السبت 4 مايو 2024

التحريم الفقهى بدافع الخوف فى مواجهة التطور العصرى

مقالات12-11-2021 | 12:55

فى حوار لطيف مع بعض مشايخى وأساتذتى بجامعة الأزهر حول قضية من القضايا المستجدة، والتى يكثر حولها الجدل الفقهى، ذكرت لهما ما توصلت إليه يقيناً شرعاً وعلماً بناء على تطبيق مقاصد الإسلام وليس على التطبيق الحرفى للنص.

وبعد مناقشة هادئة مع فضيلته وتبيين وجه المصالح والمفاسد فى المسألة، نظر إلىّ شذراً  وقال: ولكننى أخاف التفريط فى دين الله شيئاً فشيئاً، أنا مقتنع بما توصلت إليه لكن من الضرورى الأخذ بالأحوط حتى لا يتم التفريط .

قلت له: أنا أعلم تخوفاتك يا مولانا؟ وأعلم أن الخوف هو دافعك فى النقاش الحاد وهذا خطر عظيم.

أتعرف وجه الخطر؟

وجه الخطر هنا تجاهل روح الإسلام وتجاهل مسايرة العصر حتى  يزحف علينا عصر جديد وقد جمدنا العلم والتطور فى حياتنا بدافع هذا الخوف الذى لا وجود لسببه إلا فى قلبك؟

ثم نُرغم إرغاماً على تقبل هذا العصر الجديد ونحن مهزومون لأننا لم نشارك فيه بحجة التحريم والخوف على الدين.

أما تعلم يا مولانا أنه بسبب تخوفات مثل تخوفاتك تم تعطيل تعليم البنات ثمانمائة عام فى تاريخنا معتمدين على فتوى باطلة وشائعة علمية تحرم تعليم البنات حتى لا يفسدن؟!

أما تعلم أن معظم الآلات التى اخترعها الغرب فى الخمسمائة عام الماضية حرّمها الفقهاء تخوفاً على الإسلام، ثم أُجبروا على التراجع  لزحف عصر العلم عليهم، وما كان منهم سوى تعطيل قوى وجهود العلماء فى بلادهم.

أما تعلم يا مولانا أن نابليون بونابرت عندما جاءنا بجيوشه ومدافعه ومطبعته وحضارته كنا متأخرين حضارياً عنه بمائتي عام، وخرج علماء الدين فى مصر والشام يحرضون الناس على مواجهة الغزو بالدعاء والسيوف والبخور وقراءة البخارى بنية صرف العدو! وكانت الهزيمه.. لأنهم وقتها لم يحققوا سنة الله فى القوة، ولم يعيشوا زمنهم، فانتصر أصحاب القوة وفق سنة الله الإلهية.

أما تعلم يا مولانا  أنه عندما اخترعت الكاميرا ذهب  الكثير من الفقهاء  إلى تحريمها وتحريم الصور مؤولين النصوص!.. ثم تراجعوا  بدعوى الضرورة ثم تراجعوا بدعوى المصلحة وفرضية الواقع الحضارى، ومن كان يحرم فى السابق بات من نجوم التلفزيون فى الوعظ!

 

وما أشبه اليوم بالبارحة، فقد كتبت مقالاً مؤخراً عن الحلال والحرام فى الخنزير، وذهبت فيه إلى "جواز الاستفادة من الخنزير طبيًا بإنتاج الأنسولين، وخيوط الجروح والعمليات والأنسجة المستخدمة فى دعامات القلب، والاستعانة بكليته لإحياء إنسان مريض بفشل كلوى ويحتاج إلى كلية، مع حرمة أكل لحمه كما نص القرآن الكريم".

فقامت الدنيا ولم تقعد، بداية من بعض علماء الفقه فى جامعة الأزهر الذى قال: لا يجوز التطبب من الخنزير؟ وانتهاءً بحملات التحريض على السوشيال ميديا ضدى والتى وصلت إلى اتهامى بالالحاد!

ومع يقينى استخدام البعض وهم الدفاع عن الإسلام والشريعة ليجهض مشروع التجديد الحق الذى أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويغازل السوقة والدهماء وخاصة من أتباع  تيار الجماعات الدينية المحتقنة بسبب لفظ المجتمع لتلك الجماعات من الواقع السياسى والاجتماعى، إلا أنه يجب خوض معركة التجديد إلى النهاية مهما كان الثمن، إنقاذاً للإسلام من عفونة بعض عقول أتباعه وإنقاذاً للأمة كلها حتى لا تعيش فى عصر متأخر عن عصر بقية البشر.

 

إن تجديد الفقه الاسلامي حتى يعود شريعة سمحة ميسرة قابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر أمرٌ واجبٌ وضروري، أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدو له، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"، رواه أبوالنضر الطوسي عن مالك.

وقوله أيضاً: "يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد للأمة أمر دينها"، رواه أبوداود بسند صحيح .

 

وتجديد الفقه يعني تنقيته من كل الشوائب التي حطت عليه بفعل أهل التقليد والجمود، الذين هم من أسباب ضعف الفقه الإسلامي بل وضعف أمة الإسلام منذ القرن الرابع الهجري وحتى الآن.

 

والتجديد يكون بفتح باب الاجتهاد خاصة فيما لا نص فيه، وذكر الإمام النووي -رحمه الله- أنه منذ القرن الرابع الهجري وحتى الآن لم يوجد مجتهد مطلق -والمجتهد المطلق هو القادر على أخذ الأحكام من أدلتها الشرعية، الكتاب والسنة والاجماع والقياس والاستدلال.

وكان هناك أهل الاجتهاد المقيد -وهم مجتهدو المذهب الذين لهم القدرة علي استنباط المسائل من الأدلة بقواعد مذهب إمامهم- وكان من بين هؤلاء المازني وابن العربي وابن رشد.

 

ثم تحول الحال إلى مجتهدي الفتوى -أصحاب الترجيح في الأقوال، لا يستنبطون حكماً من مسألة وحسبهم نقل ما استنبطه المتقدمون- كابن شاس وابن الحاجب في القرن الثامن الهجري.

ولم يبق فى عصرنا الحاضر سوى أهل التقليد المحض الذين جعلوا نصوص المذهب مقام نصوص الشرع الحنيف، فهم نقّالون وفقط، وهذا هو حال الفقه من القرن الثامن الهجري إلى الآن.

وبالتالي وضع هؤلاء على  أحكام الإسلام قيوداً فوق قيود، وآصاراً فوق آصار، وأسلاكاً  شائكة، حتى يظن الناس أن الفقه هو حكرٌ على علماء معممين، وليس القصد منه العمل بأوامر الله ونواهيه وتسهيله لكل الناس! لقول النبي صلي الله عليه وسلم "سددوا وقاربوا"، رواه أحمد.

 

 إن ما كتبه الفقهاء وتابعوهم إلى اليوم ليس معصوماً من الزلل أو الخطأ، إنما المعصوم فقط هو الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وما دون ذلك يمكن قبوله أو رده.

ولابد أن يعرف كل من يقف حجر عثرة أمام العلم مستدلاً بآراء فقهية مؤولة، أن خوفه ليس فى محله، وأن التجديد جزء من الحفاظ على المحجة البيضاء التى تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا أقترح الآتي:

 

جمع كل ما كُتب في الفقه الإسلامي من القرن الثاني الميلادي وحتي الآن، ثم كتابة خطة عمل وآليات منضبطة لتنقية الفقه وتجديده وحذف كل ما يضر ولا ينفع أو ما وضع لعصور سابقة، وبحث كل مسائل المستجدات والقضايا المعاصرة.

وتقوم هذه الآليات المنضبطة للتجديد وتنقية هذه الكتب على أساس ما ذهبت إليه مدرسة الرأى.. فكان أهل الرأي يقولون إن أحكام  الشرع معقولة المعني، ومشتملة على مصالح راجعة إلى الأمة، وإن العقل يمكن أن يدركها ويدرك حسنها وقبح ضدها.

هذا الفريق من العلماء يبحث عن العلل والمقاصد في الأحكام ويجعل الحكم دائراً معها وجوداً وعدماً، كما تتضمن هذه الآليات الأخذ بحقائق العلم فى حسم المختلف فيه من المسائل الفقهية الفرعية، والاستناد إلى حقائق العلم أثبت وأأمن من الاستناد إلى آراء الفقهاء القدامى، وخاصة أن الفتاوى الفقهية القديمة لها حدود فى الزمان والمكان والواقع، فإذا تغير الزمان أو المكان أو الواقع تغيرت الفتوى.

كما تتضمن تلك الآليات ما يُسمى فى العلم "العلوم المستقبلية" والتنبؤ بالواقع المستقبلى القريب أو البعيد، وكيف ستتغير حياة الإنسان فى كل جوانب الحياة وكيفية الربط بين الشرع الحنيف وهذا الواقع المتغير بمرونة الفقه الإسلامى.

 

وبعد تنقية كل التراث الإسلامي الفقهي، سيكون أساساً لمناهج طلبة العلم في الكليات الشرعية والباحثين في الفقه الإسلامي، وبذلك نقطع الطريق أمام الإرهاب ووعاظه الذين لا يزالون  يبثون سمومهم في عقول طلبة العلم حتى اليوم.

كما يمكن تنقيح وتنقية كل العلوم الشرعية بهذا المنهج، كعلم الحديث وعلم التفسير وغيرهما،

لقد بات مصير الأمة الإسلامية والدين الإسلامي الوسطي الحنيف في يد علماء هذا الجيل.. إما التجديد وإما التبديد!..

وبات الوجوب حتمياً  على الأثرياء أن يمولوا هذا  المشروع فهل من مجيب؟

والله المستعان

Dr.Randa
Dr.Radwa