تصدر قريبًا المجموعة القصصية "الرفيقة" للكاتب زكريا صبح.
ومن بين نصوصها نقرأ: متسكعة كامرأة ثملت من فرط شراب مسكر تمتنعين عن العودة معي إلى البيت، كلما أمسكتُ بإحدى يديكِ تنفلتين مني كطفلة تمرح، تراوغ والدها الذي اشتعل رأسه شيبًا، كلما زجرتك ذرفتِ الدمع.
أصرخ فيكِ: لا بد من العودة، لدينا في الصباح مهام جسام، سأصحبكِ باكرًا إلى العمل.
تتأففين كأني أسوقك إلى الموت، تفترشين رصيف الشارع معترضة على الأمر، أحمد الله أن المارة بخرتهم ساعات الليل المتأخر، أوى كلٌّ إلى بيته، ارتمى كلٌّ في حِضن مَن يحب، لكنكِ لم تزالي تتمنعين عليَّ، أعود أكرر عليكِ: لدينا أعمال شاقة في صباح الغد.
تدَّعين الموت، تتمددين في نهر الشارع، ينقبض قلبي فأصرخ فيكِ: هيا، يكفيكِ الليلة ما كان، وما كان كان كثيرًا، ألم يكفكِ أن كنا معًا نتعاطى ما يخلب العقل وتنتشي به الروح وتحلق بعده في السماوات العلا؟ أم تراكِ قد نسيتِ؟
هيا، وكُفِّي الآن عن هذا الدلال، فلدينا في الصباح أمور شتى.
كيف تقولين امضِ وحدك واتركني؟
منذ متى وأنا أعيش دونكِ؟
– …؟
– موافق.
هيا، سأرقص بين يديكِ، بل سترقصين بين يدَيَّ.
الشارع خالٍ، والناس نيام، والقمر اليقظان يشهدنا، ونجوم الكون ترعانا، هيا تعالي واقتربي.
حركة إلى اليمين، حركتان إلى الشمال، على إيقاع موج البحر أراقصك، لن أخجل بعد الآن أن أصحبكِ في الطرقات، لن أخجل أن ألعب معكِ ألعاب الطفولة التي تحلمين بها، لن أخجل أن أصنع لكِ طائرة ورقية وأمد الحبل إليكِ، لن أخجل أن أغمض عينَيَّ ثم أبحث عنكِ، لن أخجل بعد الآن أن نلتهم معًا الآيس كريم في ليل الشتاء البارد.
متى أطل الصبح علينا؟! كيف لم أنتبه له؟! متى تحلَّق الناس حولي وأنا أحاور طائرة في سماء خيالي؟! وأنا أراقص نفسي في الطرقات وحيدًا؟!
متى قمت من فراشي؟! وانتهيت من ارتداء ملابسي؟! وخرجت إلى الشارع المزدحم نعدو معًا إلى العمل؟! كنت أسير معكِ وأنا أشير إلى بقعة النور التي راقصتك فيها مساءً في الحلم.