الثلاثاء 7 مايو 2024

(مكرررررررررررررررررررر) .......................... أوجاع الفقد بين الهروب و النصر" قراءة سماء الحضرة "

8-6-2017 | 14:58

 رمضان أحمد عبد الله 
ماذا عسى الداخل في الحضرة أن يجد وما دوافعه للولوج إليها وهل تفتح له الجوب وتجود الحضرة بالمواجيد، و هل ينتصر الهارب إلى سماء الحضرة؟ هذا ما يعانيه أمين المصري بطل رواية "سماء الحضرة" للروائي أحمد قرني الصادرة عام   2014 م فتتأرجح حياة أمين المصري بين الفقد و الهروب  من أسمى أوجاع الفقد لدى أمين فقده وطنه على مستوى الأرض و الجغرافيا لكنه مع  بقائه في ذاكراته، ففي سجن "عوفر " الذي  يدخله على أثر جريمة دبرتها" لينا" ابنة المهاجر البلغاري والتي تعرت تماماً من ملابسها أمامه للحصول على مفتاح بيته لكنه عصم نفسه من الانزلاق في الخطيئة حفاظاً على هويته المتمثلة في البيت، فلم يفقد أمين مفتاح بيته وانتصر على نفسه وجوارحه وظل المفتاح في حقيبته وبعض الوريقات ولا أحد سواه يعرف سر الحقيبة و محتوياتها، ومن سجن  عوفر يهرب بمعية عمار الحسيني لكن الحراس يضبطهما ويتركهما الضابط في الصحراء للهلاك يعبران إلى مصر و يستقران بالإسكندرية..


و يستمر نزيف الفقد لدى أمين عندما يهرب  إلى القاهرة تاركاً الإسكندرية خشية ضبطه و ترحليه مثل عمار الحسيني، فيستقر في حي السيدة زينب مفتقداً الإسكندرية وصديق رحلته عمار الحسيني مفتقداً علياء محبوبة عمار التي لم يزرها أو يخبرها بترحيل عمار إلى القدس، و تتسع دائرة الفقد في حياة أمين فيفر إلى فقد حي السيدة زينب هرباً من بطش"قدارة" الهنجرانية تنفيذاً لنصيحة صديقه حسن الهتيمي على أثر معرفتها بعلاقة الحب بين سناء الهنجرانية وأمين ومقابلتهما، فيفر أمين إلى حي الحسين المزدحم و العامر بالحضرة التي يدخلها للاختفاء بها و التحليق بسمائها..
 
  
 ويصل الفقد الإنساني ذروته عندما يفقد ابنه عماد العائد من تونس بعد انتصار الثورة التونسية وهروب الرئيس بن علي ويذهب عماد إلى ميدان التحرير ويظل حتى بعد انتهاء كل الحركات والاحتياجات وعودة الحياة إلى طبيعتها، بل و يستمر غياب عماد كجسد ولم يغب حضوراً أو مساهمة مع الشباب حتى خلع مبارك مخالفاً  أباه أمين  الذي أعلن أكثر من مرة كرهه للسياسة فلم يمنعه هروبه إلى  الحضرة من حضور السياسة في بيته.
 
 والمحاولة المستمرة من قبل أمين للهروب من ماضيه ومن السياسة بالتنقل من مكان إلى آخر، لم تقتل الوطنية لديه ولم يغب الوطن عن ذاكرته، وحنينه إلى صديقه عمار لا ينتهي فيغامر بالذهاب إلى ميناء الإسكندرية الذي عملا فيه بد اية قدومهما لمصر لتوديع عمار الحسيني قبل ترحليه، وبين الحين والآخر يختلي أمين بنفسه والحقيبة وينثر محتوياتها متأملاً مفتاح بيته بالقدس، ويعلل تغير حاله أمام زوجته زهيرة بانشغاله بالتجارة وعندما يشعر أنها رأت الحقيبة يخرجها من البيت، فالوطن وسره يكمن داخل تلك الحقيبة ولا يريد لغيره الاطلاع عليه أو معرفته، وما هروب أمين إلى الحضرة و إظهار انشغاله بالتجارة وتنقله من مكان إلى آخر إلا محاولة للهروب بوطنه داخله وتنتفض وطنيته رافضاً مبدأ شريكه حسن العوضي أن أهم شيء الربح، فيرفض أمين اتفاقية "الكويز" بين شركتيهما وبين  الجانب الإسرائيلي والأمريكي رغم الأرباح  الهائلة التي سيحصلان عليها جراء الإعفاءات الجمركية كما يرفض أمين طلب الرئيس المخلوع مبارك بالانضمام إلى الحزب الوطني الذي يعني القوة و الأمان برأي مبارك، ولكنه يهرب من الانضمام للحزب إما خوفاً أو كرها للسياسة..


 و يتبقى سؤال يفرض سطوته هل حقق أمين النصر بمحاولة هروبه من ماضيه  و هل كان الفقد عنصرا محفزا لتحقيق هدفه لقد لجأ أمين للحضرة   لكنه لم يستطع فالوطن و الهوية والماضي يطاردوه حتى في قمة أوج اشتعال الحضرة ولو نجح أمين في النسيان وانتصر على ذاكرته ما كان يختلي بنفسه متطلعاً إلى محتويات حقيبته  و إن كان أمين نجح في التخفي حتى لا يتم ترحيله مثل عمار الحسيني إلا أنه لم ينتصر على ماضيه  و يبقى الوطن و الهوية في ذاكرته و تبقى الساسة حاضرة في تصرفاته فهو ما يزال ينتظر ابنه عماد في ميدان التحرير بعد مرور سنوات و عودة كل شيء إلى طبيعته . يقول الكاتب في صفحة 203 و 204 .
 
مضت السنوات بطيئة، العسكر يتأهبون للعودة إلى الشارع، عادت المجنزرات إلى الشوارع بعد أن خلت من الناس .... دبت الحياة ثانية، كان أمين المصري يتفحص الوجوه بحثاً عن ابنه عماد المصري، يسأل أصحابه، يسأل كل قادم إلى الميدان أو عائد منه، يضحك ويجلس في الميدان وحيداً، هذه المرة دخل إلى الميدان بمفرده كما كان يدخل إلى "الحضرة "، توضأ و تمتم بالأدعية وردد الأوراد التي يحفظها، مضى وصوت الدفوف في أذنه ورائحة البخور في أنفه، الزمن يمر وأمين لا يبرح  الميدان..
فجأة  بدأت الحياة تدب ، الناس يعودون إلى الميدان فرادى و جماعات، الحياة عاد ثانية العناق طال بطول الوحشة الأرض اهتزت ونبتت الحياة هنا من جديد دون أية مواجع أو خوف ... تلاشى الزمن كل الذين غادروا  الميدان  عادوا إليه؛ الشباب،  البسطاء، السلفيون  حتى عماد، سناء، حتى عمار الحسيني ، حتى العسكر، الكل عاد لمواجهة الخطر، الخطر الذي يحدق بالجميع كوحش هائل بحجم المتوسط عبر إلى هنا بوجه دبابة ميركافا  وجناحي طائرة أباتشي يعبر المتوسط ويخترق حاجز الصوت فوق الميدان
 

    Egypt Air