يلعب الفن دوراً محورياً فى التأثير على الوعى والذوق، لما له من قدرة فائقة على الوصول للجماهير والتأثير على وجدانهم، لكن هل يصل التأثر إلى أن تصبح الدراما عاملاً أساسياً فى تغيير سلوك وأخلاق الناس بشكل مباشر، من خلال كونها تعطى صورة قابلة للمحاكاة فى الواقع، خاصة بعد تواجد أعمال العنف فى السنوات الأخيرة.. هل كثرة مشاهدتها تؤثر سلباً على العاطفة الإنسانية، لذلك يبقى الجدل حول مسئولية الفنان وصناع الدراما بشكل عام تجاه مجتمعاتهم. فى التحقيق التالى نناقش تلك القضية من وجه نظر بعض صناع الدراما والنقاد الفنيين، وأساتذة الإعلام، وكذلك من وجهة نظر الطب النفسى، لنتعرف على مدى تأثير الدراما فى تغيير سلوك أفراد المجتمع. فى البداية نفى الناقد السينمائى طارق الشناوى مسئولية السينما او الدراما بشكل كامل عن العنف فى المجتمع، معتبراً أن العنف أصبح قضية تحتاج إلى علاج جذرى والارتكان إلى الفن باعتباره سببا لانتشار العنف لن يحل القضية، بل يجعلنا نتكاسل عن علاجها. وقال الشناوى: لا أرى أن السينما او الدراما هما السبب الرئيسى فى انتشار البلطجة والعنف، لكن الملاحظ أنه أصبح هناك محاولة دائماً للارتكان إلى أن السينما هى السبب فى كل شىء، وبالتالى العنف المتواجد على الشاشة هو سبب العنف فى المجتمع، والحقيقة أننا بذلك نتكاسل عن علاج القضية. وأوضح: قدم الفنان الراحل فريد شوقى على سبيل فى الخمسينيات والستينيات وحتى مطلع السبعينيات أفلاماً كان يقوم فيها بأخذ حقه بيده، ومع ذلك لا نعتبره مسؤولاً عن العنف فى عصره.. والحقيقة أننا نبالغ بشكل كبير فى تحميل الشاشة كل مشكلات المجتمع، كما نبالغ فى اعتقادنا أنه إذا قدمنا على الشاشة سينما مختلفة سينعكس ذلك على الشارع. واختلفت معه الناقدة خيرية البشلاوى، التى ترى أن الدراما التليفزيونية لها دور ورسالة إيجابية تجاه المجتمع، ولا بد أن يعى صناع الدراما أن أعمالهم تؤثر فى كل الأجيال، كما أن الدراما لها تأثير كبير فى البنية العقلية لغير المتعلمين فى مجتمع به نسبة كبيرة من الأمية. وعن تأثير دراما العنف تقول: للأسف الشباب تأثر بشكل مباشر من أعمال درامية شهيرة حققت انتشاراً كبيراً، فالدراما سلاح ذو حدين، إما أن تقتل وتدمر وتحبط، وإما أن تبنى وترسخ القيم الأخلاقية السليمة، وعلى صناع الدراما من كتاب ومخرجين ومنتجين قبل الفنانين أن يعوا خطورة ما يقدمونه، خاصة فى ظروف مجتمع يتعرض لخطط مدمرة من الخارج، ودور الفن هنا يجب أن يكون أشبه بمضاد حيوى يقاوم تلك الفيروسات المدمرة، وعليه أن يلطف وينقى وينعش القيم الإيجابية. وأشار السيناريست محسن الجلاد إلى العنف على الشاشة تجاوز الموجود فى الواقع بشكل كبير، بما يؤثر سلبياً فى الجيل بأكمله، مضيفاً: «حتى لو أن هناك عنفاً فى الواقع، فعلى مؤلف الدراما أن يقننه ويرشِّده من منطلق المسئولية الاجتماعية للمبدع، ولو أن المؤلف والمخرج والمنتج أدركوا أن ما يقدمونه سيراه أبناؤهم، لأدركوا خطورة الأمر، ولا يكون الهدف هو تحقيق أعلى نسبة مشاهدة. أما المؤلف والسيناريست مجدى صابر فيشير إلى أن الدراما المصرية تناولت فى فترة من الفترات نوعية من الدراما قائمة على العنف والبلطجة تحت تأثير الرغبة فى النجاح السريع دون مراعاة للمسئولية تجاه المجتمع، وصارت تلك النوعية أشبه بفيلم أمريكى، غريب عن مجتمعنا، لكنه يؤثر فيه سلبياً. فيما أكد الدكتور محمد هاشم أستاذ الإعلام أن الشباب خاصة فى سن المراهقة يتأثرون بالنجوم المفضلين بالنسبة لهم، لدرجة اعتبارهم مثلاً أعلى، ولذلك عندما يواجهون موقفاً ما يكون رد فعلهم مثل مشهد لهذا النجم فى أحد الأفلام كمرجعية ثقافية لهم. وأضاف: لكن هؤلاء الشباب لم يتأثروا بنفس الدرجة بالأفلام الأجنبية نتيجة إدراكهم نوعية الحياة المختلفة، فنجدهم يصدقون طبيعة الحياة والمعيشة التى تشبه حياتهم، ولذلك تأثرت عدد كبير من الشباب بالفنان عادل إمام وأطلقوا عليه لقب «الزعيم»، الذى تربع على عرش النجومية لسنين.. وكذلك نجد من الجيل الحالى من يتأثر بفنانين آخرين ويتخذونهم قدوة. أما عن الناحية النفسية، فقد تحدث إلينا الدكتور إبراهيم مجدى، استشارى الطب النفسى بجامعة عين شمس، قائلاً: «إن للدراما والفن تأثيراً كبيراً على المجتمع، وهو الأمر الذى دفع العديد من الباحثين لإجراء عدد من الدراسات حول تأثير الدراما فى صنع الرأى العام وتغيير السلوكيات المجتمعية»، مضيفاً: هناك جدل قائم بين صناع الدراما والناس فى الشارع المصرى، حيث إن الدراما قد عملت على خلق شخصيات تمارس العنف وأصبحت موجودة فى المجتمع بالفعل، لكن الغلطة هنا أنها قامت بوضع تلك الشخصيات فى مكانة البطولة، وتناولت السوشيال ميديا مثل تلك الجرائم وجعلتها تتضخم، وهنا الخطورة بأن يقوم صناع الدراما بتزكية مثل تلك الشخصيات وجعلها فى ازدياد دائم.