الثلاثاء 23 ابريل 2024

من غير كوشة؟

مقالات17-11-2021 | 12:03

كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة مساء، وهو الموعد المحدد والمفضل لأغلب الأفراح الآن بأن تبدأ مبكرًا.

حمدت الله على هذا التقليد والموضة الجديدة والحميدة للغاية، بعد أن كانت الأفراح سابقًا تبدأ فى التاسعة والعاشرة وأحيانا قبيل منتصف الليل بقليل!
 …

 كان الجميع متأنقًا للغاية ما بين بدل رسمية للرجال وملابس سهرة للسيدات، وفاصل يتم فيه خلع الجينز والكوتشى؟ فى  لحظات، ونسعد فيها  بالعودة إلى أصول التأنق الكلاسيكى ومحبة الجمال والزينة للجميع 

 ……. 

 كان ذلك ثانى فرح أحضره بعد انقطاع سنوات وبعد التطعيم ضد الوباء. وتخفف  الحضور من ارتداء  الماسكات وعدنا نتبادل العناق والقبلات رجالا ونساء، لحظات ودخل العريس منفردا! على أصوات وبزفة مشجعى الملاعب؟ بينما دخلت عروسه منفردة أيضا من المنصة الرئيسية واختفت الزفة الجماعية لهما فى الممشى بين صفوف المدعويين، وما هى إلا لحظات قليلة وبدأ العروسان فى الرقص فورا، وتبعهما فريقان من الوصيفات المتألقات بصحبة شباب أكثر تأنقا.
……
 فى هذا الوقت كنا نصفق وتتمايل معهما ونتبادل القفشات مع الشباب الذين رعايناه صغيرا. ونجرى بهم بين المدارس ومن الملعب هذا إلى الملعب ذاك فى ملحمة بطولية من الأهل والحرص على ممارسة أبنائهم الرياضة وهى فى مصر لا تقل جهدا ومالا، مثل الحرص على تلقى الدروس الخصوصية؟
….  
تأملت المكان الأنيق حيث الورود تعم المكان. بحثت عن الكوشة فى الفرحين فلم أجدها وانتظرت ربما تهبط الكوشة من مكان ما فى حركة إبداعية غرائبية أو مفاجأة للحضور كما يعتاد التفنن العرسان  فى هذه الأيام.
 …. 

لكن وأبدا لم يحدث ذلك والفرح بدون كوشة، فأين اختفت الكوشة؟، وهى التى كانت تراث ثابت فى الأفراح حتى مع التطور بها من كرسيين منفصلين، وبينهما عازل ومنضدة صغيرة إلى كنبة شيك يلتصق بها العروسين رأيتها أكثر حميمية.  
…….

الآن العروسان وأصدقائهما والأهل والأحباب والجيران فى حالة غناء دائم ورقص من أول دقيقة عند الدخول إلى مكان الفرح، أين ذهبت الكوشة وما يستتبعها من طقوس؟، وأين ومتى سيستريح العروسان قليلا ؟، وكيف نصل إليهما خارج حلبة الرقص، خاصة أن جيلى من الأمهات تريدين الكعب العالى لزوم الوجاهة والسهرة والتأنق.  
….. 
 بينما الشباب والعروس  نفسها استبدلت الحذاء الفخم  لزوم التصوير فقط لاغير، بحذاء آخر رياضى ومنذ أول دقيقة؟، بل أصبحت هذه الجزئية أساسية فى جهاز العروسة الآن أى الحذاء الكوتشى، بل أصبح يتفنن فى أناقته مصمموا الأزياء العالمية حتى يخرج بديعا وجديدا مع الفستان الأبيض.  

…..  
همست لأم العريس ثم كررت السؤال لمن حولى فى المرتين أين الكوشة؟، وكيف وأين سنلتقط معهما الصور التذكارية؟، وكيف يمكن أن يحصل العروسان على استراحة محارب رقص!. 
…..
ضحكت أم العريس، وقالت لى الكوشة أصبحت مكملات عرس غير مرغوب بها ؟!، وأضافت والأهم أنها تكلفة مادية إضافية لخدمة لا تستخدم ولا مكان لها الآن، تذكرت أن الكوشة أيامى كانت مجانية فى حجز المكان وليست خدمة بمقابل مادى.
……

تأملت الكلمات فشدتني التغيرات وسألت ابنى الأكبر باعتباره يحضر أفراح أقرانه كثيرا، فقال لى (الكوشة) أصبحت موضة قديمة واختفت من أعوام قليلة، لأنها مقابل تكلفة لا يستفاد بها إلا دقائق فى الفرح، فالعروسان والمعازيم فى حالة رقص دائم وأضاف عقبال النيش؟؟ 
…..

هتفت تقصد أن الكوشة انقرضت مع الكعب العالى ومستلزمات حلبة الرقص، فالأصل فى الأفراح الآن الحركة الدائمة، ومنذ الدقيقة الأولى والموسيقى صاخبة جدا ولكنها راقصة؟ 
. … 
لأنها مجرد موسيقى صاخبة تساعد على الحركة والتنطيط، وبما أن العروسين لا يتركان حلبة الرقص فما هى لزوم الكوشة أوالكعب العالى وتأبيدة جلسة الكوشة والسلام من أطراف اليد، خوفا على ثبات المكياج وثقل الفستان كما كانت تظهر فى الأفلام والمسلسلات، ليس هذا فقط  بل اكتشفت أن الفقرة الرئيسية الآن أصبحت وجود الطبلة والطبال، وأنها أصبحت مهنة مطلوبة للغاية وبالحجز المسبق مع فقرة الثوابت وهى مهنة (الدى جى )، وبدلا من المغنى والراقصة وارتفاع أسعارهم المبالغ به؟.
…..
يعنى شىء لزوم شىء وبما أن الفرح الآن عملى جدا وكل تفصيلة صغيرة وشىء بمقابل مادى يعنى القاعة شىء والكوشة شىء آخر والورد شىء ثالث وهكذا، فأصبح الفرح حالة من الرقص المستمر للجميع، ولذلك حديثا ففقرة  الطبلة وأصبحت مرغوبة وهى الأساس بجانب الكثير من الأغانى، وليس بها أى كلمات ذات معنى إلا موسيقى مفرحة راقصة حتى لو كانت الكلمات مثل هات الولاعة وفين المعلقة، كأننا فى مسمط أغانى لا ينتبه له أحد أو يعيره اهتمام!
.. ……
وأخيرا تمكنت من أن أدخل حلبة الرقص واقتنص حركتين راقصتين مع العريس والعروسة وفيديو قصير مع الأم، وسط نخبة شبابية تخفف الغالبية منهن من الحجاب الأسود، وأن نسبة الحجاب بين الشابات تقل بل وتكاد تختفى فى الطبقة المتوسطة، وأن الكوشة وكآبة الجلوس عليها والخلق تتفرج وتمص شفايفها على طريقة ملك الحمل، أصبحت دقة قديمة.
ولكن وسط الرقص الصاخب المستمر فى المقابل تم الحرص فى الاحتفاظ فقط بمراسم الأغانى الرومانسية القديمة، خاصة الأجنبية منها، وعادت تحتل الصدارة فى مزاج وقبول الأجيال الجديدة من الطبقة المتوسطة والمرتفعة للرومانسية والكلمات الجميلة، بل شجعها ووجدها الأهل والأمهات وبعض الآباء فرصة ثمينة لمشاعر حب اختفت ويلتقطن أنفاسهم قليلا فى لحظات رومانسية غابت عنهم فى مشوار التربية والجرى واللهاث فعادوا يعانقون بعضهم البعض للحظات مسروقة من أعمارهم  ومن الحياة فى خلطة شبابية جديدة بين الصخب والرومانسية.

وهكذا يتقلص الوباء والعزلة وملابس المنزل وتعود الأفراح بختم الحضور حضوريًا وخوفًا من أن تتحول المناسبات إلى أون لاين مستقبلا وبالكاميرا الـ 3D والميتا فرس.
……

ولكن قبل أن أغادر تأكدت أننى سأتناول العشاء، وحمدت الله  كثيرا أن طقس البوفيه مازال موجودًا نستمتع به، وعقبال عندكم جميعا.

Dr.Randa
Dr.Radwa