5-7-2025 | 12:37
عنتر السيد
يعد النجم العالمى عمر الشريف نجماً للسينما المصرية والعالمية معاً حيث جمع بين تجربته الثرية فى السينما المحلية ومسيرته الباهرة فى السينما العالمية، ليصبح أسطورة خالدة من أساطير الفن السابع، وعلى مدار مشواره الطويل والحافل بالنجاحات، قدم 72 فيلماً مصرياً قبل أن ينطلق إلى العالمية من خلال تعاونه مع المخرج ديفيد لين فى فيلم «لورانس العرب».
عاد الشريف لاحقاً إلى السينما المصرية من خلال مشاركات متباعدة فى أفلام مثل: «أيوب»، و«الأراجوز»، و«المواطن مصري»، و«حسن ومرقص»، الذى جمعه بعادل إمام عام 2008، بالإضافة إلى فيلم «المسافر» من تأليف وإخراج د. أحمد ماهر، والذى كان أول فيلم مصرى يعرض بمهرجان «فينيسيا السينمائي» بعد غياب طويل، كما عرض الفيلم فى افتتاح ومسابقة مهرجان «الإسكندرية السينمائي» الـ26، ونال الشريف عن دوره فيه جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الدولية، فى ذكرى وفاته التى تحل هذا الشهر نعيش معه كل هذه المسيرة الفنية ونرصد أبرز محطاتها.
وُلد الفنان العالمى عمر الشريف فى أبريل عام 1932 بمدينة الإسكندرية، وكان والده تاجراً ثرياً فى تجارة الأخشاب، التحق الشريف بمدرسة فيكتوريا، حيث جمعته مقاعد الدراسة بالمخرج العالمى يوسف شاهين، أما اسمه الحقيقى الذى ضاع وسط زحام الأيام فهو ميشيل ديمترى شلهوب، وقد تغير إلى عمر الشريف منذ أول أفلامه السينمائية.
ومنذ صغره، عشق عمر الشريف المسرح المدرسى وشارك فى تجارب مسرحية عدة قبل أن يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وقد عرف منذ طفولته بتنظيمه وأناقة مظهره، وذات يوم، ذهب إلى عرافة يونانية الأصل، أخبرته حينها بأنه لن يقيم طويلاً فى مصر، وسيصبح شهيراً على مستوى العالم، وسيمتلك الكثير من الأموال، يقول الشريف فى أحد الحوارات التى جمعتنى به: «يا للعجب- لقد تحققت نبوءة العرافة»!.
أدوار جادة.. وأداء لا يشيخ
عند استعراض مسيرة النجم العالمى عمر الشريف فى السينما المصرية، نجد أنه قدم أكثر من 70 فيلماً مصرياً، ارتبط خلالها اسمه بالأعمال الجادة والمتنوعة، فلم ينحدر أى من أفلامه إلى الابتذال، إذ كان حضوره وحده كفيلاً بإضفاء الجدية والتميز على أى عمل يشارك فيه، بفضل أدائه التلقائى والطبيعى الذى حول أدواره إلى أنماط راسخة على الشاشة.
ورغم ذلك، اعترف الشريف لى ذات مرة بابتسامة صريحة قائلاً: «كنت كلما شاهدت أفلامى القديمة أضحك على نفسى وأقول: ما هذا الذى كنت أقدمه؟!» وأكد فى حديثه أن أداء فنانين كبار مثل محمود مرسى ويحيى شاهين كان لا يقل بأى حال عن نجوم عالميين، وأن جيل نور الشريف وأحمد زكى ومحمود عبد العزيز ومحمود ياسين قدموا تمثيلاً يفوق ما كان يُوصف أحياناً بالمبالغة فى الزمن الماضي.
كانت نقطة انطلاقه الكبرى من خلال دور «أحمد» الباحث عن حق والده فى فيلم «صراع فى الوادي»، لتتوالى بعدها أدواره المميزة: دور «رجب» المدافع عن حقوق العمال فى «صراع فى الميناء»، ودور الفدائى فى «أجراس السلام» مع المخرج كمال الشيخ، الذى قدم معه أيضاً دور الشاب اللاهى فى «سيدة القصر»، ودور الصديق والخال فى «لا أنام أمام» نادية لطفي، ودور الزوج الساعى للحقيقة وسط نساء بين البراءة والإدانة فى «غلطة حبيبي»، و«فضيحة فى الزمالك»، ودور الابن المتحرى عن قاتل أبيه فى «موعد مع المجهول»، ودو العاشق المضحى بحياته دفاعاً عن الوطن فى «نهر الحب» مع فاتن حمامة.
إضافة إلى أدواره اللامعة فى أفلام مثل: «لوعة الحب»، «غرام الأسياد»، «إشاعة حب»، «فى بيتنا رجل»، «بداية ونهاية»، «إحنا التلامذة»، «المماليك».
وجاءت عودته اللافتة فى فيلم «حسن ومرقص» عام 2008 مع عادل إمام، حيث سألته فى أحد حواراتى إن كان يقبل أن يأتى اسمه على الأفيش بعد الزعيم عادل إمام، فأجاب بالموافقة دون تردد أو غرور، معترفاً بمكانة عادل إمام فى السينما المصرية. وكان هذا الاختيار بمثابة تتويج لعلاقة الاحترام المتبادل بينهما، ليتقاسم الشريف بطولة الفيلم مع عادل وابنه محمد إمام، بإخراج رامى إمام، وحقق العمل نجاحاً جماهيرياً كبيراً.
النجم الشرقى الذى تحدى قواعد هوليوود
قبل الغوص فى تفاصيل التجربة العالمية للنجم الكبير عمر الشريف، لا بد من الإشارة إلى أنه كان النجم الوحيد القادم من الشرق الذى استطاع تثبيت أقدامه فى السينما العالمية بهذا القدر من الشهرة والتميز والاستمرارية، فقد اعتادت هوليوود لسنوات طويلة التعامل مع الممثلين القادمين من الشرق أو الجنوب أو حتى من أوروبا بوصفهم ظواهر مؤقتة، يتم استغلالها سريعاً، وقد تكرر هذا النمط مع عشرات النجوم المعروفين.
لكن عمر الشريف كسر هذه القاعدة بموهبته وحضوره الطاغي، إذ ارتبط اسمه بتجارب سينمائية عالمية كبرى وشارك فى أعمال ضخمة مع كبار المخرجين فى الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإنجلترا، ووقف أمام عمالقة التمثيل، منافساً ومتفوقاً فى أدوار صعبة رغم تحديات اللغة ولهجته الشرقية التى لم تمنعه من التألق، ولعل أبرز ما يحسب له أن العديد من السيناريوهات كانت تعدل خصيصاً له ليؤدى دور البطولة بشخصية الأجنبى الغامض، وهو ما أكده بنفسه فى حوار مطول تناول قصة حياته ومسيرته الفنية وكواليس مذكراته.
قال الشريف عن تجربته مع المخرج العالمى الشهير ديفيد لين، المعروف بدقته الشديدة وخياراته الصعبة: «كانت تجربتى معه استثنائية، خاصة حين أسند إلى دور الدكتور يورى زيفاجو فى دكتور زيفاجو، الطبيب الذى يصطدم بتجربة الاشتراكية، لكن تبقى بدايتى الحقيقية فى السينما العالمية مع لين فى فيلم لورانس العرب، الذى أمضيت خلاله 730 يوماً فى صحراء الأردن إلى جانب النجم بيتر أوتول».
وأضاف الشريف: «اختار ديفيد لين أن نعيش حياة بكامل تفاصيلها وقسوتها أثناء التصوير؛ فكنا نعمل 28 يوماً متواصلة فى الشهر، وفى اليوم الثامن والعشرين نعود إلى بيروت لإجازة قصيرة مدتها 48 ساعة، اعتدت خلالها مع بيتر أوتول كسر الروتين بزيارة المنتزهات كانت أياماً لا تنسى أبداً!».
ولم تتوقف مسيرة الشريف العالمية عند لورانس العرب، إذ عاد للتعاون مع لين فى أفلام مثل «الروز رويس الصفراء» و«الثلج الأخضر»، كما واصل تألقه فى أفلام شهيرة مثل الوادى الأخير (1971) ، وبذور التمر الهندى (1974) ، بأجوائهما الرومانسية، وبرز فى الكوميديا بفيلم «السر»، وكذلك فى فيلم «المحارب الثالث عشر» (1999)، إلى جانب ذلك، شارك فى العديد من الأعمال التليفزيونية والمسلسلات والأدوار القصيرة التى كانت كفيلة بنجاح أى عمل يظهر فيه، حيث اشتهر بأدواره التى يجسد فيها شخصية الأجنبى الغامض أو العاشق الرومانسي.
تمكن خلال مسيرته العالمية من الوقوف شامخاً أمام نجوم كبار مثل رود شتايجر، جولى كريستي، أليك غينيس، وتوم كورتيناي، مؤكداً مكانته كواحد من أعظم نجوم الفن فى تاريخ السينما العالمية.
مسيرة عالمية زاخرة بالأدوار الخالدة
قدم النجم العالمى عمر الشريف خلال مشواره السينمائى مجموعة مميزة من الأدوار التى حققت طموحاته الفنية وأشبعت شغفه بالنجومية، مانحة إياه شهرة واسعة وثروة كبيرة، من بين أبرز أعماله العالمية، تألق فى فيلم «جنكيز خان» بدور القائد المغولى الأسطوري، ولعب دور القسيس فى فيلم «الجواد الشاحب» للمخرج فريد زينمان، كما جسد شخصية الأمير النمساوى الذى يضحى بحياته من أجل حبيبته فى فيلم «مايرلينج».
وفى فيلم «الفرسان» من إخراج جون فرانكينهايمر، جسد الشريف شخصية ابن زعيم، وأعاد تجسيد شخصية «الكابتن نيمو» الشهيرة بأسلوبه الخاص، كما برع فى فيلم «الرولز رويس الصفراء» وشارك فى فيلم «ذهب ماكينا»، حيث قدم شخصية أحد الباحثين عن الذهب فى مغامرة شيقة.
ولم تتوقف اختياراته عند الأدوار التاريخية، بل تميز فى الأدوار المركبة والمعقدة؛ إذ قدم فى فيلم «ليلة الجنرالات» شخصية ضابط يحقق فى جريمة تورط فيها جنرال، بينما تألق فى فيلم «الموعد» للمخرج الكبير سيدنى لوميت، مجسداً البطولة أمام النجمة العالمية أنوك إيميه، التى جمعته بها فى تلك الفترة علاقة عاطفية شهيرة.
كما أثبت الشريف تنوعه وقدرته الفريدة على التنقل بين المدارس السينمائية المختلفة فى أوروبا وأميركا بهدوء وثقة، إذ شارك فى فرنسا بفيلم «الأهرامات الزرقاء» الذى أخرجته الممثلة الفرنسية أرييل دومباك، ليؤكد مكانته كواحد من أبرز نجوم السينما العالمية على مدار عقود.
الشريف يروى كواليس ابتعاده عن البطولة
مع بداية الثمانينيات، بدأت الأدوار الرئيسية فى الأفلام العالمية تبتعد تدريجياً عن عمر الشريف، وهو ما فسره بنفسه فى أحد تصريحاته بقوله: كنت قد تجاوزت الخمسين عاماً، وأصبحت غير مناسب لأدوار الشباب، بعكس ما يحدث فى السينما المصرية التى قد ترى فيها ممثلاً خمسينياً يؤدى دور طالب جامعي، وهذا أمر غير منطقي.
وأوضح الشريف أن بروز جيل جديد من المخرجين الشباب فى تلك الفترة دفعهم لإسناد أدوار البطولة لممثلين من أعمار قريبة إليهم، ما أدى إلى تراجع فرص نجوم جيله فى أداء الأدوار الأولى، إلا أن ذلك لم يكن دائماً؛ إذ كثيراً ما استعادت السينما العالمية نجومها المخضرمين فى أعمال مميزة مهما طال الزمن.
الزواج
وقف عمر الشريف على خشبة المسرح الإنجليزى فى بداياته، وتزوج وهو فى ريعان شبابه من سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وذلك فى الفترة من عام 1955 حتى 1974، حيث كانت فاتن تعيش فى قصر يملكه الشريف بفرنسا، وخلال تلك السنوات قل نشاطها الفنى فى مصر لانشغالها بأسرتها فى الغربة، إذ كرست وقتها لدعم زوجها عمر الشريف، وأنجبت منه ابنهما الوحيد طارق.
فى الواقع، كانت قصة حب عمر الشريف وفاتن حمامة من أبرز القصص الغرامية فى الوسط الفني، إذ توجت بالزواج بعد أن جمعهما فيلم «صراع فى الوادي» الذى ظهرت فيه بينهما قبلة أثارت دهشة فريق العمل لحرارتها، وكشفت عن بداية قصة عشقهما، تم الزواج خلال تصوير الفيلم الذى أخرجه يوسف شاهين، والذى كان أيضاً بوابة انطلاقة عمر الشريف نحو النجومية، وتكررت مشاركتهما معاً فى عدة أفلام أخرى، منها «أيامنا الحلوة» و«صراع فى الميناء».
وقع عمر الشريف فيما بعد فى غرام العديد من نجمات السينما العالمية خلال مسيرته الفنية الحافلة.
جوائز
خلال مسيرته الثرية، حصد الشريف العديد من الجوائز الذهبية، إلى جانب عدة ترشيحات للأوسكار عن أدواره البارزة، وكان يؤكد دائماً أن الفيلم الجيد هو من يصنع للنجم مكانة حقيقية، ويكفل له الاحترام والتقدير فى الأوساط الفنية والمحافل الدولية.
كان أبرز هذه الجوائز ثلاث جوائز «جولدن جلوب»؛ اثنتان عام 1963 كأفضل ممثل مساعد عن «لورانس العرب» وكأفضل نجم صاعد، والثالثة عام 1966 كأفضل ممثل عن فيلم «دكتور زيفاجو» كما حصل على جائزة «سيزار» كأفضل ممثل عن الفيلم الفرنسى «السيد إبراهيم وأزهار القرآن» عام 2004، وهى تعادل قيمة جوائز «الأوسكار»، التى رشح لها عدة مرات، وفى عام 2003، منح جائزة «الأسد الذهبي» تكريماً لمسيرته الفنية، إلى جانب العديد من الجوائز المرموقة الأخرى.