أصبح من المعتاد أن نطالع يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعى أدق تفاصيل الحياة الخاصة لرواد هذه الوسائل لا سيّما المشاهير منهم، فصار الخلاف الأُسرى الذى قد يحدث فى أى بيت من توتر بين الزوجين أو بين أحد الآباء وأبنائه عرضة للنشر على صفحات أحدهم بشكل فج، ليجعل الآلاف من أولئك المتابعين يطلعون على كل ما يحدث داخل تلك البيوت وكأنهم جزء لا يتجزأ من الحدث، ومن ثم تتلقف وسائل الإعلام هذه المنشورات وتقوم بصناعة الأخبار الساخنة التى تحتوى على الكثير من التوابل المعتبرة التى تعجب المتابعين فيكملوا ما فاتهم من أحداث داخل البيوت المغلقة ويطلّعوا على كل التفاصيل الخفية.
فهذا كان يدعو المولى عز وجل أن يجمعه بخطيبته عن طريق "غسالة" الملابس التى لابد أن توضع بها ملابسهما فى "نفس الدور"، ثم يعودان بعد عدة أشهر وينشران أخبارًا عن خلافٍ عابر أدّى إلى غضب الزوجة ثم عودتهما بعد ساعات، فيتحول الموضوع إلى مانشيت ويصبح حديث الساعة فى الكثير من وسائل الإعلام.
ماذا تبقى من تلك الحياة الخاصة كى يعرفها الناس إذن؟
وأحدهم يناصب ابنته العداء على صفحات التواصل الاجتماعى والثانية ترد، والآخر يشى بأسرار بيت ابنه فى أحد الحوارات التى تنتشر على الصفحات والمواقع، وذلك طلّق زوجته دون علمها وتوقف عن دفع فاتورة التليفون!
وغير ذلك من الكثير من الأحداث والأسرار التى لا يجب أن تخرج من أبواب البيوت التى سترها الله، إلّا أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعى المَرَضي، وسوء استخدامها أدى إلى الاستهانة بالقيم الأسرية وبمعنى "العيب" الذى تناوله الكاتب الكبير يوسف إدريس فى إحدى روايته التى حملت نفس الاسم "العيب" منذ نصف قرن من الزمن
وإذا كان هذا سلوك بعض المشاهير، فهو ليس ببعيد عن سلوك العامة، فيتخذ الكثيرون من رواد هذه الوسائل التى كان الهدف من إطلاقها (التواصل الاجتماعي) منابر للتلاسن والعداء لمن يختلفون معهم عن طريق السب المباشر أحيانًا أو غير المباشر أحيانًا أخرى باستخدام أساليب التورية والتلميح.
كما يفتتن البعض الآخر بنشر كل يقوم به من أنشطة يومية خاصة أو عادية على صفحاتهم، فهذا يطلب من أصدقائه الدعاء له للتخلص من الصداع والآخر يعرض لهم فنجان القهوة التى يحتسيها، أما تلك فتتحدث عن فصلها من العمل، والاخرى تعرض مأدبة طعام أعدتها لأسرتها، وهؤلاء يعرضون أمورًا غاية فى الخصوصية والغرابة على الجميع دون خجل كحفلات التورتة الشهيرة!
لقد صار الأمر مَرَضيّا حقًا، ما يوجب تدخل علماء الطب النفسى وعلماء الاجتماع لدراسة هذه الظاهرة ووضع سبل الحل، كما أن على أولئك الذين أطلقوا تلك الوسائل إلى الفضاء الإلكترونى أن يقوموا بوضع مواثيق شرف للنشر وأن يعملوا على تعديل السلوكيات المعيبة قبل أن يتجهوا إلى إطلاق وسائل جديدة لتعظيم حجم الأعمال والمكاسب.
فبقدر ما كان لهذه الوسائل الكثير من المنافع، إلا أن تَدَنِّى سلوك بعض مستخدميها لا يزال يمثل خطرًا داهمًا على القيم المجتمعية والسلام النفسى والأسري، مما ينبئ بضرورة التفكير فى إقرار مادة تعليمية على تلاميذ المدارس توضح لهم كيفية التعامل الأخلاقى الصحيح والآمن مع هذا الواقع الجديد ومع تلك الوسائل، مما قد يساعد على تخريج أجيال تحسن استخدام التكنولوجيا الحديثة لصالح المجتمع والإنسانية.