الثلاثاء 28 مايو 2024

مستقبل العلاقات العربية - القطرية

7-6-2017 | 12:47

أعلنت كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين واليمن قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر فجر الخامس الأول من يونيه الجارى، بعد أن باءت كل جهود الوساطة التى بذلتها الكويت بالفشل، وتأكد للجميع أن الحكومة القطرية لن تغير من سياساتها العربية والإقليمية، ولا من وقوفها وراء جماعات الإسلام السياسى ما يوصف بالمعتدلة منها أو المتطرفة، وفى مقدمتها جماعة « الإخوان المسلمين».

 

جاء قرار قطع العلاقات الدبلوماسية متزامنا مع مجموعة من القرارات الأخرى غير مسبوقة فى تاريخ العلاقات الخليجية - الخليجية والعلاقات العربية - العربية من غلق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية بين الدول الخمس وقطر، وطلبت كل من السعودية والإمارات والبحرين من رعاياها عدم التوجه إلى قطر أو العبور منها، كما منحت هذه الدول مهلة أسبوعين للمواطنين القطريين المتواجدين بها لمغادرة البلاد، وهى قرارات فى مجملها فرضت عزلة شبه تامة على قطر، ليس فقط على المستوى الرسمى وإنما الشعبى كذلك. 
جاءت هذه القرارات على خلفية نتائج القمة الخليجية - الأمريكية من جانب والقمة العربية - الإسلامية - الأمريكية من جانب آخر بالرياض فى نهاية شهر مايو الماضى.شهدت القمتان إجماعا على ضرورة احتواء النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية ومحاربة الإرهاب والجماعات الإرهابية، ووقف كافة أشكال الدعم لها. وتمخضت القمتان على تأسيس آلية لمراقبة مصادر التمويل المختلفة للجماعات الإرهابية وإنشاء مركز لمحاربة الفكر المتطرف بالرياض، مركز « اعتدال».

كانت القمة العربية - الإسلامية - الأمريكية قمة غير مسبوقة مثلت نقطة تحول فى أنماط التحالفات فى الشرق الأوسط والخليج، وحددت هدفين رئيسيين لكافة الدول المشاركة بما فى ذلك قطر، الأول هو محاربة تدخل إيران فى الشئون الداخلية لدول المنطقة والثانى اجتثاث الإرهاب والجماعات الإرهابية. وعكست الكلمات الرئيسية فى هذه القمة هذه الأولويات بوضوح وحسم فى آن واحد. 
ولم تكد تمضى أيام معدودة على انتهاء القمة المذكورة، وبثت وكالة الأنباء القطرية تصريحات للأمير تميم حاكم قطر حول ثقل إيران فى المنطقة وان منظمة (حماس) هى الممثل الشرعى للشعب الفلسطيني، وإن حزب «الله» اللبنانى هو حزب مقاومة وليس جماعة إرهابية. لم تكن هذه المواقف جديدة على السياسة القطرية، وإنما الجديد فيها، أو بالأحرى الرسالة الضمنية فيها هى أن (الدوحة) ستظل متمسكة بسياستها تجاه إيران وتجاه جماعات الإسلام السياسى بغض النظر عن الإجماع الذى تبلور فى القمة العربية - الإسلامية - الأمريكية حول هاتين النقطتين. جاءت ردود الأفعال فورية وقوية من السعودية والإمارات لدرجة اضطرت معها الحكومة القطرية أن تعلن رسمياً أن أمير قطر لم يدل بمثل هذه التصريحات، وإنما شهدت وكالة الأنباء القطرية اختراقا. وبطبيعة الأمر لم تأخذ الحكومتان السعودية والإماراتية هذا الحديث على محمل جد. وبدأت تتصاعد الأمور إلى أن قررت الخمس دول العربية قطع علاقتها الدبلوماسية مع (الدوحة) بعد استنزاف كافة المحاولات الدبلوماسية الهادئة لاحتواء الخلاف القطرى - الخليجى من ناحية والخلافات المصرية - القطرية من ناحية أخري، فى تطور جد خطير فى النظام العربي، وفى مرحلة حرجة للغاية فى تاريخ الأمة العربية استبيح فيها الأمن القومى لعدة قرى عربية رئيسية فى مقدمتها مصر. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد، وقبل انعقاد القمة العربية - الإسلامية - الأمريكية - إلى أن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى بدأ فى الشهرين الأخيرين التحدث عن دول ترعى الإرهاب وتمول الجماعات الإرهابية التى تنفذ عمليات إرهابية على الأراضى المصرية. لم يسم السيد الرئيس هذه الدول لكن لم يكن سراً  خافيا على أحد من هى الدول المقصودة، وقطر لم تكن بعيدة. وفى كلمته الجامعة الشاملة أمام القمة المذكورة عن الإستراتيجية الجادة والمثلى لمحاربة الإرهاب أشار سيادته إلى الموضوع بطريقة مباشرة بدون تسمية دول بعينها. 
لقد أوصل التعنت القطرى الأمور إلى نقطة اللاعودة فى ظل سياسات وتوجهات وطموحات هيمنة قطرية أدت إلى زعزعة أمن واستقرار عدد من الدول والشعوب العربية فى مصر وسوريا وليبيا. 
على المدى القصير ليس من المتوقع قيام الحكومة القطرية بإدخال تعديلات جوهرية على سياساتها الراهنة بالنسبة لإيران وجماعات الإسلام السياسي، فهى تستخدمهم كأوراق ضغط فى مواجهة المملكة العربية السعودية ومصر.وهى تتحالف مع تركيا من جانب وتتقارب مع إيران من جانب آخر من أجل احتواء الدور والنفوذ السعودى المتصاعد فى المنطقة،فى الوقت الذى ستستمر فيه فى اللعب على التناقضات العربية - العربية والتناقضات العربية - الخليجية فى محاولة منها لتعظيم دورها فى إقليم الشرق الأوسط وفى منطقة الخليج. هى تحسب أن القوى الأقليمية الثلاث، تركيا وإيران وإسرائيل، هى القوى التى ستتحكم فى رسم مستقبل المنطقة، وليس مصر أو السعودية. بل هى تذهب فى طموحاتها إلى أبعد من ذلك، فهى تريد أن تحتل موقعهما داخل النظام العربى، وأن تكون الرقم الصعب فى المنطقة برمتها استنادا إلى تحالفها مع الولايات المتحدة من جانب والقوى الإقليمية المذكورة من جانب آخر،ورهانا منها على أن مرحلة التغيير والتحول فى مصر والسعودية  حالياً يمنحها فرصة « تاريخية « للسيطرة على مجريات الأمور بالتعاون المعلن تارة والمستتر تارة أخرى مع قوى غيرعربية. 
جاء قرار قطع العلاقات الدبلوماسية معها من جانب مصر والسعودية والإمارات والبحرين واليمن ليدل أن التكلفة الإستراتيجية لمثل هذه التوجهات باهظة للغاية ليس فقط للحكومة القطرية وإنما للشعب القطرى ذاته. 
كقومى عربى لم أكن أود أن تصل الأمور فيما بين الدول العربية لهذا الحد، فى الوقت الذى تقتضى فيه المرحلة الحاسمة التى يمر بها الشرق الأوسط اليوم تتضافر الجهود العربية مجتمعة لصيانة الأمن القومى العربي، وأن يعى الجميع أن سقوط الدولة الوطنية فى العالم العربية هو إيذان بقيام دولة إسرائيل الكبرى على حساب شعوبنا فى حاضرها ومستقبلها.