الخميس 2 مايو 2024

الشرير الظريف إستيفان روستى

استيفان روستي

24-11-2022 | 11:01

خالد فؤاد

رغم ظهور مئات بل وآلاف الممثلين الكبار والمميزين منذ نشأة السينما المصرية قبل ١٠٠ عام حتى الآن، هناك ممثلون بعينهم نجحوا في تخليد أسمائهم بحروف من نور عبر الأجيال بما في ذلك الأجيال التى ولدت بعد رحيلهم بسنوات طويلة .
ومن بين أبرز هؤلاء الفنانين الذين ظهروا في زمن الأبيض والأسود ونجحوا في ترك بصمات رائعة وعظيمة علي الرغم من إنه لم يكن مصريا من الأساس، سواء من جهة الأب أو الأم  الفنان الكبير الراحل استيفان روستى الذى ودع عالمنا منذ نحو ٥٨ عاما من الآن تحديدا في عام ١٩٦٤ ومن ثم فقد ولدت أجيال وأجيال من بعده، ولم ينجح أحد في أخذ مكانته أو التأثير علي وجوده، فكما عشقته الأجيال القديمة والمعاصرة له أحبته الأجيال الجديدة بنفس القدر فلايزال لقب « الشرير الظريف» الذى أطلقه عليه بعض النقاد في حياته ملازما له حتى اليوم كلما تم التعرض لمسيرته ومشواره الحافل والمميز فيعد وباتفاق الجميع أحد أعظم وجوه السينما المصرية عبر تاريخها .

النشأة والمولد
 اسمه الحقيقي استيفانو دي روستي
من سلالة البارونات وينتمى لعائلة ارستقراطية ثرية شهيرة؛ فقد ولد في ١٦ نوفمبر عام ١٨٩١ بحي شبرا بالقاهرة لأم إيطالية وأب نمساوى وكان يعمل سفيرا للنمسا في القاهرة،
ورغم ثراء عائلته عاش طفوله غير مستقرة بعد انفصال والده عن والدته لرغبة الأب في العودة للنمسا بعد انتهاء مهمته كسفير، بينما اصرت والدته علي البقاء في مصر التى عشقتها وارتبطت بصداقات كبيرة فيها .
وبالفعل عاد والده للنمسا بينما بقي استيفان وهو طفل مع والدته الإيطالية التى انتقلت للعيش بالأسكندرية وحصل علي الشهادة الإبتدائية من مدرسة رأس التين الابتدائية بعد أن وصل لسن الشباب قرر ترك منزل والدته بعد زواجها من رجل إيطالي وحضر للقاهرة؛ ليلتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية والاعتماد علي نفسه.
لغات اجنبية
ولم يواجه صعوبات كبيرة في الاعتماد ماديا علي نفسه بفضل إجادته للغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية بطلاقة .
بل وفي نفس مجال الفن الذى عشقه وهو طفل صغير فقد عمل كمترجما ومستشارا فنيا لبعض الشركات السينمائية ومن خلال عمله هذا بدأ في التقرب من صناع السينما في مصر.
مساعد مخرج
فقد بدأ ممارسة النشاط المسرحي والسينمائى الذي عشقهما منذ الصغر فقد بدأ تحقيق حلمه عن طريق العمل مساعدا للإخراج .
ولكون طموحاته كبيرة فقد سافر لباريس ليدرس فن العمل المسرحي .
فرق كبيرة
وعقب عودته التقي بالرائد المسرحى الكبير عزيز عيد الذي أعجب به بشدة لطلاقته ثم انتقل لفرقة  نجيب الريحاني ومنها إلى فرقة يوسف وهبي، حيث أهلته خبرته في إتقان اللغات الثلاث «الفرنسية والإنجليزية والإيطالية» في احتلال مكانة خاصة لدى فنان الشعب يوسف وهبي الذي ساعده على تعريب بعض الروايات الأجنبية والتي حققت نجاحات كبيرة.
 ورغم النجاحات التى حققها مع الفرق الثلاث لم يرض هذا طموحاته فقد كان يبحث عن مكان له بين نجوم السينما العالمية وكانت مقوماته بالفعل تؤهله لهذا .
مهن مختلفة
 فسافر إلى النمسا ليبحث عن والده ثم سافر إلى فرنسا وألمانيا واضطرته الظروف للعمل فى مهن مختلفة من بينها بائعا للتين الشوكى وراقصا في الملاهي الليلية فلم يكن الطريق أمامه مفروشا بالورود كما كان يتصور.
كريم وسراج
وبالمصادفة التقى بالمخرج الكبير محمد كريم الذي كان يدرس الإخراج السينمائي في ألمانيا وتعرف أيضاً هناك علي الفنان المصرى سراج منير الذي هجر الطب ليتفرغ لدراسة الفن والعمل فيه .
فقرر استيفان الالتحاق بنفس المعهد ليدرس التمثيل دراسة أكاديمية،
واستجاب لنصيحة «محمد كريم» بالعودة إلى مصر ليبدأ منها وينطلق بعد هذا للعالمية .
فيلم ليلي
 وعقب عودته للقاهرة التقى  بالمنتجة الكبيرة عزيزة أمير التي انبهرت بثقافته السينمائية ودون تردد أسندت إليه مهمة إخراج فيلم «ليلى» عام ١٩٢٧ والذى يعد أول فيلم مصرى صامت .
حيث تم إسناد إخراجه في البداية للمخرج التركي «وداد عرفي» والذي لاقى استياء كبيراً عند عرضه وكان يحمل عنوان «يد الله» فقام استيفان روستي بإعادة صياغة الفيلم بالكامل عدا مشهدين فقط وشارك في التمثيل فيه.
وتم إعادة عرضه في سينما «مترو بول» في ١٦ نوفمبر عام ١٩٢٧ بعد أن تم تغيير اسمه ليصبح «ليلى» وحضر العرض الأول للفيلم رجل الاقتصاد الأول طلعت حرب باشا وأمير الشعراء أحمد شوقي وعدد كبير من الفنانين والصحفيين ولاقي الفيلم نجاحا كبيرا.


مخرج ومؤلف
ليصبح استيفان روستي هو أول مخرج روائي مصري لتتوالي عليه الأعمال بعد هذا حيث أخرج عشرة أفلام دفعة واحدة من بينها «عنتر أفندي» و»الورشة» و«كشكش بيه» وغيرها .
والغريب إنه اكتشف  موهبته في الكتابة والتأليف متأخرا جدا وقبل رحيله عن عالمنا بأعوام قليلة فقد قام بتأليف فيلم «ابن ذوات» لإسماعيل ياسين عام ١٩٥٣ وبعد خمسة أعوام تحديدا في عام ١٩٥٨ قام  بتأليف فيلم «قاطع طريق» بطولة رشدي أباظة وهدى سلطان.
عدد أفلامه
وعلي صعيد التمثيل فبينما تؤكد بعض الموسوعات علي إنه قدم خلال  مشواره الفني الذى قارب الأربعين عاما نحو  380 فيلما سينمائيا ما بين إخراج وتمثيل وتأليف.
فالحقيقة كما تؤكد مصادر أخرى موثقة مثل السينما دوت كوم أن عدد الأعمال التى شارك فيها ما بين السينما والمسرح والتأليف والإخراج لم يتجاوز ال ١٣٠ عملا .
أفلام جميلة
قدم في غالبيتها شخصية الشرير خفيف الظل بأسلوب مختلف ومتميز نجح من خلاله في المزج بين أدوار الشر مع الكوميديا الخفيفة التى ترسم الابتسامة علي الوجوه  فلا تشعر بكراهية نحوه رغم كل ما يرتكبه من جرائم وعمليات قتل وانتقام وخلافه ولم يكن يكترث بحجم الدور أو مساحته، فقد كان يهتم بما يمكنه أن يقوله من خلاله ويضيف لرصيده لدرجة إننا شاهدناه في الكثير من الأفلام بأدوار قصيرة يتراوح ظهوره فيها ما بين ثلاثة وعشرة مشاهد علي الرغم من أن بدايته كانت قوية وساهم بدور كبير في صناعة السينما المصرية .
ولعل من أبرز وأهم الأفلام التى نتذكرها له «سي عمر» و«إنتصار الشباب» و«عنبر» و»«قلبي دليلي» و»القلب له أحكام» و«حكاية نصف الليل» و«حبيبي الأسمر» و«حسن وماريكا» و«المجانين فى نعيم» و«إسماعيل يس في السجن» و«الرقصة الأخيرة» و«النشال» و«ملك البترول» والعديد من الأفلام المميزة الأخرى وكان أخر ظهور سينمائى له فيلم «أخر شقاوة» عام ١٩٦٤ .
فرق وعروض مسرحية
وعلي صعيد العروض المسرحية فقد شارك استيفان روستى في عدد كبير من المسرحيات لعل من أبرزها « كل الرجالة كده» و« عفريت خطيبى» و«الدنيا لما تضحك» و«كناس في جاردن سيتى» والعديد من العروض المسرحية الأخرى مع الفرق المسرحية المختلفة منذ حقبة العشرينات وفرق عزيز عيد والريحانى ويوسف وهبى وانتهاء بفرقة إسماعيل ياسين.
زواج متأخر
وعلي صعيد الحياة الخاصة وعلاقات الحب والزواج فقد عاش استيفان روستي مضربا عن الزواج حتى وصل إلى سن ٤٥ .
حيث تزوج وهو في هذا السن الكبير  من فتاة إيطالية تدعى ماريانا .
الزوجة والأبناء
ومر بأزمة نفسية رهيبة عندما توفي ابنه الأول بعد ولادته بأسبوع وبعد أن أنجبت زوجته طفلها الثاني مات بعدها بثلاث سنين فتعرضت زوجته لحالة انهيار عصبي عنيف.
وقام استيفان بمراعاتها ونقلها إلى عدة مستشفيات لعله يجد الأمل فى علاجها دون أن يمل وعرف في الوسط الفني بالزوج الوفي.
وفاة وسرقة
وفي عام 1964 كان يجلس فناننا الكبير على أحد مقاهي وسط البلد التى كانت مشهورة بتجمع الفنانين عليها وقد تباينت الآراء حول لحظة وفاته فهناك من أكد إنه توفي علي المقهى إثر أزمة قلبية مفاجئة، وهناك من اكدوا إنه توفي عقب انصرافه من المقهى وعودته لشقته في عمارة «أنور وجدى» بميدان باب اللوق.
وحتى اليوم نجد لافته تحمل اسمه في مدخل العقار» هنا عاش إستيفان روستى» والملفت في الأمر حقا أن سيارته الخاصة تم سرقتها من أمام العمارة ثانى يوم وفاته كما أكد الصحفي والمؤرخ الكبير أشرف غريب «رئيس تحرير مجلتنا الأسبق» .
رعاية ارملته
وبعد وفاته قدم إسماعيل ياسين طلب إلى نقابة الممثلين مطالبا التدخل من أجل مساعدة أرملته «ماريانا» التي لم يعد لديها مصدر للدخل بعد وفاة استيفان حتى قامت بتحمل نفقات سفرها إلى عائلتها في إيطاليا، خصوصا أنه لم يعد لديها أي أقارب في مصر بعد وفاة زوجها الفنان الكبير.