السبت 28 سبتمبر 2024

«ناصر» لم يحلف على المصحف والسيف.. ولم ينضم للمحظورة

7-6-2017 | 14:31

حوار: محمود أيوب

 

“الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر لم يكن إخوانياً ولم يحلف على المُصحف والسيف، ولم ينضم لجماعة الإخوان المحظورة”، عبارة أكد عليها الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ، ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية بجامعة عين شمس.. عبارته نفت مزاعم أكد عليها مؤلف مسلسل “الجماعة ٢” السيناريست وحيد حامد بأن عبدالناصر كان إخوانياً.

 

“شقرة” قال في حواره مع “المصور” إن مصادر وحيد حامد بأن عبدالناصر إخواني معظمها من الجماعة أو مُعادية لناصر ولثورة ٢٣ يوليو، مضيفاً: أن “حامد” لديه عدد كبير من الكُتب الإخوانية “أعمته” عن الحقيقة.. وركن إلى روايات سماعية ولم يُقارن الروايات واتخذ خطاً إخوانياً.. وأن اللواء محمد نجيب أكد لي وكذلك قيادات الإخوان صلاح شادى وصالح أبو رقية وعبدالقادر حلمي وعمر التلمسانى أن اقتراب عبدالناصر من الإخوان كان من “تكتيكاته الخادعة”.

“د. جمال شقرة” أكد أيضا أن المخابرات الحربية والبحرية والبوليس السياسي احتاروا فى شأن عبدالناصر، هل هو زغلول عبدالقادر الإخواني أم هو موريس الشيوعي؟!؛ لكن كل الدلائل تُشير إلى أن عبدالناصر اتخذ موقفاً من فكر الإخوان..

وإلى نص الحوار..

حدثنا عن المصادر التى استند عليها وحيد حامد بأن “ناصر” كان إخوانياً فى مسلسل الجماعة؟

مصادره معظمها إخوانية أو معادية لعبدالناصر، أو لثورة ٢٣ يوليو أو لضباط أحرار دخلوا التنظيم مؤخراً، وأنا عندما اشتغلت على هذه الجزئية وبالأخص المصادر، كنت أتاكد من تاريخ انضمام كل شخص فمثلاً عبداللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة الثورة انضم إلى التنظيم فى أي وقت، وبالتالى هو لا يعرف ما دار فى التنظيم قبل انضمامه، فعندما أخذ من عبداللطيف البغدادي أن عبدالناصر إخواني فلابد هنا من وقفة، لأن عبداللطيف البغداي يكره عبدالناصر، فضلاً عن أن عبداللطيف انضم إلى التنظيم مؤخراً تقريباً بعد ١٩٤٥، ومن يعرف عن مجموعة صغيرة كان عبدالناصر تعرف عليهم فى منقباد ١٩٤٥ وكانت معرفته بهم على أرضية الإخوان المسلمين.. وبالتالى كل واحد يعرف وقت حضوره، فترته، وما حدث فى ١٩٤٥ لا يعرف حقيقته سوى مجموعة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، كما أن وحيد حامد اعتمد على عبدالعظيم رمضان وهو عدو لعبدالناصر، واعتمد أيضاً على الدكتور حمادة حسني وهو فى الأصل إخواني، وكذلك حسين حمودة فهو إخواني ١٠٠٪، وأيضاً كمال الدين حسين.

لكن شباب الإخوان كانوا يعرفون أن عبدالناصر كان منهم؟

شباب الإخوان كانوا يعتقدون أن عبدالناصر أخ مبايع على المصحف والسيف، وصلاح شادي وعدد قليل كانوا يعرفون حقيقة عبدالناصر؛ لكنهم أوهموا الشباب بأن عبدالناصر حلف على المصحف والسيف، وعندما قامت الثورة والشباب لم يجدوا عبدالناصر معهم قالوا: “مش هو دا عبدالناصر اللى مبايعنا على المصحف والسيف.. بيضرب فينا ليه وبيسجنا ليه”.. وهذا الحوار دار فى سجن “جناح” ومن يعرف الحقيقة هو صلاح شادي.

وهل صحيح أن وحيد حامد لديه من المراجعة الإخوانية والتى يعتمد عليها بشكل كبير فى مسلسلاته؟

هذا صحيح فـ”وحيد” لديه عدد كبير جداً من الكتب الإخوانية “أعمته” عن الحقيقة، وأنا أتساءل، هل هو باحث؟، بحيث يستطيع أن يأتي بالحقيقة على أسس علمية؟، بالطبع لا، وأؤكد أن هذه القضية عندما نقوم بالبحث عنها نكون أمام تل كبير من الكتب وتلال من الروايات، فلدينا شهادات كثيرة جداً من الإخوان، وللأسف هذه الشهادات تذهب بك إلى سكة أخرى غير الحقيقة.

لكن سامي شرف قال إن جمال عبدالناصر كان يتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين؟

هناك فرق بين الاقتراب والاختراق والرغبة فى معرفة كيف تُفكر الجماعة؟، وماذا ستفعل إذا ما تولت مقاليد الحكم فى البلاد؟، وبين أن أكون عضوا حالفا على مصحف وسيف، صحيح هناك روايات كثيرة للإخوان ولبعض الضباط الأحرار تقول إن عبدالناصر حلف على المصحف والسيف؛ لكن بمقارنتها بروايات أخرى وباستخدام منهج البحث العلمي، نكتشف أنها روايات ضعيفة.

إذن عبدالناصر لم ينتمِ إلى الإخوان أيديولوجياً؟

كل الدلائل تشير إلى أنه اتخذ موقفاً من هذا الفكر، وكل الدلائل تشير إلى أن الطريقين كما قال بالحرف مختلفان تماماً، وأن هذا يتحدث عن دولة الخلافة، وعبدالناصر يتحدث عن الدولة المدنية.. وبالتالى هناك فرق بين طريقة التفكير وهذا نتج عنه صدام بعد ذلك.

ينضم أحد منا إلى الجماعة لهدف مُعين وليس انضماما أيديولوجيا.. ما المشكلة هنا؟

لو حلفت على المصحف والسيف فأنت إذن إخواني، لكن عبدالناصر لم ينضم، وتصورت في بداية الأمر أن عبدالناصر انضم إلى التنظيم، بسبب الكثير من الروايات؛ لكن هو “ابن عفريته”، وكان له واقعة مع “حسن طلعت” رجل البوليس السياسي، فقد أُغمي عليه أثناء ثورة ٢٣ يوليو، وعندما قامت الثورة انعقد مجلس قيادة الثورة، وكان طلعت صاعداً ليبارك فأشاروا إليه بأن عبدالناصر هو قيادة التنظيم فأغمى عليه، لأنه كان يراقبه على أنه “شيوعي”، فقام عبدالناصر وأنهضه من على الأرض، وهذه القصة منشورة فى مذكرات “حسن طلعت.. وروايات الإخوان تريد أن تقول إن تنظيم الضباط الأحرار فى الأساس تنظيم إخواني وهذا خطر فهو يلعب لعبة القط والفار، وسيد قطب لم ينضم إلى الجماعة ولم يكن إخوانياً إلا سنة ١٩٥٣ وعبدالناصر لم يكن إخوانياً وهو ما ذكره سيد قطب بنفسه فى كتاب “لماذا أعدموني؟”.

وماذا عن تقرير الأجهزة السيادية فى ذلك الوقت من تصنيف عبدالناصر؟

احتارت المخابرات الحربية والبحرية وكذلك احتار البوليس السياسي فى شأن عبدالناصر هل هو “زغلول عبد القادر” الإخواني أم هو “موريس” الشيوعي؟، وهذا من تقارير المخابرات الحربية والتى كانت تتابع الضباط، فكانت تكتب فى الخانة فلان شيوعي فلان إخواني، ووصلوا إلى عبدالناصر فتعجبوا هل هو شيوعي أم إخواني؟، وهذا شىء مهم ودليل على أن عبدالناصر كان “يخبر” كل القوي السياسية التي كانت موجودة فى ذلك الوقت، ويتعرف عليها.

عبدالناصر تعرض لعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين لكن ذلك سنة ١٩٦٥، ويقول: “قبل الثورة كُنت على صلة بكل الحركات السياسية الموجودة فى البلد مثلاً كنت أعرف الشيخ البنا، لكن “ماكنتش” عضو فى جماعة الإخوان، “إبتدينا نتصل” في الجيش بكل الحركات السياسية، لكن ماكنتش أبدا فى يوم من الأيام عضوا فى الإخوان المسلمين، لكن الإخوان المسلمين حاولوا يستغلونا، فكانت اللجنة التأسيسية للضباط موجودة فى ذلك الوقت، وكان معانا عبدالمنعم عبدالرءوف، وجه وضع اقتراحا قال إننا يجب أن نضم حركة الضباط الأحرار إلى الإخوان المسلمين.. ولما سألته عن السبب قال “دي حركة قوية، إذا اتقبض على حد منا تستطيع هذه الحركة أن تصرف على أولاده وتؤمن مستقبله، وحدث اختلاف كبير، صمم عبدالمنعم عبدالرءوف على ضم الضباط الأحرار إلى الإخوان وإحنا كُلنا رافضين”.. وهذه من خطب جمال عبدالناصر وتصريحاته فى ١٧ فى فبراير ١٩٦٥، كما ذكر حسن الباقوري فى مذكراته «ثائر تحت العمامة» فى مجلة آخر ساعة” أن وجود عبدالناصر لم يكن واضحاً داخل الإخوان.

هل كان جمال عبدالناصر مرؤوساً لمحمود لبيب داخل إحدى الخلايا الإخوانية والتى ضمت عدداً كبيراً من الضباط الأحرار؟ أم أنه نجح فى اختراق جماعة الإخوان عن طريق “لبيب” وعبدالرحمن السندي، مستغلا ثقة “لبيب” الزائدة فيه؟

فى الحقيقة لا يملك سوى جمال عبدالناصر ومحمود لبيب وعبدالمنعم عبدالرءوف الإجابة على هذا السؤال، ولقد رأينا كيف أنكر جمال عبدالناصر وجود مثل هذه العلاقة، رغم أنه اعترف بلقاء محمود لبيب فى صيف ١٩٤٤، أما محمود لبيب فقد رحل وحمل معه سر هذه العلاقة لكنه ترك بعضاً من أسرارها لخليفته فى قسم الوحدات صلاح شادي.

وقبل لقائي بصلاح شادي كنت قد اقتنعت بإجابة تقريبية لهذا السؤال، ولقد اعتمدت فى تصوير هذه الجزئية على روايات الضباط الأحرار أنفسهم، وملخص هذه الصورة، أن الإخوان الذين حاولوا منذ أواخر الثلاثينيات ونجحوا فى اختراق الجيش المصري وتسييس عدد من ضباطه، جندوا عبدالمنعم عبدالرءوف الذي أصبح بمثابة الرجل الإخواني الثاني بعد محمود لبيب داخل الجيش، وأصبح على عبدالمنعم عبدالرءوف أن يقدم لرئيسه، الضباط المتدينين الوطنيين، ولما كان من الثابت أن عبدالمنعم عبدالرءوف قد عاد بعد مغامرته المشهورة إلى نفس الكتيبة التى كان يعمل بها جمال عبدالناصر، ولما كان جمال عبدالناصر قد اعترف فى خطبه أنه فى هذه الفترة كان لا يزال يتحسس طريقه، فإن هذه المقدمات تدفعنا إلى القول بأن هذا الضابط الطيار المغامر الذى تتلمذ على يد الفريق عزيز المصري قد دفع جمال عبدالناصر إلى الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين.

لقد بدأ تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين مرحلته الحاسمة.. حيث تميز نشاطه فى الفترة الواقعة بين ١٩٤٩ إلى ١٩٥٢ بالنضج والتخطيط والسعي المنظم لمواجهة نظام الحكم، وقبل أن نلمس أوجه نشاط الضباط الأحرار فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر، وكيف تطور تفكيرهم واهتدى إلى حتمية الانقلاب؟، نود أن نشير ولو بإيجاز إلى علاقة التنظيم بالقوى السياسية الديناميكية داخلياً وخارجياً لما لهذه العلاقات المبكرة من تأثير مباشر على الحركة السياسية بعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢.

يذكر أحد الضباط الأحرار: “أنهم لم يكفوا لحظة واحدة عن الاتصال بكل القوي الشعبية والثورية سرية كانت أو علنية”؛ لكن جمال عبدالناصر أصدر توجيهاته فى أواخر عام ١٩٤٦ وجاء ضمن هذه التعليمات العمل على أن يحتفظ ضباط الجيش باستقلال تفكيرهم، فلا يرتبطون كأفراد أو جماعات بأي هيئة أو جماعة خارج نطاق الجيش.

والحقيقة أنه لم يكن فى مقدور تنظيم الضباط الأحرار كتنظيم سري، أن يتجاهل القوى التى تعمل فوق الأرض أو حتى تلك التي تعمل فى الخفاء مثله، وكان عليه أن يتحسس ويستكشف إمكانية التعاون وحجمه فى تحقيق الهدف.. والثابت كما رأينا أن جماعة الإخوان نجحت فى اختراق الجيش المصري منذ أواخر الثلاثينيات وطوال النصف الأول من الأربعينيات، وأنها نجحت فى تكوين خلايا إخوانية بين ضباط الجيش، وبرزت بالفعل أسماء مرتبطة بحسن البنا داخل الجيش، وأصبح محمود لبيب من أهم محاور النشاط الوطني للضباط داخل الجيش فى هذه الفترة.

أخيراً.. وحيد حامد يصر على أن عبدالناصر كان عضواً فى جماعة الإخوان؟

الكتابة فى هذا الموضوع تلزم الرجوع إلى كل من كتب شهادته عبر هذه الفترة من إخوان مسلمين وشيوعيين وضباط أحرار أو غيرهم وبمنهج البحث العلمي تتم المقارنة والتحليل لهذه الروايات، ولا يجب الركون إلى رواية بعينها؛ إلا بعد الاطمئنان من صحة هذه الرواية.. لذلك إذا ما أخذنا على سبيل المثال رواية تتحدث عن من انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار عام ٤٨ فلا يجب أن نقبل شهادتها لأنها لا تعرف ما هو قبل ٤٨، ولو أن هناك من انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار عام ١٩٥١ لا نستطيع أن نأخذ شهادته، لأنه فى هذه الحالة هتكون شهادته سماعية.

وهل فعل وحيد حامد هذا؟

لا.. لكن ركن إلى روايات سماعية ولم يقارن الروايات واتخذ خطا إخوانيا، كما أنه لم يتطلع إلى مصدر مهم وهو تقرير المخابرات الحربية والبحرية وتقرير البوليس السياسي، ولو أنه اطلع على هذه التقارير لكان احتار كما احتار كتاب التقرير أنفسهم فى تصنيف عبدالناصر موريس الشيوعي أو زغلول الإخواني، وعلى ما يبدو أن هذه التقارير وصلت فى النهاية أن جمال عبدالناصر يلعب على كل الأطراف ويحاول معرفة كيف تفكر هذه القوى السياسية، لكن روايات الإخوان كانت تُبالغ وتحاول أن تُعطي صفة إخوانية لثورة ٢٣ يوليو، وهذا ما استشعره جمال عبدالناصر مبكراً، وهذا ما دفعه إلى أن يطلب من الصحفيين على وجه الخصوص إبراهيم طلعت وعلى أمين ومصطفى أمين ومحمد حسنين هيكل أن يكتبوا أن الحركة ليست حركة إخوانية ولا تنتمي إلى أية قوة سياسية، وإنما هى حركة وطنية قام بها ضباط وطنيون، ربما اللقطة التى أوردها وحيد حامد فى المسلسل هى لقطة سليمة ومهمة جداً؛ ولكنه لم يشر إلى تاريخها وهذه اللقطة تاريخها عام ١٩٥١ عندما اجتمعت داخل الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار لجنة القيادة والتى أصبحت بعد ذلك لجنة قيادة الثورة، وفى هذا الاجتماع أشار عبدالناصر - وهذا دليل على أنه ليس إخوانياً، أن هذا التنظيم تنظيم وطني ليس له علاقة بأي قوى سياسية مدنية، وأنه يعلم أن من بين رفاقه فى التنظيم ضباطا إخوانا، وطلب منهم أن يتخلوا عن انتماءاتهم، ومن لم يتخل عن انتمائه يخرج من التنظيم ولن يُضار.. الكل وافقه على أن يتخلى عن انتمائه سواء كان شيوعيا أو إخوانيا ماعدا عبدالمنعم عبدالرءوف.. فوحيد حامد أتى بهذه اللقطة واضحة؛ لكن السؤال لماذا لم يسأل أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة جمال عبدالناصر عام ١٩٥١ عن انتمائه هو؟، ولماذا لم يطلب منه أن يتخلى هو الآخر عن انتمائه؟، لأنهم كانوا يعرفون أن عبدالناصر وطني وليس منفصلاً عن القوي السياسية المدنية.. فعبدالناصر حاول أن “يُخبر” الوفد والجماعة والشيوعيين، ووصل فى النهاية إلى أن التنظيم لابد أن يكون تنظيما وطنيا خالصا لا ينتمي إلى أي قوى.