الجمعة 19 ابريل 2024

هوامش على تفسير الطبري: من هم أصحاب الأخدود؟ (1)

مقالات7-11-2021 | 14:40

يقول الله عز وجل فى كتابه الكريم فى سورة البروج: "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)"

السؤال المركزى الذى سوف نحاول الإجابة عليه فى هذه السلسلة "من هم أصحاب الأخدود؟" فحسب تفسير الطبرى لهذه الآية، قد اختلف أهل العلم فى أصحاب الأخدود؛ من هم؟، وتعددت روايات الطبرى وتناقضت حول ماهية أصحاب الأخدود دون الوصول لنتيجة مقنعة للقارئ، ومن هنا يتبادر إلى الذهن عدد من الأسئلة التى ربما تساعدنا الإجابة عنه على معرفة أصحاب الأخدود، ليس هذا فقط بل معرفة أيضا كيف كان يتم انتاج الروايات فى العصور المتعاقبة على عصر نزول الرسالة على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبداية تلك الأسئلة ألم يكن يعلم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من هم أصحاب الأخدود، أو لم يقل لهم الرسول "صلى الله عليه وسلم" شيئا عنهم، ولماذا لم يتفق الرواة على رواية واحدة تكون أقرب للحقيقة، وماذا يعنى اختلاف الروايات حول أصحاب الخدود، وأخيرا ما هى حقيقة أصحاب الإخوان، من هم وأين كانوا، ذلك السؤال الذى نحاول الإجابة عنه من خلال استعراض روايات الطبرى ومناقشتها بهدف الوصول إلى الحقيقة.

 

الرواية الأولى: يقول الطبرى (24/337)، حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر عن ابن أبزي، قال: لما رجع المهاجرون من بعض غزواتهم، بلغهم نعى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقال بعضهم لبعض: أى الأحكام تجرى فى المجوس، وإنهم ليسوا بأهل كتاب، وليسوا من مشركى العرب، فقال على بن أبى طالب رضى الله عنه: قد كانوا أهل كتاب، وقد كانت الخمر أُحلَّت لهم، فشربها ملك من ملوكهم حتى ثمل منها، فتناول أخته فوقع عليها، فلما ذهب عنه السكر قال لها: ويحك، فما المخرج مما ابتليتُ به؟ فقالت: اخطب الناس، فقل: يأُّيها الناس إن الله قد أحلّ نكاح الأخوات، فقام خطيبًا، فقال: يأيُّها الناس إن الله قد أحلّ نكاح الأخوات، فقال الناس: إنا نبرأ إلى الله من هذا القول، ما أتانا به نبيٌّ، ولا وجدناه فى كتاب الله، فرجع إليها نادمًا، فقال لها: ويحك، إن الناس قد أبوا على أن يقرّوا بذلك، فقالت: ابسط عليهم السِّياط، ففعل، فبسط عليهم السياط، فأبَوا أن يقرّوا، فرجع إليها نادمًا، فقال: إنهم أبوا أن يقرّوا، فقالت: اخطبهم، فإن أبوا فجرّد فيهم السيف، ففعل، فأبى عليه الناس، فقال لها: قد أبى على الناس، فقالت: خدّ لهم الأخدود، ثم اعرض عليها أهل مملكتك، فمن أقرّ، وإلا فاقذفه فى النار، ففعل، ثم عرض عليها أهل مملكته، فمن لم يقرّ منهم قذفه فى النار، فأنزل الله فيهم:( قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ) إلى( أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) حرّقوهم( ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) فلم يزالوا منذ ذلك يستحلون نكاح الأخوات والبنات والأمهات.(هـ)

 

وهناك عدد من الملاحظات على هذه الرواية مما يؤكد عدم صحتها، وأنها محض حكاية إما للتسلسة أو العظة أو حتى للتباهى بالمعرفة وإن كانت غير حقيقية ونلخص هذه الملاحظات فى الأتي:

  1. استحالة عدم معرفة العرب بمعتقدات جيرانهم، خصوصا المجوس، فقد كان للعرب إمارة ملاصقة لهم، ويتبادلون معا التجارة، وهناك علاقات متبادلة سواء قبل الإسلام أو بعده، ويتتبعون أخبارهم، ويشهد على ذلك كم هائل من الأحاديث والمرويات هذا إلى جانب شواهد تاريخية عدة
  2. انتساب الرواية للإمام على رضى الله عنه، لتأكيد علميتها وسهولة تصديقها، وهنا يأتى سؤال مهم ألم يعرف أحد من العرب أو الصحابة عن ديانة المجوس شيء سوى الإمام علي، رغم وجود الصحابى الجليل سلمان الفارسي، والذى تؤكد الروايات وفاته عام 36 هـ فى خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنهما، أى بعد وفاة عمر وكان حاضرا فى مدينة الرسول لفترة كبيرة ولا شك أنه تحدث مع باقى الصحابة حول عادات قومه وديانتهم.
  3. اذا كان الملك قد وقع على أخته، بعد سكره حسبما تقول الرواية، فكيف علم الشعب بهذه الواقعة، وهل كل ما كان يحدث فى القصور الملكية كان الشعب على علم به، وان كان قد شاهد هذه الواقعة بعض الخدم كان من الأسهل على الملك قتلهم ونفى والواقعة عن نفسه بدلا من تلك المشقة التى عانها فى تمرير الواقعة أو محاولة اجبار الشعب على الاعتراف بها خصوصا وان فى خطابه نوع من الندم على الواقعة.
  4. تؤكد الرواية أن هذه الآية نزلت فى هؤلاء القوم من المجوس، والجميع يعلم أن معظم أسباب نزول الآيات بل غالبيتها كان متعلقا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إما للإجابة عن سؤال من قومه أو من المشركين أو غيرهم، ويسألونك: قل" هذه الصيقة التى تكررت كثيرا، إما مناقشة حادثة بعينها ومثالها "قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها"، واما أوامر منزلة من الله عز وجل "قل يا أيها المؤمنون" أو غيرها من الصيغ، ولم يتنزل القرآن على أحد غير سيدنا محمد، وهذا ما تناقضه الرواية بقول الراوى " فأنزل الله فيهم:( قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ) إلى( أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) حرّقوهم( ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) فلم يزالوا منذ ذلك يستحلون نكاح الأخوات والبنات والأمهات.(هـ)".
  5. يعتبر الشعب الايراني، من الشعوب القليلة فى العالم التى كانت تبيح زواج المحارم، ولم يكن يعتبر الزنا جريمة كبرى فى عرفه، ولم يكن القانون يشجع البنات على أن يظللن عذارى "قصة الحضارة، 2/44."، ولما ظهر الدين الزرادشتى فى القرن الخامس أو السادس قبل الميلاد، وانتشر بين الايرانيين، أبقى على زواج المحارم، بل شجع عليه "ايران فى عهد الساسانيين، ص 1.3".

هذه الملاحظات تثبت عدم صدق الرواية وأن الرواية تم صناعتها أو اختراعها، عن جهل من الراوى بالديانة الزرادشتية، التى كان يدين بها أهل فارس أو المجوس، قبل الإسلام، وأضفى جهله هذا على العرب المسلمين ليس هذا فقط بل اتهم الإمام على رضى الله عنه بالجهل، حينما نسب له هذه الرواية.

هذه كانت الرواية الأولى وبعدم صدقها يتضح لنا أن أصحاب الأخدود ليسوا هم المجوس الذين تم ذكرهم فى هذه الرواية من تفسير الطبري، ليستمر معنا السؤال فى رواية أخرى، فى المقال المقبل

أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.