الجمعة 26 ابريل 2024

العودة لأعمال الماضى حنين أم هروب من الواقع؟!

من فيلم رابعة العدوية

13-1-2023 | 13:44

أمينة الصاوى

كثيراً ما تتردد جملة «زمن الفن الجميل»، أو عبارة أخرى تتندر على أيام زمان وما كان فيه من فن وثقافة وربما أخلاقيات مجتمعية وغيرها، لذلك على الرغم من مرور السنوات على العديد من الأفلام والمسلسلات إلا أن المشاهد يجد متعه فى إعادتها دون ملل، ما استدعى من «الكواكب» البحث عن الأسباب الحقيقية وراء العودة والحنين إلى الماضى.. وهل تقاس بحبكة السيناريو ومقدرة مؤلفه على السرد والربط الدرامى أم هو افتقار حالى للنصوص الجيدة، خاصة وأن هذه العودة لا تنطبق فقط على المشاهد ولكن هناك بعض المنتجين الذين عملوا أيضا على إعادة إحياء الأعمال القديمة وصناعتها بشكل يواكب الجيل الجديد، فهل حققت نفس النجاح السابق أم أن متغيرات الظروف والزمن أثرت عليها سلباً؟ 
كل هذه الأسئلة حملتها «الكواكب» لتناقش فيها الكتاب والفنانين والنقاد والمخرجين، من خلال الرصد التالى...

يرى المهتمون بصناعة الفن أن الحنين إلى الماضى أو ما يطلق عليه «النوستالجيا» هو استعاده طبيعية للشعور بالطمأنينة والأمان، خاصة أن تلك الأعمال لها لحظات وتجارب هادفة تزيد التفاؤل لدى الإنسان باستدعاء الماضى الجميل لمواجهة مخاوف المستقبل.

وفى محاولة لإنعاش الذاكرة لدى كل فرد ستجد أن هناك شخصيات أو أعمال باتت مترسخة فى أذهاننا بكل تفاصيلها مثل أفلام إسماعيل يس و«بوابة الحلوانى» و«عائلة الحاج متولى» و«الوسية» و«المال والبنون» وفيلمى «صلاح الدين الأيوبى» و«رابعة العدوية»، وغيرها الكثير، حتى البرامج والأغانى القديمة ورغم محاولة إدارة الفضائيات لزيادة نسب مشاهدة الأعمال الجديدة بتكثيف عرضها فإن المشاهد بين الحين والآخر يبحث فى ذاكرته القديمة، ما جعل تلك الفضائيات تدشن قنوات متخصصة لكل ما هو قديم.


وتفسر الفنانة مديحة حمدى كلمة الحنين إلى الماضى بأنه إحساس عام لإعادة ذكرياتنا وموروثاتنا القديمة لأن المعروض حالياً بعضه لا يمكن أن يكون محل رضا لكل الجمهور، فيضطر البعض إلى العودة للماضي.
والطبيعى أن هناك تغيرات حياتية وليست فنية فقط كل عشر سنوات مع الأجيال الجديدة.
 ويرى المخرج محمد فاضل أنها ظاهرة معروفة بالهروب من الواقع الأليم إلى واقع آخر أقل إيلاماً، فالموضوعات الحديثة أصبحت لا تناسب الجيل، لذلك فإن المجتمع المصرى وجد أنها غريبة عليه فيفضل أن يستعيد ذكرياته بين الحين والآخر مع ما يتناسب وحياته، موضحاً: رغم أن هناك أعمالاً جيدة مثل مسلسل (ليالى أوجينى)، الذى امتاز بمساحات كبيرة من الصمت والتأمل فى مشاهده؛ لذلك فالعمل يستحق الإشادة به بخلاف أعمال أخرى .


ومن وجهة نظر أخرى أن الأعمال التى تقتبس من أخرى سابقة وتقدم بشكل جيد يمكن أن تكون محاولة لنقل المفاهيم والموروثات القديمة وتقديمها إلى الأجيال الجديدة بشكل يواكب عصرهم.. تلك رؤية مختلفة قدمها المؤلف تامر حبيب لافتاً إلى أن ذلك يتطلب الكثير من الجهد المبذول والإمكانيات المادية والتصويرية حتى تظهر بالشكل الذى يقنع المشاهد بعدم الاستنساخ كما كان فى تجربتى «أنف وثلاث عيون.
ويحذر السيناريست محمد سليمان من الانسياق وراء فكرة الهروب من الحاضر للماضى بذاكرته وحواسها البصرية والسمعية والعقلية، مشيراً إلى أنها مسألة نسبية من جيل لآخر بين البشر.
أما الناقد طارق الشناوى فيرجع الحنين إلى الماضى - وهى مسألة نسبية فى رأيه - إلى حالة الإحباط، ما يجعل صاحبها يحاول الهروب سريعاً للماضى الآمن له، فهذه المنطقة أو الحالة حتى وإن كانت زائفة هى الاستشعار الداخلى للطمأنينة والأمان، وعلينا أن ننظر إلى الماضى بمنظور الحاضر، فعندما نسمع أغنية أو نشاهد فيلماً جيداً من الماضى نعتقد بأن الماضى كان كله جميلاً، والحقيقة أن 10 ٪ منه فقط هى ما تحمل الجمال الحقيقى من حياتنا، لذلك حكمنا على الباقى أنه الكل.
وقال الناقد أحمد سعد الدين: إن الكتاب والممثلين والمخرجين قديماً كانوا يعملون بشكل أكثر جدية، ضمن منظومة متكاملة تعتمد على الموهبة والصناعة الجيدة لظهور العمل بأفضل صوره وهو ما نفتقده حالياً.
تلك الآراء المتباينة من صناع الفن أنفسهم دفعت «الكواكب» إلى منطقة أخرى أكثر حياداً للبحث عن إجابة أقرب، فقال الدكتور هاشم بحرى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر: هناك أجزاء فى حياة الإنسان بها صراعات شديدة، والتوقع غير المبهج للمستقبل يدعونا للذهاب إلى مناطق الأمان باعتقاد أن الماضى هو تلك المنطقة، فنعود إليه بأفكارنا ومشاعرنا القديمة، ويتمثل ذلك فى الأعمال الفنية القديمة، وقد يكون احتياج الإنسان إلى استعادة الفترات العمرية التى يفترض أن تكون أقل هموماً وانشغالاً.
 فيما أوضح الدكتور إبراهيم حسين، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس أن ما يحدث يشكل غريزة فطرية باستهلاك محتوى جديد، ونحظى بتجارب جديدة ولكن الجيد فى سيكولوجية الإنسان أن يكون لدينا شعور بالاستمرارية، وأن نستشعر اتصالنا بنفس الأماكن التى نشأنا فيها لاتصالها ببعض التجارب الثقافية والشخصية التى نود العودة إليها كوسيلة للشعور بتثبيت جذورنا، كما أن هناك بعض الحالات العاطفية التى تستثير الحنين للماضى عند الشعور بالحزن أو الوحدة أو القلق أو المرض أو الضغط النفسى الذى نعيشه، فنشعر بالراحة فى استعاده تلك الأعمال.
على خلاف ما سبق كان للأبحاث العلمية العالمية وجهة نظر انحسرت فى أن الأعمال المقدمة من واقع أعمال قديمة تغاير من قيمة تلك  الأعمال.
ولفتت الدراسات أيضاً إلى أنه أحياناً كان المبرر بأن تقديم القصص القديمة لأجيال جديدة بثقافات أخرى ستواكب العصر خصوصاً مع استخدام تقنيات حديثة بالتصوير وإضفاء لمسة جذابة على تلك الحبكات كنوع من الاستثمار لشعبية هذه الأعمال ونجاحها السابق.