الأحد 5 مايو 2024

محمد خان.. «حريف» سينما الواقعية و«فارس» الشوارع والحواديت

محمد خان

فن26-10-2021 | 18:53

محمد أبو زيد

تحمل أفلامه حكايات من قلب الشوارع، يبدع في نقل تفاصيل الحياة اليومية لأبطاله على الشاشة، يغوص داخل العالم السفلي للمدينة في "الحريف" ليكشف معاناة بطله "فارس" لاعب الكرة الحالم بالشهرة ليجد نفسه لاعب كرة "شراب" في مباريات تقام بالساحات الشعبية والشوارع وتعقد حولها المراهنات، وفي "ضربة شمس" يجعل من الشارع بطلا  من خلال "شمس" المصور الذي يجوب شوارع القاهرة بدراجته البخارية ممسكا بالكاميرا، وفي "خرج ولم يعد" كان بطله الطعام ليجعلك تغيرك مفهومك عن الأكل ويتحول إلي متعة وتتمنى أن تكون ضيفا بديلا  لـ"عطية" القادم من المدينة للتو ليجد نفسه على مائدة "كمال بيه" التي ترفع عائلته شعار "الأكل لازم يتمسح من على السفرة مسح" وعليه أن يأكل مجبرا حتى يشتري "كمال بيه" أرضه التي تقع بجوار مزرعة الفراولة، يجعلك تحب "خيرية" أو "خوخة" الفتاة الجميلة التي لم تكمل تعليمها وتجد متعتها في تجهيز الأكل والتجول بين الطبيعة والأرض وثنايا شجر الموز، ويعقد مقارنة لطيفة بين هدوء الريف وضجيج القاهرة الذي لا يهدأ ويكتب لك في افتتاحية الفيلم "ربما كانت الشخصيات من الخيال ولكن ثق أن الأماكن من الواقع"، شغف بمحبوبته السينما لا ينتهي ولا يعرف حدود، يهتم بالتفاصيل والسرد بشدة، يخرج من بين أبطاله ضحكة بعد عناء يوم طويل من التعب وتخترق كاميراته عيون هؤلاء المهمشين لتلتقط دمعة حزن قبل أن تسقط، وبات مخلصا لشخصياته التي يعتبرها من لحم ودم ينتصر لأحلامهم ويلقي حجرا في قلوبهم ليحرك الرومانسية الراكدة، ويكون بطله الأول "الإنسان والمكان" هو من جاء للسينما يحمل رائحة واقعية صلاح أبو سيف ليوقظها من الخمول، هو حريف السينما الواقعية محمد خان.

ولد محمد خان في 26 أكتوبر 1942 في حي السكاكيني بالقاهرة لأب باكستاني وأم مصرية، لم تكن دراسة السينما تؤرقه أو تشغل باله، ليسافر إلى إنجلترا في 1956 لدراسة الهندسة المعمارية، وهناك التقى هناك بصديق سويسري يدرس السينما، ومنه أحب السينما التي خطفته من الهندسة التي تركها وانطلق يدرس السينما، ما إن أنهى دراسته في 1963، حتى عاد إلى القاهرة، عمل في شركة إنتاج سينمائي بقسم السيناريو تحت إشراف المخرج صلاح أبو سيف، ثم غادر إلى لبنان وهناك عمل مساعد مخرج ومنها إلي لندن وهو في الـ16 عاما من عمره، وكان يراسل صديق عمره المصور سعيد الشيمي ويتبادلان "الجوابات" ويحكى فيها عن معاناته والكفاح الذي يعيشه في الغربة حتى 1977 ليقرر "خان" العودة إلي مصر  وتبدأ الرحلة.

كانت أول أفلامه "ضربة شمس" 1978 مع نور الشريف وحقق الفيلم نجاحًا كبيرا حول بطله "شمس" المصور الصحفي الذي لا يمتلك سوى كاميرا وضمير حي وفي حفل زفاف يلتقط صورة بها ورقة تحترق مدون عليها كلمات غامضة ومنها تبدأ الرحلة التي تقوده إلي عصابة كبيرة، ويرصد "خان" شوارع القاهرة التي اقتسمت البطولة مع البطل، وفتح "خان" الباب لصناع الأفلام الذين نزولوا بالكاميرا للشارع لتلقط عدساتها الحقيقة. 

كان فيلمه الثاني "موعد على العشاء" 1982 بطولة سعاد حسني وحسين فهمي وأحمد زكي، ووكأنه يرسم لوحة فنية وكيف ستنتهي القصة بين شخصان يحبان امرأة واحدة أحدهم يملك النفوذ والآخر الحب حتى تنهي "نوال" كل شىء وتشارك زوجها ذو السلطة الأكل المسموم وهي تقول  جملتها "لا أنا ولا أنت نستحق نعيش يا عزت". 

يؤمن بموهبة الشاب الأسمر أحمد زكي ويختاره بطلا في ثالث أفلامه "طائر على الطريق" الذي شارك في تأليفه مع بشير الديك الذي كتب له السيناريو والحوار، ويرصد قصة "فارس" سائق السيارة "البيجو" الذي يهوى سباق سائقي الشاحنات على طريق الأقاليم وكأنه يحاول أن ينجو بمصيره وحلمه من بين الصعاب، وعلاقته بـ "عصمت" أثار الحكيم عاملة البوتيك، وقصة الحب التي جمعت بينه وبين "فوزية" فردوس عبد الحميد التي ألقاها مصيرها في طريق "جاد" فريد شوقي" الرجل الذي تزوجها بعد أن هدد حبيبها الأول ويكتشف علاقتها بـ "فارس" الذي يذهب لإنقاذها منه فيموت على الطريق. 

تتوالى روائع "خان"  في "نص أرنب" 1983 بطولة محمود عبد العزيز ويحيى الفخراني وسعيد صالح، يصور في الشارع الذي أحبه ومشاهد مطاردة ليتحول الفيلم إلي فيلم حركة يشبه أفلام موجة السينما الفرنسي،  ويعد من أفلام الحركة والمهمة في مصر.

وبعده  "خرج ولم يعد" 1984، ليصنع به مقارنة لطيفة بين الريف والمدينة، ويجعلك تعشق بشخصياته، "عطية" يحيى الفخراني الموظف البسيط الذي يعيش وسط صخب القاهرة والمهدد من حماته بفسخ خطوبته من ابنتها لتأخره في توفير عش الزوجية، فيقرر السفر إلى بلدته ليبيع إرثه من والده،  لـ "كمال بك" فريد شوقي ليقع في غرام ابنته "خوخة" ليلى علوي، وترصد كاميرا "خان" الهدوء والطبيعة وتحب الأكل الذي يعتبر بطلا الفيلم.


بلغت ذروة نجاح "خان" عندما قدم رائعته "الحريف"1984 عن العالم السفلي للمدينة وقصة بطله "فارس" عادل إمام الحالم بالشهرة والذي يهوى لعب كرة القدم "الشراب" في مباريات تقام بالساحات الشعبية ويعقد حولها المراهنات برعاية "رزق" عبد الله فرغلي الذي يستغله ماديا ويتاجر بموهبته، وفي نفس الوقت يعمل "فارس" الذي ينتمي لطبقة المهمشين في مصنع أحذية ويفصل من عمله بالمصنع بسبب لعب الكرة الذي أفقده تركيزه ومن قبله زوجته "دلال" فردوس عبد الحميد بعد أن اعتدى عليها بالضرب لإعتراضها على لعبه للكرة وتحصل علي الطلاق وتعيش مع والدتها بصحبة طفلها "بكر"، يقابل "فارس" صديقه "شعبان" فاروق يوسف ليقنعه بالعمل معه في معرض سيارات يمتلكه بعد أن تبدل به الحال، في الوقت الذي يستعين فيه السمسار "رزق" بلاعب جديد وهو "مختار" عبد الله محمود ليكون بديلا  لـبطله الأول في الكرة والحريف "فارس" بعد أن عاد  لزوجته وطفله في نهاية الفيلم ويودع الكرة "الشراب" بمباراة إعتزال يخوضها ضد "رزق" و"مختار" ليفوز عليهم،وفي المشهد الأخير يرضخ "فارس" للواقع ويودع حياة اللعب في آخر مباراة له أسفل الكوبري وهو يقول لابنه "زمن اللعب راح يا بكر".

توالت إبداعات "خان" وقدم في 1986 فيلمي "مشوار عمر" و"عودة مواطن" ومع أحمد زكي "زوجة رجل مهم" 1988، و"أحلام هند وكاميليا" في نفس العام، وفيلم "سوبر ماركت" 1990 لـ نجلاء فتحي، وفي 1993 قدم 4 أفلام منهم 3 بطولة محمود حميدة "يوم حار جدا، فارس المدينة، الغرقانة"، و"مستر كاراتيه" لـصديق البدايات أحمد زكي.

مع زكـي  قدم "خان" فيلم "أيام السادات"2001 عن قصة حياة الرئيس محمد أنور السادات منذ شبابه وحتى حادث المنصة واغتياله، وقدم بعده "كليفتي" مع باسم سمرة 2004، وفي 2005 "بنات وسط البلد" مع منة شلبي وهند صبري، وفي 2007 "في شقة مصر الجديدة" وقصة بطلة فيلمه "نجوى" غادة عادل التي تتحول رحلتها في القاهرة بحثا عن "أبلة تهاني" إلي سلسلة من المغامرات، والفيلم من كتابة وسام سليمان التي تزوجها محمد خان وأنجب منها ابنته الوحيدة "نادين". 

نحو 7 سنوات أختفى فيها "خان" ربما كان يبحث عن أبطال آخرين لأفلامه من قلب الشارع الذي يضج بالحالمين والمهمشين أو أفلام لم تكتمل حتى عاد بفيلمه "فتاة المصنع"2014 بطولة ياسمين رئيس، وكانت آخر أفلامه للسينما مع فيلم "قبل زحمة الصيف" 2015 بطولة هنا شيحة وماجد الكدواني وأحمد داود. 

 24 فيلمًا طويلًا حصيلة محمد خان كانت علامة فارقة في تاريخ السينما ومنها أفلام في قائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية وحصد العديد من الجوائز والتكريمات، وكتب أسمه بحروف من نور بين رواد الواقعية وعاش بقلبه وأفلامه وأبطاله قريبا من المواطن ويؤمن بأن الشوارع حواديت. 

بالرغم من أنه خير من عبر عن المصريين والبسطاء إلا أنه حصل على الجنسية المصرية في 2014 بقرار رئاسي، وفي 26 يوليو 2016  كانت نهاية "الفارس" وحان الوقت ليستريح وتوفي جراء أزمة قلبية مفاجئة، وبقيت أفلامه شاهدة على حبه للسينما والقاهرة والشوارع وحواديت خلق الله من المهمشين، رحل أحد وأهم وأبرز مخرجي الواقعية الجديدة وبقيت أفلامه وأبطاله طوال الأبد.