بقلم – د. ضاحى النجار
بعد أن هدأت الهجمة الشرسة على الأزهر وعلومه، تلك الهجمة التى قادها بعض المشككين فى علوم الأزهر القيمة والقامة وهم هؤلاء بالطبع لا يدركون معنى الأزهر وما يؤديه من دور علمى وتعليمى ووطنى من أجل الوطن ومن أجل مصر.. هم بالتأكيد لا يدركون قيمة وقامة الأزهر على المستوى الداخلى والمستوى الخارجى عالميا.. جاءت التغييرات الصحفية الأخيرة لتوضح وتبين لنا جميعاً البعد الفكرى لرجال الأزهر وشيوخه ورؤيتهم الثاقبة ونظرتهم العالمية التى لا تضيع هباءً منثوراً.
منذ خمسين عاماً أو يزيد كان على رأس مشيخة الأزهر عالم جليل ذو فكر ثاقب وبعد نظر عميق إنه فضيلة العالم الجليل الأستاذ الدكتور/ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر فى تلك الفترة.. نظر ذات يوم وهو يقوم بواجب وطنى كبير فى إزالة آثار العدوان البغيض من إسرائيل ومن وراءها فى حرب ٦٧.. لعب دوراً بارزاً وكان معه جل الشيوخ والعلماء من الأزهر فى إزالة حالة عدم الثقة، وبعث روح جديدة فى أفراد الجيش المصرى وكان معه الأستاذ الدكتور محمد المسير والشيخ محمد الغزالى رحمة الله على الجميع.
بالطبع أدوا دوراً مهماً فى تلك الفترة الحالكة من حياة الأمة المصرية.
أراد أن يخرج من جامعة الأزهر الطبيب الأزهرى والمهندس الأزهرى والداعية المثقف دينيا ولغويا لينشر الفكر الوسطى للدعوة الإسلامية على المستوى العالمى والإفريقى بالذات.
الشيخ الإمام عبدالحليم نظر إلى من حوله وقد استشار علماء الأمة لماذا لا يكون بالأزهر كلية للإعلام نخرج فيها صحفيين ومذيعين على مستوى فكرى متدين يحملون فكر الأزهر ومبادئه، ثم يقومون بحمل هذه الدعوة وإبلاغها للإنسان عامة، ثم نشر أخبار الأزهر وجامعته؟
ولم لا فلدى الأزهر كليات عملية خرجت الطبيب المعالج والداعية بلغات العالم الأخرى والمهندس المبدع.. تخرج فى الأزهر أساتذة فى الطب علموا العرب والأفارقة. بل فى الدول الأوربية والأمريكية .. كانت لهم إسهامات جيدة على المستوى العالمى.
أذكر من هؤلاء الدكتور صلاح إبراهيم رائد علم الغدد الصماء.. الذى كانت مراجعه وكتبه فى علم الغدد الصماء تدرس فى الولايات المتحدة الأمريكية فى كليات الطب.. ومازالت حتى يومنا هذا.
الشيخ الإمام طرح فكرة إنشاء كلية للإعلام فى جامعة الأزهر. حتى يجىء اليوم الذى يصبح فيه رئيس تحرير أو رئيس مجلس إدارة من إعلام الأزهر..
ظلت الفكرة تراوح القائمين على الأزهر حتى تم الاستقرار على إنشاء قسم للإعلام بجامعة الأزهر.. وهو ما تم بالفعل وجاء تحت مسمى قسم الصحافة والإعلام بجامعة الأزهر وقد شمل ثلاث شعب، وكان مقره فى كلية اللغة العربية بالقاهرة.
الفكرة كانت جريئة وثاقبة، ونافعة, لم لا حيث كان هناك بعض الأزهريين يعملون بالصحافة المصرية فى الأهرام كان عالم اللغويات الفذ الأستاذ الدكتور ابراهيم بسيونى الذى ضبط مقالات وأحاديث محمد حسين هيكل. ثم تبعه أساتذة آخرون كان لهم باع طويل فى الصحافة المصرية.
بيد أنهم تركوا هذا المجال واتجهوا إلى التدريس فى مجال تخصصهم بكليات جامعة الأزهر.
تم الانتهاء من تأسيس قسم الصحافة والإعلام فى حياة المرحوم الدكتور/ عبدالحليم محمود الذى أخبر من حوله أن هذا القسم سوف يتخرج فيه من يتولى أعلى المناصب فى الصحافة المصرية سواء عاجلاً أو آجلاً.
التغييرات الصحفية الأخيرة حملت اسم الاستاذ/ مجدى سبلة كرئيس لمجلس إدارة دار الهلال. فهو خريج قسم الصحافة والإعلام بالجامعة . ومن كلية اللغة العربية التى أشرف بالانتماء إليها دارساً فيها من الليسانس حتى حصولى على الدكتوراه منها.
ثم إن ما تشهده الآن من حراك شديد فى ضبط الكلمة وتصويب الخطاب الدينى، وتلك هى أمنية الرئيس عبدالفتاح السيسى، هذه الفكرة تقضى بأن يكون رئيس تحرير أى مطبوعة إنساناً متزناً له بعد ثقافى ودينى عاقل، وجاء الأستاذ أحمد أيوب رئيساً لتحرير مجلة “المصور” صاحب الفكر المتوثب والعاقل ليكمل مع صديقه مجدى سبلة منظومة الرؤية الثاقبة لفضيلة الإمام الشيخ عبدالحليم محمود. الذى أكد لمن حوله يومها أنه سوف يأتى اليوم الذى يرى فيه الأزهريون أن منهم رجالاً تقلدوا أعلى المناصب فى الصحافة المصرية. فى التليفزيون وفى الإذاعة المصرية، وما هى ببعيد عنا إذاعة القرآن الكريم التى تمتلئ بالمذيعين الذين تخرجوا فى جامعة الأزهر.
ظل قسم صحافة الأزهر يعمل ويقاوم كل الأمواج التى تدعو لإلغائه أو تحويله إلى معهد بحثى حتى لا يكون للأزهريين منبر يخرجون منه إلى الآفاق الرحبة والأوسع لنشر وتوصيل فكرة الأمانة والمادة العلمية الوسطية التى تخرج من الأزهر.
تم صد كل هذه الأمواج العاتية، وجاء اليوم الموعود الذى حمل فيه بشارة ورؤية الإمام الشيخ عبدالحليم محمود. وحدث أن تولى رئاسة مجلس إدارة دار الهلال. أعرق مؤسسة صحفية فى العالم العربى والإسلامى مجدى سبلة خريج قسم صحافة الأزهر. ومعه الإنسان الخلوق صاحب الكلمة المتينة والراقية أحمد أيوب رئيس تحرير مجلة “المصور” ابن عروس الصعيد محافظة المنيا.
أذكر منذ حوالى شهر تقريباً كنت فى ضيافة سيادة اللواء محمد على عبداللاه الدنش قائد الجيش الثالث الميدانى، ويومها منحنى القلادة الفضية للجيش الثالث الميدانى.بيد أنى رأيته وقد اكتسى وجهه بضيق شديد مما تنشره الصحف عما يقوم به رجال الجيش المصرى.
بادرته لماذا أنت هكذا.. فقال لى إن إثارة عدم الدقة فى الأخبار وكتابة عناوينها قلت له ماذا تريد. قال لا أريد إلا مصلحة الوطن أولاً، وبعد ذلك يأتى العمل الصحفى بشكل إيجابى. قلت له هذا ما نتمناه.
بادرنى بالسؤال عن اسم أحمد أيوب هو يعرفه كمحرر عسكرى ملتزم. فكان ردى أنه من قامات مجلة المصور
الشيخ العلامة - رحمة الله عليه - عبدالحليم محمود شيخ الأزهر كان يدرك جيداً قيمة الصحافة، وقيمة الإعلام بمعنى أعم وأشمل .. كان ينظر إلى الحالة العامة كيف تنتقل أخبار الأزهر.. ويومها لم يكن بمصر إلا ثلاث جرائد يومية رئيسية فقط بجانب مؤسسة دار الهلال بما تحمله من عبق التاريخ وريادتها الثقافية، فى العالم العربى والإسلامى ثم كلية واحدة فقط للإعلام.. هى كلية الإعلام جامعة القاهرة.
فعند إنشاء قسم الصحافة والإعلام بجامعة الأزهر استعان بما هو أصلاً أستاذ فى الإعلام، جيىء بأشهر أساتذة الإعلام فى مصر وكلية الإعلام جامعة القاهرة هؤلاء الأساتذة حملوا اسم هذا القسم وجامعة الأزهر ذاهبين بهذا العلم إلى الدول العربية والإسلامية مؤسسين لكليات الإعلام.. تحت راية الأزهر وجامعته.
بحق إن نظرة العلامة الإمام عبدالحليم محمود شيخ الأزهر ووزير الأوقاف فى بدايته، كانت ذات أبعاد عديدة، ما لم يتحقق فى أيامه سوف يتحقق بعد سنوات، ويؤتى ثماره حتى ولو كره الحاقدون.
لقد تعرض هذا القسم - الذى تحول إلى كلية للإعلام الآن - فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى ومجهودات فضيلة الإمام أحمد الطيب - إلى هزات عنيفة كادت أن تعصف به إلى النهاية إلا أن القدر وجهد القائمين عليه أبقته شامخاً يخرج طلابه وصحفيين يتربعون فى شتى المجالات إلى اليوم. ومن محاسنه أن طلابه ينتشرون الآن فى كل الصحف المصرية القومية وغيرها ناشرين رسالته ومشاركين فى الحياة الصحفية، وبالكلمة الصادقة الهادفة البعيدة تماماً عن كل مثيرات الفتن.