الأربعاء 15 مايو 2024

في ذكرى ميلاد الفتى الأسمر.. سر خلود أحمد زكي

أحمد زكي.. فنان بألف وجه

فن18-11-2021 | 19:04

خليل زيدان

امتلأت ذاكرة السينما المصرية بمئات من أسماء النجوم، سواء أبطال للشاشة أو نجوم الصف الثاني، وفي التصنيفات السينمائية برع الكثير منهم في الدراما والكوميدي والأكشن وأدوار الشر .. ومن الواضح أن هناك منهم من يبقى في ذاكرة السينما ومنهم من يتوارى منها ويسقط بعد وهج وبريق الشهرة ويصبح في طي النسيان ، لكن الفتى الأسمر أحمد زكي الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم، فقد استطاع أن يبقى في ذاكرة السينما ويحتل مساحة كبيرة فيها وأيضا في ذاكرة ووجدان المشاهد العربي بما تركه من أدوار صبعة ومركبة ، فما هي إذن أسرار خلوده؟

سر خلود أحمد زكى

يجد الباحث في مسيرة وحياة أحمد زكي أن الرجل تكدرت حياته لسنوات طويلة بسبب مهنة التمثيل، وقد كانت منتهى أمله، وكاد ينهي حياته بسبب دور سينمائي تم ابعاده عنه، وهو الدور الذي حصل عليه نور الشريف في فيلم "الكرنك" بدلا منه، فلو قارننا بين التمثيل ومهنة أخرى، فهل يقطع موظفا شرايينه بسبب ترقية ضاعت منه أو علاوة سلبت منه؟ هل يحاول تاجرا إنهاء حياته بسبب صفقة ضاعت منه أو بضاعة سرقت أو أتفلت؟ الإجابة لا بالطبع، فكل شئ بسيط وهين لو تم مقارنته بالحياة .. إذن لماذا أقدم زكي على محاولة الإنتحار؟ ربما نجد الإجابة في حالته القدرية أولا وهي أن يرى اليتم في طفولته، ويفتقد الدفئ الأسري والحياة الرغدة، فما طعم الحياة بدون الحنان والرعاية ؟ هل تستحق في مخيلته أن يعيشها؟ نعم عاشها مكدرا، ومفتقدا الحنان الأسري، ومع بزوغ نجمه قليلا رشح لدور عمره، وظن أن الحياة ابتسمت له ليقف أمام سندريللا الشاشة في فيلم "الكرنك"، بل إنه سيكون حبيب تلك الفاتنة ، لكن سرعان ما تأتيه الصدمة ليرى من جديد قسوة المجتمع من خلال لسان جاء كالسوط ليجلده، ويقول له أيها الأسمر ذو الشعر المجعد ابتعد .. ولم يكن ذلك الإبعاد إلا انهيار نفسي للفتى، فهو يعيده لدائرة اليتيم المحروم الذي فقد كل شئ، حتى السمات الشكلية التي ولد بها كانت سببا في ضياع حلمه، وربما اعتقد زكي أن سبب الرفض في ذلك الفيلم سيظل يطارده لو قدر له واستمرت مسيرته السينمائية.  

موزاين البطولة

غيرت تلك الحادثة مجرى حياة الفتى الأسمر الذي عمل على قلب موزاين البطولة وانتقاء فتى الشاشة في السينما، فالمعروف سينمائيا أن معيار الوسامة هو أول شروط القبول الجماهيري السينمائي، لذا يعتمد المنتج والموزع دائما على السمات الشكلية مع براعة الممثل، فتاريخ السينما يشهد بذلك، فقد استمر شكري سرحان عقودا طويلة كنجم شباك وأيضا رشدي أباظة وأحمد رمزي وغيرهم، مع أن افتقاد الموهبة وبراعة التمثيل قد يسقط العديد من أصحاب الوسامة ولا يجعلهم في الصف الأول وهناك أمثلة كثيرة منهم .. إلا أن أحمد زكي قرر أن يعيش للتمثيل ويثبت أن الموهبة والإبداع هما الأبقى .. فوهب الفتى عمره للمهنة التي اختارها، وإن أردنا أن نحدد أسرار خلود زكي، فنجدها قد تجسدت في توحده مع الشخصية التي يمثلها ، فهو يتقمصها في الواقع قبل بدء التصوير، وحتى بعد الإنتهاء منه تظل عالقة فيه، وقد لا يخجل أن يلجأ لاستشاري نفسي ليساعده على أن يعود لشخصيته الحقيقة.

فيلم البيه البواب

من الواضح أن تلك المهنة التي أفنى حياته حبا فيها قد دمرت حياته، فهل عاش أحمد زكي حياته الشخصية هانئا مستمتعا ؟ كيف ذلك وهو الذي تملكته كل الشخصيات التي مثلها، فعند تمثيله دور البواب في فيلم "البيه البواب" دخل أحمد زكي حجرته المعدة له في ستوديو نحاس فوجد جدرانها مطلية باللون الأبيض، فرفض دخول الغرفة وطلب من مهندس الديكور ماهر عبد النور أن يحدث أي شخبطة ليجعلها كغرفة بواب، لأنه قد أوهم نفسه بالفعل أنه بواب بعدما ارتدى سمات الشخصية نفسيا وعصبيا .. وهناك العديد من المواقف الدالة على براعته التي أدت إلى خلوده الفني، فهو من أبكى إبنة عميد الأدب العربي طه حسين بعد تجسيده رائعة "الأيام" ، وهو أيضا من أبكى السيدة جيهان السادات أثناء تصوير فيلم "أيام السادات" حيث طالبت بوقف التصوير فعلا وعندما سألها عن السبب أخبرته بأنها ترى الرئيس السادات بالفعل هو الذي يسير في الحديقة وليس أحمد زكي، ثم أجهشت بالبكاء.

 

إن كان الفرد منا يعيش حياة واحدة بشخصيته العادية فقد عاش أحمد زكي حيوات كثيرة، منها البواب والطبال والطالب والضابط والوزير والتاجر والمحامي ورئيس الجمهورية والموظف والسائق وغيرها من الشخصيات، وكلها لفترات طويلة التصقت به لتصبح جزءا من كيانه، ولتصبح أيضا تلك الشخصيات التي جسدها عالقة في تاريخ السينما لتسعد الجماهير كلما رأوها وليظل من خلالها خالدا كممثل بارع.

Dr.Radwa
Egypt Air