السبت 1 فبراير 2025

مقالات

فعامله الشارع بنقيض قصده

  • 17-11-2021 | 13:53
طباعة

المقصود بالشارع هنا هو (الله الحكيم) الذي شَرَع الشرعَ لعباده، أما فحوى هذه العبارة فنقول بأن لدى الفقه الإسلامي قاعدة شهيرة مفادها المعاملة بنقيض المقصود، كما لو استعجل أحد الورثة إرثه فقتل مورثه فتجد الشرع يعاقبه بحرمانه من الإرث الذي استعجله قبل أوانه، وهنا يقول الفقهاء (فعامله الشارع بنقيض قصده)، ومن أمثلتها أيضا توريث المطلقة ثلاثا إن طلقها زوجها في مرض موته فرارا من توريثها، فيورثها الشرع ويعامل الزوج بنقيض قصده.
  
أقول ذلك بخصوص الفتنة التي أثيرت من خلال فيديو هذا القميء الحقير الذي تعرض للإساءة في حق الجناب النبوي، وهو فيديو قديم، كونه أعيد إثارته في هذه الأيام فإنه لا يخفى على أقل الناس فطنة إلا أن وراء نشره نية خبيثة تريد إشعال فتنة بتهييج المسلمين على الأقباط بإثارة ما لا طاقة لمسلم ولو كان عاصيا أو فاسقا أن يتحمله لكونه يخص أعظم شخصية عرفتها دنيا الناس قديمها وحديثها، المعظمة في القرآن من لدن الرحمن، والمشهود لها من كل بني الإنسان.

فطالما أن الغرض الوحيد الذي لا يبين على السطح سواه والذي يبدو كالشمس في ربع السماء هو إشعال الفتنة الطائفية فهنا وجب على كل مسلم عاقل أن يلقي على هذه نار تلك الفتنة ماء هذه القاعدة الراشدة ويعامل هذا العمل الملعون الخبيث بنقيض قصده ويمررها بردا وسلاما، خاصة وأن أخواتنا الأقباط الطيبين ساءهم بحق الأمر مثلما ساء المسلمين تماما بتمام.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنه لا يستقيم بمسلم محب لرسوله و لدينه أن يكون ألعوبة في يد مثيري الفتن ويكون أداة لنشر ما يسيء لدينه ويكون بوقًا مجانيًا من أبواق أهل الفتنة وينشر تلك المقاطع ولو بأن يعقب عليها برد أو شتم أو أن يعكر صفو من يقرأ صفحته بالإشارة إليها، فهذه الفتنة أولى بنا وأدها، وتجاهل أمثالها كلما أثيرت كي نوصل لمثيرها رسالة مفادها (ألعب غيرها يا شاطر) فمقصودك مردود عليك وغرضك الأسود لن تناله وعاملناك بنقيض قصدك فلم نستفز ولم نتحامق ولم نقع في هذا الفخ، ولكن ردك أيها المسلم المحب لدينه العاقل الراشد على صفحات تواصلك الاجتماعي أن تكتفي بنشر شمائل نبيك وما كان من كريم أخلاقه وعبارات الثناء والصلوات عليه دون التفات لكلام سفلة الحمقى ولا ترديده ولا الإشارة إليه أو التعقيب عليه وكأنه لم يكن ولم يثر، فهؤلاء سفاسف وتوافه مجسده ووراءهم نية سوء فالأجدر بنا ألا نمكنهم (بنا) من الوصول إليها، والأحرى بنا التيقظ، ووأد هذه الفتنة في مهدها فهذا الزمان بما فيه من أحداث يحتاج لحكمة تغاير ما كان عليه أسلوب المواجهات فيما قبل، حكمة تجعلك تتعامل مع أحداث اليوم الأول تعاملك في اليوم المائة، حكمة تجتمع مع البصيرة النافذة فيقدرا العواقب ويختارا أخف الضررين وأفضل النهايات والحلول.

وأعلم أن هدف أعداء الدين والوطن هو هدم البلاد ووقف انطلاق تقدمها وقد اتخذوا معاول هدم حديثة بإثارة الشعوب بعد أن كانت فيما سبق تتمثل في الحروب واختراق الجيوش لكنهم وجدوها باهظة التكلفة، أما الآن ففيديو حقير يثيره مجهول حقير ويقدمه شخص حقير كاف لتخريب بلاد وتعكير وتكدير شعوب، بأرخص الأثمان ويفرق أهلها فريقين يتقاتلان، وصاحبك يتفرج علينا ويسخر بنا من على أريكته وتتعالى ضحكاته فرحا بابتلاعنا الطعم وسريان سمه في الجسد  لنهديه ما أراد وفوق ما أراد (والله من ورائهم محيط).
 بقيت كلمة أخيرة.. هذه الفتنة إما أن يكون مثيرها من بقايا تلك الجماعة المحظورة نكاية فيمن أنقذنا منهم، وعندئذ فإن هذا يعني مروقهم من الدين بالكلية إذ قدموا أهدافهم الخبيثة الدنيوية المحضة على حفظ حمى الممدوح الأعظم مما لا يبقى لهم أي حظ من دينه، وإما من جهات خارجية اغتاظها هذا النماء وهذا البناء الذي تشاهده مصر، وكيف أن هذا البلد المنهك قام وانتفض والتقط أنفاسه لتكون  مصر الرائدة (أم الدنيا وقد الدنيا) كما وعد رئيسنا ووفى، فحينئذ وجب على كل وطني غيور ألا يسمح بهدم هذا البناء وإلا كنا كيهود بني النضير يخربون بيوتهم بأيديهم، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

* رئيس محكمة الاستئناف بالإسكندرية

 

الاكثر قراءة