الأربعاء 15 مايو 2024

حــــرب ٦٧ لا يضير أمه أن تتعرض لكبوة

7-6-2017 | 14:24

بقلم – اللواء/ محمد إبراهيم

تظل الدروس المستفادة من حرب ١٩٦٧ معينًا لا ينضب لكل من يتعمق فى نتائجها ويدرس التحركات التى تبلورت فى المرحلة اللاحقة لها، ولعلنا إذا قفزنا إلى أهم النتائج الإيجابية التى ترتبت عليها لوجدنا أننا بدأنا الاستعداد الجدى لمعركة تحرير سيناء بعد حرب ٦٧ مباشرة، حتى وصلنا بفضل الله وبإرادة الشعب المصرى وجيشه العظيم إلى انتصار أكتوبر ٧٣ الذى سيظل علامة فارقة براقة مضيئة لن ينساها كل من يكتب تاريخ الكرامة والفخر والعزة للدولة المصرية.

 

وعندما نتحدث عن نتائج حرب ٦٧ لابد من التعرض أيضاً إلى جانب شديد الأهمية وأعنى به قضية إقرار السلام ليس مع مصر فقط وإنما عملية السلام فى الشرق الأوسط بصفة عامة، فمن المؤكد والواضح أن مبادئ حل الصراع العربى/ الإسرائيلى تمت بلورتها بشكل محدد فى تلك التحركات السياسية التى أعقبت حرب ٦٧ والقرارات الدولية التى تم اتخاذها وكذا المبادرات التى طرحتها بعض القوى الدولية المعنية بحل هذا الصراع.

وحتى أكون منصفاً لابد أن أؤكد أن قرار مصر بتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلى قد تم اتخاذه فى أعقاب حرب ٦٧، ولم يكن قبول مصر للقرارات الدولية لحل هذه الأزمة ومن بينها قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ ثم مبادرة روجرز ١٩٧٠ إلا بمثابة تأكيد حسن النوايا المصرية، بحيث إن لم نستطع استرجاع الأرض بالسلام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، خاصة فى ظل المشروعات الإسرائيلية المتسارعة لتهويد الأرض (مشروع ألون على سبيل المثال)، فلا مجال أمامنا إلا وضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته والتحرك من أجل استرجاع الأرض بالعمل العسكرى وهو ما تحقق من خلال انتصار أكتوبر العظيم.

ويمكن القول إن قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ الصادر بالإجماع فى ٢٢ نوفمبر ١٩٦٧ يعد أول قرار دولى يحدد مبادئ حل الصراع العربى الإسرائيلى بصورة واضحة ومحددة رغم أية تحفظات يمكن طرحها على بعض بنوده, ولعل رفض إسرائيل تنفيذ هذا القرار حتى الآن على باقى الجبهات (الضفة الغربية والجولان السورى) يؤكد أن تنفيذه فى الوقت الراهن يتعارض مع مصالحها ومع مبرراتها وإدعاءاتها الأمنية, كما أن هذا القرار يعد حتى الآن أحد أهم المرجعيات الرئيسية عندما نتحدث عن التسوية السياسية الشاملة للصراع العربى/ الإسرائيلى.

ولعل أهم مبادئ التسوية الواردة فى قرار ٢٤٢ تتمثل فى مبدأين رئيسيين أولهما احترام سيادة وسلامة دول المنطقة والنص على انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها فى الحرب، بغض النظر عن النصوص المختلف عليها هل المقصود الانسحاب من الأراضى كلها أم من أراض فقط, أما المبدأ الثانى فهو إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين، وهى من أعقد المشكلات القائمة حتى الآن, وفى هذا المجال يجب أن أقفز إلى مرحلة بعيدة نسبياً، فقد نجحت مصر فى أن تؤكد عملياً أن مسألة الانسحاب الإسرائيلى المنصوص عليها فى القرار، يقصد بها الانسحاب من كافة الأراضى المحتلة، حيث إننا نجحنا فى النهاية أن ندفع إسرائيل (بالحرب والسلام) إلى الانسحاب من كل سيناء دون التفريط فى شبر واحد منها، وبذلك أكدنا على مبدأ الانسحاب الكامل وتنفيذ إسرائيل له على الجبهة المصرية.

ولاشك أن هناك جوانب تبدو سلبية فى القرار ٢٤٢ من أهمها أن يكون لإسرائيل (وأيضاً دول المنطقة) حدودًا آمنة معترف بها وهو تعبير مطاطى حاول أن يعطى لإسرائيل الحق فى تأمين نفسها من خلال إدخال تعديلات على الحدود خلال أية تسوية محتملة مع الدول العربية, وقد استطاعت مصر فيما بعد نسف هذا المبدأ، حيث انسحبت إسرائيل من سيناء كلها دون إدخال أية تعديلات على الحدود معنا، وانسحبت بالفعل إلى الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب. وفى نفس السياق لم تعد قضية تعديل الحدود قضية شائكة غير قابلة للحل، بل تم التوصل إلى حلول عملية لها من خلال طرح بعض المقترحات مثل إمكانية التوافق على تبادل جزء محدود للغاية من الأراضى بين إسرائيل وفلسطين بنفس النسبة والقيمة, بالإضافة إلى إمكانية إقرار بعض الترتيبات الأمنية المتبادلة بين الدولتين بالتوافق بينهما مثلما حدث فى معاهدة السلام المصرية/ الإسرائيلية، حيث تم النص على تحديد لحجم القوات المصرية فى سيناء فى مقابل تحديد أيضاً لحجم القوات الإسرائيلية داخل الحدود الإسرائيلية نفسها, وهى ترتيبات قابلة للتغيير باتفاق الطرفين.

وفى نفس الإطار يمكن اعتبار مبادرة وزير الخارجية الأمريكى الأسبق ويليام روجرز المطروحة فى يونيه ١٩٧٠ بمثابة أول رؤية أمريكية للحل تطرح خارج سياق القرارات الدولية, وقد طرحت هذه المبادرة خلال حرب الاستنزاف التى أكدت خلالها مصر رفضها استمرار الاحتلال الإسرائيلى وكبدته خسائر فادحة دفعت واشنطن للتدخل بطرح رؤية ترتكز على إقرار هدنة على الجبهة المصرية لمدة ثلاثة أشهر والشروع فى التفاوض حول سبل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢, وقد قبل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر المبادرة ثم توفى فى سبتمبر من نفس العام وأعاد الرئيس الراحل أنور السادات قبول المبادرة فى إطار سياسة مصر بمنح الفرصة للجهود السياسية لإجبار إسرائيل على الانسحاب سلمياً أو اللجوء لخيارات أخرى فى حالة فشل هذه الجهود, وإن كان من المهم أن نذكر هنا أن قبول مصر المبادرة فى حينه استهدف أيضاً محاولة الضغط على الجانب الروسى، حتى يمدنا بالأسلحة اللازمة لمعركة التحرير القادمة عندما نصل إلى طريق مسدود.

وقد انتهجت مصر طوال الفترة التى تلت حرب ٦٧ سياسة ذكية اعتمدت على عدم رفض الحلول السلمية إذا ما حققت الهدف الأهم وهو انسحاب إسرائيل الكامل من سيناء، وفى نفس الوقت الاستعداد لتحريرها بالعمل العسكرى إذا ما فشلت التحركات الدولية السياسية, وقد جاء التوافق الأمريكى الروسى عام ١٩٧٢ على إقرار ما يسمى سياسة التهدئة فى الشرق الأوسط ليدخلنا فيما أطلق عليه سياسة اللاسلم واللاحرب، وهى تعنى بشكل واضح أن المجتمع الدولى لم يعد يعبأ ببذل جهود أكبر لحل هذه الأزمة، مما أكد لمصر أن خيار تحرير سيناء بالعمل العسكرى أصبح هو الخيار الوحيد لديها وهو ما تم تنفيذه بالفعل من خلال الانتصار فى حرب أكتوبر ٧٣ والنتائج التى تلتها والتى أسفرت فى النهاية عن استرجاع كامل سيناء بإرادتى السلام والحرب.

الخلاصة كما أراها أنه لا يقلل أبداً من شأننا ونحن نحتفل بذكرى انتصار العاشر من رمضان أن نستذكر حرب ٦٧؛ أملاً فى أن نستخلص منها الدروس المستفادة, ولا يضير أمة أن تتعرض لكبوة أو أزمة كبيرة، فهذا أمر طبيعى تؤكده تاريخ الأمم العظيمة، ولكن الأمر المهم أن تستفيق من كبوتها وتعيد ترتيب أوراقها وتنهض أقوى aaحضارة بحجم مصر أن تتعامل مع نتائج حرب ٦٧ بكل عزم وتصميم على استرجاع الأرض بكافة الوسائل المتاحة هو الأمر الذى تحقق كاملاً.

وفى النهاية ليس من العدل أن أختم هذا المقال دون أن أستذكر الشهداء الأبطال الذين سقطوا فى معركة تحرير سيناء ابتداء من حرب ٦٧ ومروراً بحرب ٧٣ وحتى الآن, وكيف أيضاً لا أعيد التذكير بإرادة مصر برفض الهزيمة، ليس هذا فقط بل تحقيقها إنجازات مذهلة فى خضم مراحل الألم مثل إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات بعد الحرب بأربعة أشهر فقط, ومعركة رأس العش, وإسقاط الطائرات الإسرائيلية, وبطولات لا حصر لها خلال حرب الاستنزاف, وقدرتنا على ضرب العمق بالعمق, وهى كلها مراحل تاريخية هامة تم تتويجها بانتصار ٧٣ ثم الدخول فى مراحل تفاوضية متعددة وشاقة ومعقدة ومضنية انتهت باسترداد سيناء, وهو ما قد يكون موضوعًا لمقال تفصيلى آخر بمشيئة الله.