يجب على كل إنسان الاستعانة دائما بالله وحسن الظن به والتقرب إليه بالأعمال الصالحة وفعل الخيرات وترك المنكرات والمعاصي، كما ورد حديث عن الرسول صلي الله عليه وسلم وجاء فيه قول احفظ الله يحفظك، ولكن قد لا يعلم البعض معني أو شرح الحديث، وفي هذا السياق، تقدم بوابة "دار الهلال"، معني حديث احفظ الله يحفظك والدروس االمستفادة منه كالآتي:
نص حديث احفظ الله يحفظك
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).
شرح حديث احفظ الله يحفظك
يعتبر هذا الحديث من الأصول العظيمة التي يجتمع عليها مدارُ الإسلام، ويرسّخ في القلوب عقيدةَ الإيمان، ويوجهها إلى التعلق بخالق الأكوان، فينمي فيها حُسن التوجه والتوكل عليه، وتفويض الأمور كلها إليه، وقد بيّن العلماءُ منزلةَ هذا الحديث، حتى وضعه الإمامُ النوويّ بين أحاديثه الأربعين، وجعله خاتمة لكتابه المحبب للذاكرين "الأذكار"، وقال فيه: "هذا حديثٌ عظيمُ الموقع".
كما انتقاه الحافظُ ابن رجب الحنبلي ضمن الأحاديث التي شرحها في كتابه: "جامع العلوم والحكم" وقال فيه: "وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمةً وقواعدَ كليةً من أهم أمور الدين، حتى قال بعض العلماء: تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش، فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه".
ـ العبر المستفادة من حديث احفظ الله يحفظك
ـ إن تصور العناية الربانية المحيطة بالعبد الذي يدخل في حفظ الله وجواره ومعيته، تحمل العبد المؤمن على حِفظ حدودَ الله سبحانه والتزام أوامره واجتناب نواهيه، حتى يصل إلى مقام التقوى والإحسان الذي يستحضر فيه العبد مراقبة ربه فيعبده كأنما يراه؛ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون).
ـ ينبغي على المؤمن أن يترفع عن بعض المباحات التي تصون هيبته وتحفظ كرامته؛ فيترفع عن كثرة سؤال الناس ما لا حاجة له فيه من كماليات العيش، يقول ابن رسلان شارحاً لحال الصحابة الذين بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا يسألوا الناس شيئا: "لأنهم نُهوا عن السؤال، والمراد به سؤال الناس من أموالهم فحملوه على عمومه، وفيه التنزه عن جميع ما يسمى سؤالًا وإن كان حقيرًا".
ـ المؤمن الذي يستحضر اسم الله القادر، وأنه المعين، وأنه خالق الأسباب، يستحي من الله أن يطَّلع على قلبه فيجده قد اعتمد على من سواه، قال ابن رجب الحنبلي: "ومن كلام بعض السلف: يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك"، وكتب الحسن إلى عمرَ بنِ عبد العزيز: "لا تستعن بغير الله، فيلُكك اللهُ إليه".
ـ كلّ ما يصيبُ العبدَ في الدنيا من خير أو شر، إنما هو مقدر عليه، ومكتوب في كتاب، منذ أن خلق الله تعالى القلم، وأمره أن يسطِّر أقدارَ خلقِه جميعًا، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا).
ـ إن القدَر لا ينافي العمل بالأسباب التي تعبدنا الله تعالى بها وأمرنا بمراعاتها وحاسبنا على كسبنا لها، فإذا استقرت هذه المعاني في قلب العبد المؤمن، زادته إيماناً على إيمانه، وتجلت عليه ملامح السكينة والطمانينة في حياته ومعاملاته؛ لأنه يستند في ذلك كله إلى من ملك نواصي العبادِ وقلوبَهم وجوارحَهم، قد قهرهم بسلطانه ونفذ فيهم حكمه.