الإثنين 25 نوفمبر 2024

فن

«دار الهلال» تنفرد بنشر صور مسرحية «المومس الفاضلة» عام 1958

  • 17-11-2021 | 22:06

سميحة أيوب وعمر الحريري أبطال مسرحية المومس الفاضلة لسارتر

طباعة
  • خليل زيدان

من المعروف أن تاريخ الفن حافل بالمعارك والصراعات، سواء التنافسية أو النقدية أو الرقابية، وما أثير مؤخرا من ضجة كبرى حول مسرحية "المومس الفاضلة" والتي نشر عنها أن الفنانة إلهام شاهين تنوي القيام ببطولتها، مما جعل أحد أعضاء مجلس النواب يتقدم بطلب إحاطة لمنع هذا العمل، وقد رآه منافيا للقيم المجتمعية، جعلنا نعود بالذاكرة لنثبت أن ذلك العمل الفني قدم من خلال أعضاء المسرح القومي وعرض على مسرح دار الأوبرا في نوفمبر 1958، ولم تحدث تلك الضجة ولم تظهر أي جهة رقابية أولا تمنع عرضه ولا جهة نيابية أو دينية ثانيا تطلب وقف العرض المسرحي.

 رقيب من حديد

عرف عن الرقيب السينمائي محمد على ناصف بأن مقصه كان أشد ضراوة في الفن في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، فقد رفض الرجل روايات عديدة لكبار الكتاب ومنع إجازتها سينمائيا، لأنه رأى أنها تتعارض مع القيم والأخلاق المصرية، بل تدعو للعنف وارتكاب الجرائم، ومنها مثلا فيلم "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ عن قصة حقيقية واقعية بطلها السفاح محمود أمين سليمان، وأكد الرقيب أن القصة تمجد السفاح وتخلده، ومن ثم فأنها تدعو الشباب للعنف وارتكاب الجرائم، وتساءل كيف نخلد سفاحا؟ أما الرواية الأخرى التي لم يوافق عليها الرقيب أيضا لنجيب محفوظ فكانت "مصر الجديدة" والتي تعدل اسمها إلى "القاهرة 30"، وعلل الرقيب رفضه بأن الرواية تتحدث عن موظف خانع خاضع يتاجر بعرضه من أجل الوصول إلى أعلى المناصب، وتساءل الرقيب في حواره بمجلة الكواكب كيف أجيز أيضا فيلم "الفرسان الثلاثة" التي يلتحي أبطاله إسماعيل يس ومحمود المليجي ويمسك كل منهما بالسبحة وكأن البطل من العارفين بالله ثم يرث هذا البطل كباريه ويقوم بإدارته؟ ومن الواضح أنه كانت هناك أيدٍ خفية في تلك الحقبة جعلت تلك الروايات الممنوعة تظهر للنور وتعرض في السينما، رغم أن مضمونها كان ومازال لا يتفق مع القيم المجتمعية المصرية.

قصة أم مناظر؟

أكدنا أولا على وجود رقيب حديدي كافح طويلا لمنع الرديء من الروايات في تلك الحقبة التي ظهرت فيها مسرحية "المومس الفاضلة"، ودعونا نؤكد أن تلك الحقبة أيضا سميت بالعصر الذهبي للفنون المصرية، فقد ترأس المبدع ثروة عكاشة وزارة الإرشاد والثقافة في منتصف نوفمبر 1958، وهو من ازدهرت بأفكاره الفنون بكل أنواعها في عصره، وأيضا الحركة الثقافية، وشهد ذلك العصر وجود قامات فكرية وثقافية كبيرة منهم الدكتور محمد مندور ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وأحمد حمروش وغيرهم، فهل كان أول قرار لوزير الإرشاد هو منع مسرحية "المومس الفاضلة"؟ وهل طالب أي من رجالات الثقافة والأدب بمنع المسرحية؟ لم يحدث ذلك، فالعمل الفني سواء كان مسرحية أو فيلما كانت الرقابة تمعن أولا في محتواه ومضمونه، وهذا ما حدث مع مسرحية "المومس الفاضلة" التي تحتوي على صراع بين الخير والشر والظلم والعدل، ولم تتضمن المسرحية مشاهد أو مناظر مثيرة، فبطلة المسرحية الفنانة سميحة أيوب لم تجنح في مسيرتها لأدوار الإثارة أو الإغراء.   

الكواكب تشاهد المومس الفاضلة

في عددها الصادر في 9 ديسمبر 1958 كشفت مجلة الكواكب في بابها الأسبوعي "جولة الكواكب وراء الكواليس"، ما يعرض في المسارح والسينما في نفس التاريخ، تحت عنوان "مومس فاضلة في الأوبرا ومحام فاشل في الريحاني" ويأخذنا التقرير لمشاهدة كواليس فرقة المسرح القومي بدار الأوبرا المصرية، ويؤكد كاتب التقرير الصحفي الكبير أنو عبد الله أن الرواية تقوم في محورها على مشكلة التفرقة العنصرية التي تحتل في ذلك الوقت على عقل المجتمع الأمريكي، وتنضح به السياسة الأمريكية، وأن جان بول سارتر مؤلف الرواية جعل المومس في الرواية رمزا للحق الذي تحاول الطبيعة أن تقسمه بين البيض والزنوج في أمريكا، أو رمزا للأرض التي يقف عليها الأمريكيان الأبيض والأسود ويكون أحدهما غاصب والآخر مغتصب.

ويشرح أنور عبد الله قصة المسرحية، فيقول أن القصة دور حول مومس اشتراها عضو شيوخ أمريكي لتشهد بأن أحد الزنوج اعتدى عليها، ويلجأ إليها الزنجي المتهم البرئ ليحتمي في بيتها من مطاردة البيض، فتحميه وتقف مع الحق والفضيلة ، ومع المحاولات العنيفة من السياسي الأميركي معها لتوافق على الشهادة ضد الزنجي والادعاء بأنه حاول اغتصابها تقف صامدة ورافضة أمام إغراء الدولارات تارة والتهديد تارة أخرى .. ويؤكد الكاتب سارتر والناقد أنور عبد الله أن الفضيلة تستيقظ في ضمير المومس، بل إن ضميرها دائم مستيقظ تؤرقه الرذيلة ولا تترك له فرصة للغفلة .. أما عن إسم المسرحية فقال أنور عبد الله أنه لولا أن مؤلفها هو الكاتب الكبير سارتر لاقترح على مترجمها مازن الحسيني أن يغير العنوان إلى "الدراما السوداء" أو "الفضيلة الأمريكية".

وعن نقد المسرحية، قال أنور أحمد إن المسرحية ينقصها الكثير من عناصر الإثارة، وأيضا تفتقد إلى خبرة الكاتب المسرحي .. ومن خلال تقرير الكواكب عن المسرحية، فنجد أولا أنها لا تمس أي قضية شرقية ولا تجور على القيم ولا العادات والأخلاقيات المصرية والعربية كما أنها لا تحمل أي مضمون جنسي ، بل تفتقد إلى عناصر الإثارة .

كواليس المسرحية

ويأخذنا أنور عبد الله في جولته إلى كواليس المسرحية من خلال الباب الخلفي لمسرح دار الأوبرا، حيث يتصل بغرف الممثلين، فنجد أحمد حمروش مدير الفرقة جالسا مع شلة ممثلي مسرحية المومس الفاضلة ويوزع عليهم الفول السوداني قائلا : ده بس مؤقت على بال ما أصرف لكم العلاوات، ومع ارتفاع الضحكات يعلو صوت شكري راغب مدير مسرح الأوبرا عبر الميكرفون "بس يا جماعة .. صوتكم طلع لحد الصالة".

تنفرد بوابة "دار الهلال" بنشر صور مسرحية "المومس الفاضلة" حيث قامت ببطولتها في منتصف نوفمبر 1958 الفنانة سميحة أيوب، وقام بدور السيناتور الأمريكي الفنان حسين رياض مع توفيق الدقن وعمر الحريري وعبد المنعم إبراهيم.  

لا يتوفر وصف.

لا يتوفر وصف.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة