انصرف المبدعون والكتاب في الآونة الأخيرة إلى الجوائز الدولية والمسابقات الخليجية على حساب جوائز الدولة والمسابقات المحلية، الأمر الذي أدى إلى ضياع هيبة هذه الأخيرة أمام تلك الجوائز، مما جعل النائب أسامة هيكل و65 آخرين في البرلمان التقدم مشروع قانون يقترح تعديل بعض أحكام القانون رقم 37 لسنة 1958 المتعلق بجوائز الدولة للإنتاج الفكري والتشجيع والعلوم الاجتماعية والفنون والآداب.
ولكن تظل هناك علامات استفهام عالقة لا تزال تنتظر أجوبة، من المسئول عن ضياع هيبة جوائز الدولة؟ وكيف وصل الحال إلى هذه الدرجة؟ وما هي المعايير التي تحكم جوائز الدولة؟ وكيف يرى المبدعون والكتاب هذه الجوائز المحلية؟
يعلق الروائي والكاتب الصحفي ابراهيم عادل على اسباب انصراف المبدعين عن جوائز الدولة قائلا: "اسمح لي أن أطرح السؤال بطريقة مغايرة، من من المبدعين يعرف أو يسمع عن "جوائز الدولة" أصلاً ؟! هل تقوم الدولة بدور مهم في رعاية المبدعين أم أنها مجرد "شكليات"؟، قبل أن يضيف: "أعتقد أن الأمر لا يخرج عن الإطار الشكلي، قارن أي مسابقة للدولة في أي فرع من فروع الإبداع بأقل جائزة "خليجية" أخرى، قارن الاهتمام والدعاية ستدرك ببساطة الفرق على الفور، كم عدد مبدعينا الحاصلين على الجوائز، وهل يحصلون فعلاً على اهتمام حقيقي من الدولة؟!".
يتابع عادل، متطرقا إلى الاعتبارات التى على أساسها تمنح جوائز الدولة: "أعتقد ـ ويظن الكثيرون ـ أن جوائز الدولة محكومة مثل غيرها بـ 'الشللية'، ولنتذكر جميعًا المشهد الذي قدمه الشاعر محمد أبو دومة مؤخرًا في ملتقى الشعر في المجلس الأعلى للثقافة، حيث أشار إلى تراتبية الحصول على الجائزة، كأن الموضوع بالدور وليس بالموهبة أو الإبداع أو التأثير أصلًا!!".
وبشأن الاقتراحات التي قد تأخذها الجهات المعنية بعين الاعتبار في التعامل مع أزمة جوائز الدولة، أعرب عادل عن اعتقاده بأن الاقتراح الأول والأهم أن تكون الدولة مهتمة بالإبداع الحقيقي، "ساعتها ستدرك ويدرك العاملون في هيئاتها من الأحق بالجائزة من غيره".
في سياق آخر، نفى الدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة، ان يكون هناك أي انحسار لدور جوائز الدولة في مواجهة الجوائز الدولية، قائلا: " بالطبع لا، فجوائز الدولة تمنحها الدولة بالأساس لمواطنيها ولا تمنح لغيرهم من الخارج، وهي عبارة عن نوع من الاعتراف من الدولة للفنان بما قدمه من خدمات للمجتمع ".
وردا على سؤال حول الاعتبارات الأخرى للفوز بجوائز الدولة غير الإبداع، أوضح مغيث: "بالتأكيد هناك اعتبارات اخرى، فجوائز الخليج أصبحت جوائز عربية غير مقتصرة على مواطنيها وذلك يوضح أن الإبداع العربي واحد، أما بالنسبة للجوائز، فهناك معايير أخرى تتدخل سواء علاقات عامة أو ضغوطا أو غيرهما لكن هذه السلبيات توجد ايضا في مهرجانات كبرى مثل "كان" وفي "الأوسكار" وليست أمرا غريبا وخاصا بمصر.
من جانبه، أكد الدكتور محمد عبدالمطلب، مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، أن الاهتمام بجوائز الدولة لا يزال موجودا وحاضرا، لكن هذا يرافقه اهتمام بجوائز الخليج لأن قيمتها مرتفعة وعالية تدفع البعض للإقبال عليها، مشيرا إلى أن الاهتمام بالنوعين من الجوائز أمر مطلوب.
وبحسب عبد المطلب، فإن هناك مقترحات كثيرة للنهوض بجوائز الدولة، فأولا - من وجهة نظره-، إعادة النظر في اللجنة العليا المشكلة لمنح الجوائز. يبين عبد المطلب: "اللجنة العليا المشكلة من حوالي خمسين عضوا والتي تصوت على الجوائز هي أشبه ما تكون بخلية عشوائية، فكيف بعضو مثلي مختص بالنقد الأدبي يحكم على رسام؟! أو دارس في علم الاجتماع؟!"، مقترحا تقسيم هذه اللجنة إلى فروع وتخصصات حتى ينال كل صاحب حق حقه.
يشرح عبد المطلب الاقتراح الثاني قائلا: " فضلا عن أن هذه اللجنة العليا بها ما يزيد على عشرين موظفا من وزارة الثقافة وهذا معناه أن اللجنة ستأتمر بأمر الوزير، فإذا أراد أن يعطي الجائزة لفلان فبإشارة لموظفيه يعطيها له. باختصار يجب أن تنقى هذه اللجنة من موظفي الوزارة وأن تقسم إلى تخصصات".
وأوضح عبد المطلب أن لهذه اللجان لجانا تخصصية كان هو عضوا بها لعدة سنوات وتقوم هذه اللجان بترشيح من يستحق الجائزة ولكن لم ينلها إلا أصحاب الصيت والسمعة.
يتذكر عبد المطلب أحد المواقف مبتسما وهو يقول إنهم قد رشحوا ذات مرة المرحوم أحمد الشيخ والذي توفي منذ أيام ومعه الشاعر عبدالمنعم عواد يوسف وكان هذا منذ عشرة أعوام لنيل جائزة التفوق ثم فوجئ الجميع بأن الذي حصل على هذه الجائزة شخص آخر وكان هذا الشخص قد حصل على عشرة في المئة بينما حصل الاثنان على خمسة وتسعين في المئة.
ينهي عبدالمطلب كلامه متسائلا: لماذا هذه اللجان إذا لم تحترم قراراتها فإما تحترم قراراتها او تلغى؟!
وحول أن كان هناك اعتبارات اخرى لنيل جوائز الدولة غير الإبداع، يؤكد عبدالمطلب: " للشهرة والإعلاميين الأسبقية في ذلك، وحتى أكون منصفا فتسعون في المئة ممن حازوا الجوائز يستحقونها، بينما العشرة في المئة ذهبت لهؤلاء الذين يحظون شهرة واسعة أو إعلاميين".
لدى عبد المطلب أيضا، وجهة نظر في كيفية النهوض بالجوائز المصرية أمام جوائز الخليج، قائلا: "لن نستطيع أن نجاري هذه الجوائز في قيمتها المادية ولكن يجب أن ترتفع القيمة المادية لجوائز الدولة، فإغراء هذه الجوائز يدفع الكثير من المبدعين إلى التقدم إليها".
أما عن سن الحاصلين على التشجيعية بألا تزيد عمر المتقدم على أربعين سنة، ينوه عبدالمطلب بأنه قد كان بالفعل سن المتقدم لا تزيد على أربعين سنة ولكن عندما أعيد صياغة القانون سقط هذا الشرط سهوا وأصبح يفوز بها أشخاص يبلغون من العمر خمسة وستين وسبعين سنة وبذلك يجب أن يعود هذا الشرط مرة اخرى.
ويرى عبد المطلب أن تكون السن 35 سنة فقط لأن التشجيعية هي الجائزة الوحيدة المحترمة بين هذه الجوائز لأنها تعطى بناء على قرارات لجنة مختصة.
أسباب كثيرة قد تكون أدت إلى ضياع هيبة جوائز الدولة وتراجعها امام جوائز الخليج، منها الوساطة والشللية التي سيطرت على جوائز الدولة لفترة كبيرة او ربما للتغطية والانتشار الإعلامي الكبير الذي تحظى به جوائز الخليج والجوائز الدولية، او ربما للقيمة المالية الضخمة للجوائز الدولية، الأمر الذي أصبح ملحا على مؤسسات ووزارات الدولة التعاون والتكاتف لوضع آلية يمكن من خلالها لفت الانتباه إلى جوائز الدولة مجددا.