الخميس 28 نوفمبر 2024

٢٠١٧ النكسة الجديدة فى إسرائيل

  • 7-6-2017 | 14:22

طباعة

بقلم –  د. طارق فهمى

قد يبدو العنوان صادما للقارئ ولكنه الواقع الذى تعيشه إسرائيل فى الوقت الراهن، فمنذ ١٩٦٧ حتى الآن تسعى إسرائيل إلى إثبات حضورها فى الإقليم بأكمله من خلال مشروع إقليمى استيطانى استعمارى متكامل، وبرغم أنها دخلت فى مشروع سلام وتسوية مستمر منذ عام ١٩٧٩ مع مصر وفى عام ١٩٩٥ مع الأردن واستمر السلام إلى اليوم إلا أن إسرائيل لا تزال تخشى من استمرار حالة العداء العربى الكامل بما فى ذلك فشلها فى تحقيق سلام دافئ مع الجانب المصرى، برغم مرور كل هذه السنوات وبقاء السلام فى إطاره الرسمى أمنيا واستراتيجيا وسياسيا وفى قنوات متعارف عليها، ولم تنجح فى تطوير اتفاقيات الكويز أو الدخول فى مشروعات تعاون جديدة اقتصاديا أو استراتيجيا، كما اختفت ظاهرة الحج السياسى الإسرائيلى الرسمى للقاهرة ولم يزر مسئول إسرائيلى كبير منذ سنوات القاهرة باستثناء بعض الزيارات لمسئولين أمنيين وفى درجات محددة ووفقا لظروف العلاقات، ومع ذلك استمرت اللقاءات الدورية بين البلدين بمقتضى معاهدة السلام...

 

فى هذا السياق من واقع العلاقات المصرية الإسرائيلية يمكن تفهم لماذا تخشى إسرائيل من الدخول فى معاهدات جديدة فلربما تكرر الأمر خاصة من الجانب الفلسطينى الذى سيستمر فى تهديد أمن إسرائيل حتى لو تمت التسوية ولو بعد سنوات طويلة ولهذا لابد أن تبقى فى منطقة الاغوار ويجب أن تقيم فى الجولان مع وجود استمرارية للأمن الإسرائيلى فى مناطق التماس الاستراتيجى مثلما بقيت فى وادى عربة لمدة٩٩ عاما وهو ما يجب أن يتكرر مع أى تسوية جديدة مع الجانب الفلسطينى ولكن السؤال هل فعلا إسرائيل ٢٠١٧ تريد السلام وهل تستطيع الإقدام عليه؟

قولا واحدا إسرائيل فى حالة انكسار كامل وحالة من غياب الرؤية والتصور نحو مستقبلها لمدة ١٠٠ عام حيث تعانى إسرائيل من واقع راهن يتسم بالارتباك والتردد فى عدم حسم الخيارات السياسية والاقتصادية والدولة التى تتحدث عن إسرائيل ٢٠٢٨ وإسرائيل ٢٠٧٥ هى ذاتها الفاشلة فى تحديد مسارات حركتها وأذكر أننى كتبت مؤلفا أكاديميا منذ سنوات عن خطة إسرائيل ٢٠٢٨ وأعكف الآن على إصدار موسوعة عن استراتيجية إسرائيل ٢٠٧٥ وقد خلصت مبدئيا إلى أن إسرائيل التى تتحدث عن المستقبل هى الفاشلة فى تحديد مشاهدها المستقبلية فى حالة من التشتت فى تحديد الأولويات الوطنية وفى محيطها الإقليمى، وهو ما يدفعها إلى الذهاب إلى الخيارات الانفرادية دائما والحل العسكرى الدائم فى نطاقها خاصة مع قطاع غزة والتى ترى أنه لن يهدأ أو يستقر على الأقل فى السنوات العشر المقبلة خاصة مع صعود جيل من العسكريين الجدد والتوقع بالمواجهة القادمة هو ما يجعلها تتأهب للعمل العسكرى الدائم فى بلد يشهد مناورة سنوية رسمية تعرف باسم تحول وهى تحدد المسارات والتهديدات والمخاطر وكيفية التعامل معها إضافة لوضع الاستراتيجيات الواجب القيام بها إضافة إلى ١٢ مناورة تجرى داخليا لتأمين الجبهة الداخلية ومع ذلك فإسرائيل فى حالة الانقسام والتردي.

الداخل المتردى إسرائيليا

ويكفى أن تتابع التظاهرات التى جرت فى إسرائيل الأسبوع الماضى والتى طالبت رئيس الحكومة نتنياهو العمل على التفاوض وفقا لخيار حل الدولتين وهو ما يشير إلى أن التوحد والاندماج الذى تحدث عنه مؤسس الدولة ديفيد بن جوريون ليس له وجود على أرض الواقع وأن رئيس الحكومة نتنياهو عاجز عن تقديم نفسه على أنه زعيم إسرائيل القادر على أن يدخل فى مفاوضات جادة مع الجانب الفلسطينى ويرتضى بالخيار السلمى وفى وقت تشهد فيه إسرائيل معطيات خطيرة يجب الإشارة إليها ومنها حالة التسرب من الخدمة الإلزامية وشيوع ظاهرة الانتحار للجنود والضباط ولولا ما يتسرب من بعض الأخبار ما عرفنا تفاصيل كاملة عما تسمح به الحكومة الإسرائيلية بمقتضى ما توافق على نشره الرقابة العسكرية فى إسرائيل..

نكسة المجتمع الإسرائيلى فى الوقت الراهن تتمثل فيما يلي:

تشهد إسرائيل ولأول مرة فى تاريخها تنامى ظاهرة الهجرة المضادة من إسرائيل إلى الخارج وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلى لتشكيل لجنة قومية تعمل فى السر لمعرفة أسباب ومبررات الخروج من إسرائيل إلى العالم ومن المفترض أن تقدم توصياتها قبل ٢٠١٨.

تقوم إسرائيل بتأسيس نظرية أمن قومى جديدة ردا على ما جرى فى التقصير المتتالى فى المؤسسة العسكرية غير القادرة على حسم خياراتها السياسية والاستراتيجية ليس تجاه قطاع غزة أو حزب الله وإنما تجاه ما يجرى من متغيرات تطول التهديدات الراهنة على أمن إسرائيل.

تقوم إسرائيل ببناء نظام دفاعى جديد يعرف باسم السماء الحمراء بعد خيبة الأمل فى النظام الدفاعى الراهن مقلاع داوود والعصا السحرية ولكنها لم تحصل بعد على التمويل الكافى حيث تسعى الحكومة الإسرائيلية من خلال ايباك فى واشنطن للحصول على مساعدات إضافية خارج برنامج المساعدات الأمريكية الممنوح من إدارة أوباما والمقدر بـ٣٨ مليار دولار فى العشر سنوات القادمة.

تسعى إسرائيل لبناء جيش ذكى قوامه ١٠٠ ألف جندى مع الاعتماد على التقنيات المتقدمة والأسلحة النوعية المتقدمة وعبر منظومة تسلح جديدة وهو ما سيؤدى لثورة داخل الجيش الإسرائيلى وخاصة من القيادات الوسطى التى ترى أن الجيش القديم سيصير فى ذمة التاريخ رغم أنه وضع إسرائيل يوما ما فى مصاف الدول الكبرى وأنه تمكن من إبقاء إسرائيل دولة متقدمة عبر الصناعات العسكرية التى يباشرها المجمع الصناعى العسكرى، وبالتالى فمن المحتمل أن تثار علاقة المؤسسة العسكرية بالمجتمع المدنى خاصة مع تحول الإنفاق على التعليم والصحة على حساب الأمن وهو أمر يحتاج إلى مراجعة فى ظل عدم دخول الجيش الإسرائيلى فى حالة حرب مع جيش نظامى وكل ما دخله من مواجهات مع تنظيمات إرهابية ليس أكثر ولم يحقق النجاحات الكاملة برغم الإنفاق الهائل.

إن الجيش الإسرائيلى لم يحتل موقعا متقدما فى جلوبال فاير العام الماضى ٢٠١٦وهو ما يشير إلى تقدم الجيوش الشرق أوسطية وعلى رأسها مصر وهو ما جعل مصر فى المرتبة العاشرة ويتقدم فى بعض التصنيفات الدولية وفقا لمركز راند الشهير وسيبرى إلى درجات متقدمة، وأن الجيش الإسرائيلى فى حاجة ملحة لإجراء مناورات مع جيوش أخرى بما فى ذلك جيوش أوربية خاصة فى دول حلف ناتو ويشار إلى أن إسرائيل لا تزال علاقاتها ملتبسة مع حلف الأطلنطى لأنها سمحت مؤخرا بقيام قطع بحرية بزيارة الموانئ الإسرائيلية ويطرح الإسرائيليون تساؤلا مزعجا هل ستقبل إسرائيل التى عاشت بمفردها فى المنطقة وانتصرت فى سنوات سابقة على جيوش عربية كاملة واحتلت مساحات كبيرة من الأرض العربية قبل أن تواجه هزيمة يوم كبيور بتعريفهم أن يقوم حلف ناتو بالدفاع عن أمن إسرائيل... هل يحدث ذلك؟ ؟؟

٦- إن السؤال على لسان قطاعات عريضة من الرأى العام الإسرائيلى كيف لدولة تتحدث عن المستقبل لسنوات بعيدة وترسم خططا لسنوات وهى لم تعش إلا أعواما قليلة بعمر الدول١٩٤٨ – ٢٠١٧ ولم تستطع أن تتحول إلى دولة حقيقية لها عاصمة معترف بها وليس متنازعا عليها حتى الآن ولا تزال آخر دولة احتلال فى العالم والصورة الذهنية لإسرائيل فى العالم أنها مجتمع استيطانى عدوانى محبط لا يتبنى سوى الخيارات العسكرية وليس لديه توجهات إيجابية إزاء دول جواره ولأول مرة يظهر على السطح وخلال الفترات الأخيرة معسكر السلام الآن، واليسار والعلمانيون الذين يطالبون بوقفة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية التى تتفاخر بوجود اليمين الحاكم فى سدة الحكم ويراهن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو على الاستمرار برغم الحديث الراهن عن إعادة تفكيك الائتلاف الحاكم وبناء ائتلاف جديد ربما يدخل المعسكر الصهيونى فى الائتلاف استعدادا لبدء المفاوضات مع الجانب الفلسطينى، وهو ما يشير إلى أن إسرائيل تتأهب لليوم التالى، وهى ليست مستعدة بصورة واضحة وفى ظل المخاوف من الإقدام على خطوة التسوية بدون استعداد استراتيجى وغياب الرؤية وانقسام المجتمع على الأولويات والمهام وهو ما قد يضعف إسرائيل فى المرحلة المقبلة ونكسة إسرائيل كما يرى كبار أكاديمييها أن إسرائيل برغم كل التقدم العلمى والتقنى والاستمرار إلا أنها ما تزال دولة هشة لا تملك خياراتها بصورة كاملة فى منطقة لا تزال غير مستقرة وآمنة وهو ما يتطلب مراجعة مواقفها وتوجهاتها فى الفترة المقبلة وإلا فإن إسرائيل تواجه كارثة الاستمرار فى بيئة حاضنة لكل مقومات العداء والعدوانية لاستمرار إسرائيل ومن ثم فليس غريبا أن تتردد أحاديث مكتومة حول احتمال إقدام العسكريين على تحديد الأولويات والمهام وتدنى دور السياسة فى بلد لم تعد فيه أحزاب يعرف برامجها المواطن الذى لم يعد يهمه أن يعرف برنامج حزب العمل أو البيت اليهودى أو شاس وفى ظل الصراع الحزبى والمجتمعى على الحصول على الحقوق والمزايا كل وفقا لما يخطط مع اختفاء منظومة الجمع والصهر والبوتقة الواحدة التى حلم بها الآباء المؤسسون.

فى ٢٠١٧ لا تزال إسرائيل كمجتمع فاشل ومحبط يضرب بجذوره فى عمق الداخل مع تتالى الانكسارات الأمنية والاستراتيجية واقتصاد يعانى وطأة الاعتماد على الخارج برغم التأكيد على جدارة إسرائيل فى الصناعات العسكرية والتفوق العسكرى والتقنى ولمجتمع ما زال يتحدث عن الحياة فى ظل القنبلة النووية التى يملكها ولا يملكها جيرانه وقد انتفى ذلك فعليا بعد انكسار حالة الانفراد بالنووى بعد وصول إيران لمرحلة العتبة النووية وحسم الأمر وفى ظل سؤال للرأى العام ما قيمة السلاح النووى فى بلد تضربه صواريخ التنظيمات الفلسطينية وبعد أن وصلت الصواريخ إلى تل أبيب وديمونة فماذا ستفعل إسرائيل التى تشيد المستوطنات وتبنى آلاف الوحدات التى لا يسكنها أحد، ومع ذلك تكابر وتستمر فى تغيير معالم الأرض التى لا تملكها وستخرج منها مثلما خرجت من ياميت وجنوب لبنان وغزة والقضية مسألة وقت...

أى دولة مجنونة تلك التى تبنى جدرانا حولها وأسوارا ضخمة وتشيد المتاريس وترسم حدودها خلف الجدار العازل لتحدد وجودها وحدودها رغم كل ما تؤكده من أن حدودها إلى أن يصل جنودها وجيشها ليحسم الأمر فعلا لا قولا ولتكون حدود إسرائيل إزاء مصر والأردن والدولة الفلسطينية القادمة معلومة ومعروفة... .

إن إسرائيل فى نكسة حقيقية وما لم ترتكن لوقائع السياسة والتاريخ والأمن والمصلحة الوطنية وتخرج من الأرض، فإن الكارثة قادمة لا محالة، برغم كل ما يعانيه العالم العربى فى الوقت الراهن من حالة عدم استقرار ولن نزيد.

 

    الاكثر قراءة