كثيرا ما كان اللواء محمود خلف يشير في أحاديثه متباهيا أنه تلميذ من تلامذة كثر للراحل المشير محمد حسين طنطاوي وكيف كان أثر ذلك على حياته العملية لاسيما بعد نصائح جمة كان ينصحه بها أعانت خلف على السير قدما في عمله ونجاحاته....
وإن طاب للواء خلف تذكر معلمه في حياته فإنه يتحدث اليوم عنه معنا بكل الحب والوفاء يرد له حقه في غيبته وأي حق أجل وأكبر من حق المعلم على تلميذه.
لذا في هذا الحوار يسطر اللواء الدكتور محمود خلف بضعة سطور منيرة من مواقف جمعته بالمشير طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الأسبق ....
يحكي اللواء الدكتور محمود خلف يقول: يمثل لي المشير طنطاوى ذاكرة طويلة وكان مدرسا لي في الكلية الحربية سنة 1962، وكان وقتها برتبة نقيب وكان يدرس مادة التكتيك وكان يتصرف معنا كأخ أكبر لنا بهدوئه وابتسامتة ومعاملته الجميلة معنا واستمرت العلاقة بيننا بعد تخرجي وذهبت إلى تشكيلات كثيرة داخل الصاعقة والصراحة تعلمنا على يديه كيف يكون القائد مستمعا جيدا وكان رحمه الله له وجه مريح بالإضافة إلى استماعه الجيد لكل واحد منا بكل صبر وفهم لما نحكي عن ما يجول في صدورنا جميعا نحن تلامذته.
كان لديه توازن في عدم التفرقة بيننا كان يحب الناس كلها ويعلم عنا كل شيء ويعرف كل واحد منا منذ كنا طلبة حتى أصبحنا لواءات يتذكرنا ويتذكر خلفية كل واحد منا نحن تلامذته .
وكان كالأب أو الأخ الكبير وكان يعطي العقاب على قدر الفعل دون أن يظلم أحدا .
وأتذكر عندما خدمت في الجيش الثالث وكنت قائد كتيبة في المنطقة الغربية وكنت في وحدات الصاعقة ونصحني وقتها وقال لي يا محمود لازم تكمل في المشاة حتى تستمر في العمل لأطول وقت وأكبر مدة في الخدمة لأن وحدات الصاعقة الأماكن فيها قليلة، وبالفعل نفذت كلامه عن قناعة كبيرة وأثق فيه دون أن أناقشه والحقيقة كان متفردا أنه قائد كان يعلم جيدا مميزات كل مرؤوس من مرؤوسيه ويعرف يوظفه في مكانه الصحيح.
الحقيقة جمعني مع المشير طنطاوي مدد للخدمة لاسيما في حرب يونيو 67، وقد كانت مؤامرة لاصطياد مصر، وعبد الناصر تحدى إسرائيل وكان لديه تطلعات أكبر من إمكانات القوات المسلحة في ذلك الوقت مقارنة بإسرائيل وترتب عليها اجتماع الدول الكبرى حول إسرائيل وتم احتلال سيناء وكان المشير حسين طنطاوي نقيبا في ذلك الوقت وكان دائما يشد من أزرنا ويرفع من روحنا المعنوية خاصة أننا كنا شبان صغار، منذ تخرجنا ونحن في حروب متواصلة، أنا شخصيا حضرت أربع حروب متتالية منذ حرب 67 وحرب الاستنزاف وهي كانت حرب مهمة رغم أنها كانت تستنزف من قوتنا وكان أيضا معنا المشير طنطاوي ولكن لم يثنى عزمنا للإعداد لحرب أكتوبر وكان المشير طنطاوي برتبة المقدم وكنا عندما نراه نستبشر خيرا وفي أشد حالات الغضب كان من داخله إنسان يتحكم في مشاعره جيدا ولا يطلق أحكام جزافية أو يجعل غضبه يتحكم في قراراته ومهما كان غاضبا حتى في أحوال الحرب وما تحمله من أخبار سيئة لا يظهر على وجهه أي غضب يكتم غضبه ويعمل الصواب، وكنا جميعا نعتبره أبا لنا رغم أننا كبرنا وأصبحنا لواءات.
- حدثنا وقت رحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك عن الحكم إبان يناير وتولي المشير طنطاوي زمام الأمور !؟
كنت أعلم جيدا أنه يقدر ويستطيع على أن يعبر بمصرنا لبر الأمان دون نقطة دم، بدأت الفوضى تعم وكنا نتحدث معه عندما نريد استخدامات القوة مع التظاهرات أو الفوضى التي كانت وراءها الإخوان.. كان المشير رحمه الله فاهم الأمر جيدا ودارس الموقف ولديه من الثبات الانفعالي الكثير ويعلم أن الإخوان يريدون جر مصر لحرب أهلية أو حرب مع الجيش، لذا كان يأمرنا دائما بعدم استخدام السلاح والعنف، والتعامل مع الأمور بهدوء وضبط نفس كبير حتى مرت هذه المرحلة على خير.
وكان يفهم المشير أنها مؤامرة ضد مصر وأنهم يريدون للقوات المسلحة أن تنزلق للشارع وتتقاتل ويصبح الشعب ضد الجيش، وهو بحنكته وبصيرته حمانا من هذه السيناريوهات وحمى مصر من كل مؤامرة وشر من الفوضى ولدينا أمثلة لبلاد ضاعت حولنا بسبب أحداث الفوضى وتتدخل فيها القوات الأجنبية والحمدلله مصر نجت من كل هذا.....
- ماهو الموقف الطريف الذي جمعك مع المشير طنطاوي؟
مواقف كثيرة لكن أذكر منها مثلا عندما كان داخل استراحته يتابع ماتش كورة بين الأهلي والزمالك وهو رحمه كان زملكاوي وأنا كنت أهلاوي.. المهم هو كان يتابع الماتش ودخلت عليه لعرض أمر فقال لي اقعد اتفرج على الماتش معايا..
وبعدين الأهلي جاب جوول قمت أنا فرحت وقلت جوول بحماس كده وبشكل تلقائي كنت باقول يلا شوت يلا.. قام المشير بص لي بصة وقال لي إيه هتبقى أنت والحكم كمان وقال لي أنت عايز إيه وجاي هنا ليه ...
ووقتها أول مرة أشوفه متعصب كده....
- ماهي النصائح التي كان ينصحك بها المشير حسين طنطاوي ومن معك ؟
كانت أهم نصيحة لديه هي احترام البشر واحترام الإنسان والإنسانية ورغم أن الجيش فيه أمور صعبة وقرارات صعبة لابد أن يتم اتخاذها ضد المخطئ لكن كان هو لديه حكمة أنه ضروري أن يتناسب الحساب والعقاب مع الفعل الذي عمله المخطئ.. والشهادة لله كان لديه قدرة عظيمة في كبت انفعاله.
وحضرت أغلب حواراته مع الرئيس الأسبق مبارك لأنه كان وزيرا للدفاع وأنا كنت كبير اليوران، ورئيس الحرس الجمهوري وطبيعة وظيفتي أن أكون على اتصال بينه وبين الرئيس .
ودائما ما كان يقول له الرئيس مبارك إن الجيش كرة من نار لا أحد يلعب معه ولا يتلاعب به.
فكان الرئيس مبارك يعلم جيدا قيمة الجيش وقيمة وزير دفاعه وكان يستمع لرأي المشير طنطاوي بكل حكمة.
وعندما نقول إن الجيش المصري "كرة من نار" لها معانٍ كثيرة لعل من أبرزها أنه من المستحيل جر الدولة المصرية ولا الجيش المصري لأي سيناريو متآمر لأن لدى الجيش المصري كل الاحتمالات والسيناريوهات التي يتوقعها مبكرا أمام كل خطر محتمل وبين يديه يضع كل الحلول لكل ظرف.
وهو ما نراه جليا اليوم أن بلدنا دولة ثقيلة عندما ترسل رسائل تجاه أي خطر هي رسائل رادعة ويدرك الرئيس السيسي اليوم كل المخاطر ويتعامل معها بذات الحكمة لأن الرئيس السيسي كان تلميذا للمشير طنطاوي وعمل معه لفترات طويلة بشكل مباشر في الأمانة العامة لوزارة الدفاع وكان يعتبره الأب الروحي له كحالنا جميعا.
رحم الله المشير محمد حسين طنطاوي.