الأحد 24 نوفمبر 2024

فى شهر ميلاده ووفاته.. محطات مهمة فى حياة «الأستاذ»

فؤاد المهندس

2-9-2023 | 13:37

طه حافظ

 

أحد أعلام السينما المصرية وقامة من قامات الفن المصرى، احتضن الفنانين الشباب، ولذلك لقبوه بـ«الأستاذ»، كان عاشقاً لفن الأطفال، وغنى لهم فى مسرحياته وفوازيره، ويؤمن بأن رسالة الفن خدمة المجتمع. الملايين كانوا ينتظرونه كل صباح، من خلال برنامجه الإذاعى «كلمتين وبس»، إنه الفنان الكبير فؤاد المهندس، الذى تحل علينا فى هذه الأيام ذكرى ميلاده ، كما يصادف مرور ذكرى وفاته فى الشهر ذاته.

وُلد فؤاد المهندس يوم السادس من سبتمبر عام 1924 فى منطقة العباسية، وهو ابن العلامة اللغوى الكبير وعضو مجمع اللغة العربية، زكى المهندس الذى كان له أكبر الأثر فى اتقانه اللغة العربية وتنمية مواهبه الفنية، وفى شهر ميلاده، توفى المهندس بتاريخ 16 سبتمبر عام 2003.

 

 

بدايته الفنية

التحق فؤاد المهندس بكلية التجارة وبفريق التمثيل وجاءت مشاهدته لنجيب لريحانى فى مسرحية «الدنيا على كف عفريت» لتقلب حياته رأساً على عقب، فجعلته يتقرب من الريحانى وينضم إلى فرقته ليتعلم كيف يقف على خشبة المسرح.

ولسوء حظ فؤاد المهندس توفى الريحانى قبل بزوغ نجم المهندس الذى انضم بعد ذلك إلى فرقة «ساعة لقلبك» عام 1953.

مع بداية الستينيات، بدأ التليفزيون إرساله لتأتى الفرصة الكبرى والخطوة الحقيقية للانطلاق بعد انضمامه إلى مسارح التليفزيون عندما تحمس له الفنان سيد بدير وأسند له بطولة مسرحية «السكرتير الفنى»، وعرف عن النجم الكبير عشقه للمسرح، وأصبح أحد رواده وقدم على خشبة المسرح العديد من الأعمال الخالدة منها «سيدتى الجميلة»، «السكرتير الفني»، «أنا وهو وهي»، «حواء الساعة 12»، «سك على بناتك».

وقدم المهندس مسرحية «إنها حقاً عائلة محترمة»، مع أمينة رزق وشويكار وهو مصاب بجلطة فى القلب، وزاد من غرابة الأمر أنه أخبر الأطباء بأنه شفى من الجلطة أثناء عمله على المسرح.

المهندس مخرجاً

وللفنان فؤاد المهندس 3 تجارب فى الإخراج المسرحى أولاها عام 1965، حينما قدم مسرحية «أنا فين وإنتى فين.

وبعد مرور عامين كان موعد فؤاد المهندس مع تجربته الثانية فى الإخراج المسرحى بمسرحية «حالة حب» من بطولته.

وبعد مرور 13 عاماً يقدم الفنان فؤاد المهندس تجربته الإخراجية الثالثة والأخيرة فى المسرح، بمسرحية «سك على بناتك».

رأيه فى السينما

وعن أعماله السينمائية، قال الفنان فؤاد المهندس فى أحد لقاءاته الإذاعية: «أنا لم أكن أحب السينما، كنت أشتغل الأفلام بناء على رجاء وأوامر من أساتذتى فطين عبدالوهاب ومحمود ذو الفقار ونيازى مصطفى، شعرت بأنها ليست فناً ولكن صناعة، وصحيح أن العاملين يقدرون ما أقدمه ولكن نفسى أقف أمام الناس، وقد يبرر ذلك سبب تأخر نجوميته سينمائياً، بالإضافة لظهوره بين جيل العمالقة مثل إسماعيل ياسين وعبدالفتاح القصرى وحسن فايق، حيث ظل المهندس لأكثر من 10 سنوات يشارك بشخصية صديق البطل أو الدور الثانى، لكنه نجح فى أن يحتل مكانة لدى الجمهور، فلم تمر الشخصيات التى قدمها مرور الكرام مثل وصفى (صديق عمر الشريف) فى «نهر الحب» وعارف (صديق حسن يوسف) فى «التلميذة»، وفى «الشموع السوداء» يقدم الدور الثانى أمام صالح سليم، وفى «الساحرة الصغيرة» هو شريف (صديق رشدى أباظة) فموهبة المهندس وحضوره الطاغى أضاف للشخصيات نجومية.

وظل المهندس محاصراً بتقديم شخصية صديق البطل حتى جاءته فرصة البطولة المطلقة عام 1964 من خلال فيلم «أنا وهو وهي» مع المخرج فطين عبدالوهاب وتوالت بعدها أفلامه التى لا تنسى.

وللفنان فؤاد المهندس مشوار إذاعى طويل، ودائماً ما كان يؤكد عشقه الدائم والطويل لميكروفون الإذاعة المصرية، الذى قدم من خلالها العديد من المسلسلات والمسرحيات الإذاعية، وظلت تعرض عبر الأثير لسنوات طويلة، وتعتبر الآن من الكنوز النادرة داخل المكتبات التراثية بالإذاعة.

أعمال للأطفال

ولأنه يحب الأطفال، فقد كان يبحث عن عمل يلتقى به بالأطفال. وكانت بدايته مع الأعمال الموجهة للأطفال فى مسرحية «أنا فين وإنتى فين»، بأغنية «رايح أجيب الديب من ديله»، وبعدها توالت الأغنيات بالأعمال الفنية، حيث قدم العديد من الأغنيات للأطفال. وقدم للأطفال المسرحية الكوميدية «هالة حبيبتى» التى أوضحت سوء المعاملة التى يلقاها الأطفال فى بعض الملاجئ. وقد حالفه التوفيق بعد ذلك بتقديم «فوازير عمو فؤاد»، التى كان يتابعها كل الأطفال فى مصر والعالم العربى.

وتردد الفنان فؤاد لسنوات قبل أن يقرر خوض التجربة الدرامية، وابتعد عن الأعمال التليفزيونية، رافضاً إياها، اعتقاداً منه بأنها تنتقص من نجومية الفنان سينمائياً.

ومع بداية الثمانينيات بدأ فؤاد المهندس، التفكير جدياً بالعمل فى التليفزيون، بعد إدراكه لأهمية الدراما، والتفكير فى خوض التجربة وقدم عشرة تجارب ناجحة كان آخرها مسلسل «روبابيكيا» 2000.

اكتشاف المواهب

لقب الفنان فؤاد المهندس بـ«الأستاذ» نظراً لاحتضانه عدداً من المواهب الصاعدة، الذين فتح لهم باب النجمومية، وكان بزوغ نجمهم على يديه، وعلى رأس هؤلاء كان الفنان عادل إمام، الذى اعتبره فؤاد المهندس «ابنه البكر» كما كان يحلو أن يطلق عليه، وجاء على لسان محمد المهندس نجل الفنان الراحل، أن والده أيضاً كان مكتشف يحيى الفخرانى وشريهان.

جوائز وتكريمات

حصد فؤاد المهندس العديد من الجوائز الفنية أثناء مسيرته، كما كرم فى العديد من المهرجانات المحلية والعربية، ومن أهمها المهرجان الأول للمسرح الضاحك الذى نظمته الجمعية المصرية لهواة المسرح العام 1994، ومهرجان القاهرة السينمائى الدولى العام 1999، وجائزة المركزالكاثوليكى للإبداع الفنى، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية كأول فنان كوميدى يحصل على هذا التكريم.

حياته الشخصية

عن حياته الشخصية تزوج فؤاد المهندس وأنجب الأولاد من زوجته الأولى، وقد شبّه الكثير من الفنانين زوجته الأولى بأم كلثوم، لكن بسبب حياة فؤاد المهندس العملية وتنقله الكثير استقرت به خشبة المسرح مع امرأة نبض قلبه لها بعد زواجه الأول، وكانت فنانة من الطراز الرفيع وهى شويكار، حدث ذلك عام 1963، عندما وقف فؤاد المهندس للمرة الأولى أمام تلك الحسناء على خشبة المسرح وكانت هى لا تزال فى عمر الخامسة والعشرين، امرأة أرملة توفى عنها زوجها فى حادثة أليمة وبقيت وحدها ترعى ابنتها الصغيرة.

وروت شويكار أنه عرض عليها الزواج أثناء تقديم مسرحية «أنا وهو وهى»، ليخرج المهندس عن النص لأول مرة فى حياته قائلاً: «تتجوزينى يا بسكويتة؟». وتم الزواج بعد الانتهاء من تصوير فيلم «هارب من الزواج»، وكانت شويكار ترتدى فى المشهد الأخير فستان عروسة وطرحة، وكان فؤاد المهندس يرتدى بدلة وكارفت، فاستغل الاثنان هذا المشهد وذهبا بعد التصوير إلى المأذون فى الساعة الثانية صباحاً لتُتوج قصة حبهما بالزواج، الذى دام 20 عاماً.

اعترف فؤاد المهندس فيما بعد لزوجته الأولى بزواجه من شويكار لكنها لم تنطق بكلمة واحدة بل فضّلت الصمت على ذلك، وما لبثت قليلاً حتى توفيت وبقى فؤاد المهندس يحمل فى داخله عقدة الذنب لظنه أنه تسبب بمرض زوجته ووفاتها إثر الصدمة.

استمر زواج فؤاد المهندس وشويكار قرابة العشرين عاماً، ودقت لحظة الفراق عام 1990م فى إعلانهما خبر طلاقهما، وكان ذلك بمثابة الخبر الصادم فى الوسط الفنى بسبب علاقتهما الوطيدة، ولكن لم ينتهِ الحب بل أوضحت شويكار أنّ طلاقها من المهندس كان لأجل استمرار الحب بينهما خاصّة بعد محاولة الكثيرين تسميم العلاقة بينهما، وكانت علاقتهما بعد الطلاق متينة لم تشوبها أى من المشكلات التى يتعرض لها بعض المنفصلين.

فعلى الرغم من وقوع الطلاق بينهما إلا أن العلاقة بينهما ظلت مستمرة على المستويين الشخصى والمهنى، فلم تنقطع أعمالهما المشتركة، حيث قدما معاً بعد الطلاق مجموعة من الأعمال الفنية منها مسرحية «روحية اتخطفت» ومسرحية «مراتى تقريباً»، وأيضاً مسلسل «أحلام العنكبوت» وفيلم «جريمة إلا ربع».

نهاية حزينة

قبل رحيل فؤاد المهندس بنحو 4 أشهر، وبالتحديد فى مايو 2006، توفيت الفنانة سناء يونس، التى كان يعتبرها بمثابة ابنته، فشعر بحزن شديد عليها، ثم توفى صديق عمره، الفنان عبد المنعم مدبولى وحزن عليه حزنا شديداً، وفى شهر يوليو 2006 شهد أستاذ الكوميديا أسوأ كارثة قد يتعرض لها فنان، تمثلت فى حريق غرفته التى كان يعتبرها «المعبد» الخاص به، لتأكل النار جميع مقتنياته وصوره النادرة، على مدار تاريخ يزيد على 50 عاماً فى عالم الفن ليصبح هذا الحريق بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير.

وعن تلك الحادثة قال محمد، نجل الفنان الراحل فؤاد المهندس: «النار أكلت كل شىء يمتلكه على مدار مشواره الفنى من جوائز وتكريمات وصور نادرة وسيناريوهات وملابس وأحذية، وأجهزة من تليفزيون وثلاجة، وكل ذلك فى أقل من 5 دقائق، ولم يتبقَ إلا نظارة مكسورة، لم نخبره بشأنها، وقتها. والدى شعر بقرب أجله ونهايته، وتأثر نفسياً بذلك، وزهد فى الحياة بعد ما أدى رسالته».

وفى شهر ميلاده، توفى المهندس بتاريخ 16 سبتمبر عام 2006 عن عمر يناهز 82 عاماً، ليترك لمحبيه إرثاً فنياً عظيماً خالداً.