك دول كاملة يقوم دخلها على السياحة فقط، ونحن الأصل ولدينا من الموارد ما يكفى لذلك، فلدينا التاريخ الفرعونى والإسلامى والقبطى، كل هذه ثقافات تؤرخ لمصر وتميزها، وأنا شخصياً لن أترك هذا الملف وسأظل أعمل عليه لأن هذا هو دورى تجاه بلدى.
جراند أوتيل
ومن الأعمال الدرامية التى تعد عملاً سياحياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مسلسل «جراند أوتيل»، حيث أظهر جمال مدينة أسوان والفلكلور بها، وكم أنها مدينة عريقة وجمالها يزداد ولا ينقص.
وفى هذا الإطار تحدثت الفنانة أنوشكا عن هذا المسلسل، قائلة: «جراند أوتيل» ساهم فى إظهار الكثير من الجماليات فى مصر، وتحديداً مدينة أسوان، كمبادرة فى السياحة بمصر، فكل ما شاهده الجمهور فى «جراند أوتيل» صناعة مصرية؛ لأن مصر بلد عظيمة وبها من الموارد ما لا يحصى.
وتابعت: لكى نصنع العديد من الأعمال التى تروج للسياحة بمصر لابد من إلقاء الضوء على الأشياء الجيدة فى المجتمع، وتقدير مجهود الفنان عندما يقدم أعمالاً فنية ترفع من قيمة مصر، ففى مسلسل «جراند أوتيل» أطلت أسوان الجميلة بوجه جديد على مشاهديها وهذا ما نحتاجه، وما قام به المسلسل عكسته عدسات العمل الدرامى، متمثلاً فى مناظر خلابة وديكورات ساحرة يحظى بها المكان الذى جرت أحداث المسلسل داخله، ما جذب الأنظار للمقصد السياحى، وأثار تساؤلاً لدى الجمهور والمختصين حول دور الأعمال الفنية فى الترويج السياحى.
فيما تحدث الناقد الفنى طارق الشناوى عن كيفية الترويج لمصر من خلال الأعمال الفنية وقال: كى تنجح الأعمال الفنية فى الترويج للسياحة بمصر لابد ألا نتعمد أن يكون ترويجاً وأن يكون خيالنا أوسع، فى اختيار لوكيشن التصوير الخارجى، وبهذا سيتم إدخال أشياء كثيرة لم تكن بالحسبان، بعضنا كسالى فى صناعة الأعمال، فنجد مثلاً منزلاً معيناً نظل نراه فى الأعمال الفنية المختلفة لأكثر من 20 عاماً برغم أن مصر لديها لوكيشنات طبيعية لا تعد ولا تحصى.
وتابع: مثلاً الأماكن السياحية وتراثنا الفرعونى مازال يتمتع بجاذبية ولم يأخذ حقه فى الأعمال الفنية، والدول الأخرى تتباهى به أكثر منا نحن المصريين، فلابد من أخذ ذلك فى الحسبان.