ربما تكون رغبة فى التجربة، أو محاولة إثبات الموهبة فى مجالات عديدة، وربما تكون ثقة زائدة فى النفس، كثير من النجوم خاضوا تجربة أن يكون الممثل هو رب العمل الأوحد، فكان منتجاً ومخرجاً ومؤلفاً وممثلاً لنفس العمل، ولكن هل يكون ذلك فى صالح العمل أم ضده؟، هل تكون وجهة نظر الفنان ورؤيته الفنية الخاصة والتى يود أن يوصلها ويشعر أنه لا يوجد من يتفهم ما بداخله نتيجته أن يخرج العمل للنور فى أفضل حالاته؟ أم أنه بذلك يضع كلمة النهاية لموهبته الحقيقية وكان عليه أن يعطى العيش لخبازه. وهل يكون فى صالح الفنان نفسه؟
خلال السطور التالية ترصد الكواكب بعض هذه الحالات منذ البداية وحتى الوقت الحالى ونحاور بعض صناع السينما والنقاد حول تلك القضية.
عزيزة أمير
.. تلك الفتاة الصغيرة التى بهرتها أضواء الشاشة فى عشرينيات القرن الماضى، كانت السينما هى حلمها بعيد المنال، ولأنها فتاة قوية وأصبحت امرأة طموحا، استطاعت بكل عزم أن تصبح مؤسسة سينمائية شبه مكتملة، إرادة حديدية جعلتها تكون إحدى نجمات الشاشة التى لطالما أبهرها ضياؤها الأخاذ، هى صاحبة أول فيلم مصرى وكان بعنوان «ليلى»، ليكون أول فيلم مصرى خالص تمثيلا وإخراجا وإنتاجا، وأعلن أن الفيلم تكلف وقتها 3 آلاف جنيه وهو مبلغ ضخم بمقاييس هذا الوقت، لكنه حقق نجاحا يستحقه.
لم تترك عزيزة أمير شيئا فى عالم السينما لم تفعله أنتجت ومثلت وكتبت وأخرجت وحتى مارست مهنة المونتاج كانت مؤسسة سينمائية مستقلة بذاتها فى بدايات صعبة لم يتجرأ أحد أن يخوضها.
واجهت عزيزة موجة من الانتقادات فى بداية مشوارها، حتى قررت عمل فيلم «كفرى عن خطيئتك» والذى لقى فشلا ذريعا فقد كان فيلما صامتا بينما كانت السينما الناطقة قد بدأت بالفعل فى العام السابق لعرض الفيلم وكانت عزيزة هى من تولى إخراج الفيلم وكتابته وبطولته أيضا ومن وقتها توقفت عن الإخراج والعمل لسنوات ربما لإعادة صياغة أفكارها بما يتواءم مع الواقع الجديد للسينما الناطقة، عادت بالفعل عام 1939 بفيلم لقى نجاحا متميزا وهو فيلم «بائعة التفاح»، والذى قدمت فيه الوجه الجديد وقتها محمود ذو الفقار، الذى شاركها بطولة الفيلم وأصبح من وقتها البطل الدائم فى جميع أفلامها «الورشة» عام 1940 وفيلم «ابنتى » عام 1944 وفيلم «شمعة تحترق» عام 1946 وفيلم « هدية » 1947 وفيلم « فوق السحاب » 1948.. وغيرها، وصولا لآخر أفلامها «آمنت بالله» 1952 وكانت قد تزوجته بالفعل عام 1944 بعد انفصالها عن زوجها السابق.
شارلى شابلن غيّر تاريخ صناعة السينما
شارلى شابلن هو معجزة سينمائية بكل المقاييس، له قاعدة جماهيرية عريضة برغم رحيله منذ عشرات السنين مازالت جماهيريته قائمة وبقوة، كان يكتب السيناريو ويُخرج ويُنتج ويؤلف الموسيقى التصويرية. هل هناك ما هو أكثر من هذا؟ نعم، فالرجل الذى أمضى طفولته لا يملك ثمن طعامه تحول إلى أيقونة عبقرية تُلهم الملايين، بل ربما غيَّر تاريخ صناعة السينما بما قدمه.
فى عام 1972، وبعد غياب دام 20 سنة عن الولايات المتحدة الأمريكية، تلقى شارلى شابلن جائزة أوسكار شرفية بسبب «تأثيره الذى لا يوصف فى جعل صناعة السينما أبرز فنون القرن»، وهذه العبارة البسيطة تختصر الكثير جدًّا ممَّا يمكن قوله عن شابلن، يُعلِّق شابلن فى مذكراته قائلًا إن «قواعد الإخراج كانت بسيطة فى تلك الأيام، فلم يكن عليَّ إلا أن أعرف يمينى من يسارى من أجل الدخول والخروج (من الكادر)».
بعد عدة خلافات مع الشركة المنتجة، نال شابلن حريته أخيرًا ليُخرج ويؤلف أفلامه بنفسه، وكان أول فيلم يحمل اسمه مخرجًا ومؤلفًا، وممثلًا بالطبع، هو «Caught in the Rain» (سجين المطر)، فى العام نفسه الذى وقَّع فيه عقده الأول، ومنذ ذلك الحين حتى توقفه عن العمل فى السينما، كتب وأخرج جميع أفلامه
.
أنور وجدى تجربة متفردة
لا شك أن أنور وجدى كان طفرة فى عالم السينما، وأنه برغم كل الأجيال التى تعاقبت من بعده لم يستطع أحد أن يحذو حذوه أو يتخطاه، كان أنور وجدى يمتلك الموهبة التمثيلية بلا منازع، إلا أنه أيضاً دخل عالم الإنتاج من أوسع أبوابه، كما أخرج بعض أعماله بنفسه وشارك فى كتابة العديد من القصص لأفلامه.
كانت فى معظمها أفلاما قيمة من الناحية الفنية والنقدية حتى أن هناك 6 أفلام شارك فيها كانت من بين أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية وهى «العزيمة» و«أمير الانتقام» و«غرام وانتقام» و«الوحش» و«ريا وسكينة» و«غزَل البنات». لم يكتفِ أنور وجدى بالتمثيل فقط فى رحلته السينمائية، إنما قام بالتأليف واﻹخراج واﻹنتاج أيضا، ففى عام 1945 قرر أن يدخل عالم اﻹنتاج بفيلم (ليلى بنت الفقراء)، وكتب سيناريو الفيلم بنفسه، ورشح لبطولته ليلى مراد التى كانت نجمة مصر الأولى فى تلك الفترة، ورشح المخرج كمال سليم ﻹخراج الفيلم، لكن كمال سليم توفى أثناء التحضير للفيلم، وقرر أنور وجدى أن يكمل إنتاج الفيلم وأن يقوم بإخراجه بنفسه. وعندما عُرض الفيلم حقق نجاحا باهرا، ليصبح بعدها أنور وجدى ظاهرة سينمائية مبدعة بحق. لأنور وجدى بصمة فى السينما العربية لا تمحى، فمن منا ينسى ثنائيته مع الطفلة المعجزة «فيروز» فى سلسلة من الأفلام أشهرها «دهب» و«ياسمين» وغيرهما.
ليس هذا فحسب بل لدينا من النجوم المصريين من استطاع الجمع بين أكثر من مجال فى عمل واحد منها الإنتاج والتأليف والإنتاج والتمثيل، فمنهم مثلاً ماجدة الصباحى وفريد شوقى وماجدة الخطيب ونور الشريف، كل هؤلاء العمالقة استطاعوا الجمع بين أكثر من مهنة، ولكن يظل الإنتاج أكثرها حيث غالبيتهم كان صاحب وجهة نظر يود أن يطرح الفكرة التى يريدها دون الخضوع لرأى المنتج وتحكمه فيما إذا كان يوافق عليها أم لا.
وصولاً إلى الفنان تامر حسنى والذى حطم الرقم القياسى فى فيلمه الأخير «بحبك» فكان هو كل أركان العمل تقريباً تأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً، وغناء وكتاب أغانى
من فيلم بحبك .
وقال الناقد الفنى طارق الشناوى عن هذه القضية: أحياناً يكون ذلك فى صالح العمل ولكن إذا كان موهوباً فى التأليف والإخراج كأنور وجدى مثلاً، هنا يكون لصالح العمل، وحتى أنور وجدى كان يستعين بكاتب، كان يخرج عمله ويضع فكرة القصة، ويستعين بكاتب وسيناريست، وهذا فى أغلب أعماله، وهذا هو النموذج الظاهر والأبرز، فقد بدأ من الصفر وذاق عذاباً كى يصل لما وصل إليه، من مسارح بديعة مصابنى حتى أصبح أنور وجدى
.
وأضاف.. نور الشريف أنتج وأخرج وهي تجربة واحدة فى فيلم العاشقان،
وكمال الشناوى أيضاً، أخرج وكتب وتجارب فردية لا تتكرر أى يتعاملون على أنها مجرد تجربة ليس إلا، أى أنها ليست مهنة وأيضاً حسن يوسف وأحمد مظهر، ولكن العمل الذى يخرجه الممثل، لا يكون أفضل ما قدم لذلك لا يكررون التجربة، أما ماجدة الصباحى فأخرجت فيلماً واحداً بحياتها وكان لإنقاذ موقف فكانت المنتجة وحاول المخرج الضغط عليها فأخرجت هى الفيلم وأنتجته وكانت بطلته
.
وقال المخرج عبد العزيز حشاد: هذه التجارب لا تتكرر تكون تجربة واحدة بعمر الفنان وتكون فى الغالب من حبه أن يستكشف ويجرب كل المراحل التى تمر عليه ولو تكررت تخسر والجمهور يغفرها مرة على سبيل التجربة فى رغبته أن يعيش مود المخرج والمؤلف والمنتج وهذا من باب الحب وليس الغرور، ولكن إخراج وتمثيل وإنتاج وتأليف هذا شيء زائد على الحد ولكن مكفول كما فعل أنور وجدى ولكن هذا ضد العمل لأن التركيز فى أحد هذه المجالات مرهق جداً وصاحب بالين كداب، لذلك لابد أن يهتم كل متخصص بعمله وشيء غير صحى إطلاقاً الجمع بين كل تلك المجالات، ولكنها مقبولة على سبيل التجربة.
وقال الكاتب بشير الديك: الفن ليس به رأى قاطع ربما ينجح من يجمع كل تلك المجالات وربما يفشل ولكن الأساس أن يتوفر بالعمل الفنى صفات معينة أهمها القيمة الإنسانية وإذا استطاع نفس الشخص تحقيق كل هذه المجالات بنجاحات فلم لا؟!، ليست هناك قاعدة ولكن هناك استثناءات كـ «شارلى شابلن»، هل تتوافر تلك الاستثناءات فى كل من خاض التجربة؟! حتى أنور وجدى كان مقلاً فى الجمع بينها ويظل الفن بلا قاعدة، لكسر النمط المعتاد، وإذا حقق الفنان نجاحاً نرفع له القبعة.