أكدت المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا، أن المسئولية التأديبية في مجال الوظيفة العامة تقوم في جوهرها على إخلال الموظف بواجبات وظيفته التي تتحدد -بحسب الأصل ـــ وفقًا للوائح والقرارات التي تصدر في هذا الشأن من الجهات المختصة، ومن ثم فإن من عناصر تلك المسئولية التأكد من أن العمل المُكون للمُخالفة المنسوبة للموظف يدخل في اختصاصه الوظيفي.
وإذا كان وجود هذا العنصر لازمًا لتقرير المسئولية التأديبية، فإنه يكون أشد لزومًا إذا نازع الموظف في اختصاصه بالعمل موضوع المخالفة لأنه يتعلق بأمر جوهري يتوقف عليه الحُكم بمسئولية
الموظف من عدمه، فلا يُسأل الموظف عن عمل لا شأن له به أو غير مُلزم بالقيام به أو لا يدخل في اختصاصه الوظيفي.
ومن جهة أخرى فإنه من المُقرر في مبادئ العقاب جنائيًا أو تأديبيًا أن الأصل في الإنسان البراءة، وأن المُتهم بريء إلى أن تثبت إدانته وأن البينة على من ادعى ويتفرع عن ذلك أن المُتهم غير
مُلزم بإثبات براءته وإنما على سُلطة الاتهام أو العقاب بيان الدليل على إدانته ومسئوليته، لذلك فإن عبء إثبات عناصر المسئولية الموجبة للعقاب يقع على سلطة الاتهام المدعية في الدعوى
التأديبية وعليها يقع عبء تقديم الدليل ومن ثم كان على سُلطة الاتهام إثبات أن الطاعن هو المُختص وظيفياً بالعمل المُكون للمُخالفة، وخاصة أنه دفع بأن هذا العمل لا يدخل في إختصاصه،
والحال كذلك إذا ما اتهمته بمخالفة ضوابط أو قواعد معينة فإنها يتعين عليها أن تبين هذه القواعد والضوابط ومصدرها التشريعي أو اللائحي، وأن تقدمها لسلطات التحقيق أو المحاكمة إذا كانت
منشورات إدارية أو كتب دورية غير منشورة حتى تكون هذه السلطات على بينة من أمرها بخصوص ثبوت الاتهامات الموجهة إلى المحال.
ومن جهة أخرى لا يصح في القانون الاستناد في مجال إثبات الاختصاص الوظيفي إلى شهادة الشهود لأن هذا الاختصاص تُنظمه قرارات إدارية ثابتة بمُستندات صادرة من الجهة الإدارية
والجهات الأخرى المُختصة قانوناً بذلك مما يتعين معه الرجوع في تحديد الاختصاص الوظيفي المُوجب للمسئولية إلى تلك المُستندات وليس إلى شهادة الشهود، وذلك على النحو الذي استقر عليه
قضاء هذه المحكمة في هذا الشأن.
وأضافت المحكمة، أن من حقوق الدفاع للمتهم أنه يجب إحاطته بالمخالفة المنسوبة إليه وإحاطته أيضاً بمختلف الأدلة التي يقوم عليها الاتهام وذلك حتى يستطيع الدفاع عن نفسه فيما هو منسوب
إليه، وأن يكون ما يوجه للمتهم من اتهامات ثابتة قبله في الأوراق والمستندات وأقوال الشهود، ومن ضمانات التحقيق أيضاً تحقيق ما يبديه المتهم من أوجه دفاع وتفنيدها ثم إعادة مواجهته بما
يسفر عنه تحقيق دفاعه من بطلان أسانيده وأدلته وبغير هذا لا يمكن الوصول إلى الحقيقة من خلال تحقيق مستكمل الأركان.
وأن التحقيق الإداري لا يكون مستكملاً لمقوماته الموضوعية بغير توافر مبدأين أساسيين: المبدأ الأول هو مبدأ المواجهة بالاتهام والمبدأ الثاني هو تحقيق دفاع المتهم على نحو يوضح بجلاء مدى
مسئوليته عن المخالفة، وبغير هذين المبدأين أو أحدهما يغدو التحقيق باطلاً لا يمكن أن يرتب أثراً في توقيع الجزاء على المتهم.
وأن أحكام الإدانة لابد أن تبنى على القطع واليقين وليس على الشك والتخمين، ذلك لأن المحكمة التأديبية في تحديد عناصر الجريمة التأديبية ملزمة بأن تستند في تقديرها وحكمها على وقائع
محددة وقاطعة الدلالة وذات طابع سلبي أو إيجابي يكون قد ارتكبها العامل وثبتت قبله، وأن هذه الوقائع تكون مخالفة تستوجب المؤاخذة التأديبية.