كانت معركة المزرعة الصينية, هى واحدة من المعارك, التى يفخر بها البطل الراحل المشير حسين طنطاوي, لقد كشف النقاب خلال السنوات الأخيرة عن فيديو يتحدث فيه "العميد أركان حرب" محمد حسين طنطاوى فى أعقاب حرب أكتوبر 1973 وكان حديثه مركزًا على معركة المزرعة الصينية التى كان هو أحد أبطالها الرئيسيين التى كان لها دورها التاريخى فى التصدى للعدوان الإسرائيلى الذى استهدف حصار وتدمير التجمع الرئيسى للقوات المصرية داخل رؤوس الكبارى فى شرق القناة, وفرض الحصار على الجيشين الثانى والثالث عن طريق قطع خطوط مواصلاتهما مع غرب القناة.
المزرعة الصينية، هى مشروع زراعي، بدأته الدولة المصرية قبل عام 1967 فى منطقة شرق الدفرسوار بالإسماعيلية بالاشتراك مع حكومة اليابان لإجراء تجارب زراعية فى هذه المنطقة، وكان اسم المنطقة "قرية الجلاء" حيث يحدها من الغرب البحيرات المرة الكبرى ومن الشرق مدينة الإسماعيلية وبعد عدوان 67 استولى الإسرائيليون على هذه المنطقة، وعندما رأوا الكتابات اليابانية على جدار الحوائط، ظنوا أنها اللغة الصينية، فأطلقوا عليها "المزرعة الصينية".
كانت الكتيبة التى يقودها المقدم محمد حسين طنطاوى قد عبرت قناة السويس قبيل العبور الرسمى للقوات، وكانت مهمة هذه الكتيبة هى الدفع بعناصر الاستيلاء على دبابات العدو ورفع العلم المصرى على الضفة الشرقية للقناة قبيل عبور القوات.
لقد نجحت الكتيبة 16 فى قطع مسافة العبور فى مدة زمنية لا تزيد على نصف الساعة تقريبًا، وكانت المدة الزمنية المحددة لها لا تقل عن الساعة، إلا أن عزيمة المقدم محمد حسين طنطاوى ورجاله كانت وراء الإنجاز السريع للمهمة التى كللت بالنجاح.
وبعد أن حققت الكتيبة الهدف المحدد لها، بدأت فى التقدم باتجاه منطقة شرق القناة، نجحت سريعًا فى الاستيلاء على رؤوس الكباري، وتمكنت من التصدى للهجمات المضادة التى واجهتها فى هذا الوقت.
لقد كانت المعارك حامية الوطيس، وكان المقدم محمد حسين طنطاوى يضع الخطط التى تتعامل مع التطورات السريعة فى ميدان القتال، لمواجهة تحركات العدو ومفاجأته.
لقد نجح فى صد الهجمات المباغتة، وكانت حصيلة ذلك فى المرحلة الأولى تدمير خمس دبابات إسرائيلية وعزل وحصار النقطة الأكثر تحصينًا وقوة فى منطقة الدفرسوار.
وبعد أن حققت الكتيبة النجاحات الأولى التى أذهلت العدو وأربكت صفوفه، كانت تعليمات المقدم محمد حسين طنطاوى تقضى بتطوير الهجوم فى اتجاه الشرق، ونجحت قواته سريعًا فى احتلال رأس الكوبرى النهائى ومواجهة الهجمات المضادة.
كانت انتصارات الكتيبة فى هذا الوقت تدوى فى أوساط الضباط والجنود الذين عبروا القناة وبدأوا الزحف باتجاه العمق داخل أراضى سيناء، غير أن المعركة الأهم كانت تنتظر هؤلاء الأبطال فى "المزرعة الصينية".
لقد ارتبطت معركة المزرعة الصينية بالخطة الإسرائيلية للعبور إلى غرب قناة السويس، وإقامة رأس كوبرى على ضفتى القناة بهدف حصار الجيشين الثانى والثالث بمدينتى السويس والإسماعيلية.
كان ذلك يستوجب بالقطع أن تكون منطقة شمال نقطة الدفرسوار خالية من القوات المصرية إلى مسافة لا تقل عن خمسة كيلو مترات شمالاً، بهدف تأمين معبر الدفرسوار من نيران الأسلحة المصرية.
كان اتجاه الهجوم الإسرائيلى يستهدف الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى فى قطاع الفرقة 16وبالتحديد فى اتجاه محور "الطاسة والدفرسوار"، وهو أمر جعل المزرعة الصينية فى مرمى هدف القوات الإسرائيلية المهاجمة.
كان قادة الجيش الإسرائيلى قد أعدو العدة جيدًا لتحقيق هذا الاختراق، ثم يتلوه استخدام القوات الجوية والبرية بالأسلحة الصاروخية والمدفعية لتدمير القوات المتواجدة فى هذه المنطقة، وخاصة منطقة تمركز الكتيبة 18.
بدأت المعركة فى 15 أكتوبر ـ أى بعد نحو تسعة أيام ـ من اشتعال حرب تحرير سيناء، قام الطيران الإسرائيلى بتوجيه ضربات مركزة إلى أماكن تواجد القوات، ثم ضرب كافة الخنادق ومقر قيادة الكتيبة 18 فأحدثت إصابات بالغة بالمنطقة بأسرها، بينما كانت المدفعية الإسرائيلية لا تتوقف عن توجيه داناتها إلى مناطق تمركز القوات المصرية.
لقد استمر الهجوم حتى غروب الشمس، إلا أن خطة التمويه والخداع التى استخدمتها الكتيبة 81 نجحت فى إفشال العملية العسكرية الإسرائيلية حيث لم يصب فى هذا اليوم سوى ثلاثة جنود مصريين فقط.
كانت الخطة المصرية تقوم على نقل القوات بعيدًا عن مسرح المعركة بمجرد التوصل إلى معلومات تفيد بموعد الهجمات الإسرائيلية، خاصة بعد رصد الطائرات الإسرائيلية التى كانت تأتى قبيل الهجوم لتصوير المواقع، وبهذا نجحت القوات المصرية فى تفادى الآثار الخطيرة للهجوم الإسرائيلى المتوقع.
وفى الساعة الثامنة إلا ربع مساء نفس اليوم تم رصد قيام أعداد كبيرة من الدبابات الإسرائيلية قادمة من اتجاه منطقة "الطاسة" للهجوم على القوات المصرية المتمركزة، وفى تمام الثامنة والنصف مساء كان العدو يسدد ضرباته مركزًا على الجانب الأيمن للكتيبة، حيث استخدم فى الهجوم 3 لواءات مدرعة بقوة "082" دبابة، ولواء من المظلات الميكانيكى عن طريق 3 محاور.
وقد تم دعم هذه القوات بفرقة القائد الإسرائيلى "أدان" والمكونة من"300 دبابة" وفرقة القائد الإسرائيلى "مانجن" المكونة من"200 دبابة"، إضافة إلى لواء مشاة ميكانيكي، وأيضًا كتيبة مدرعة وكتيبة مشاة ميكانيكى بقيادة اللواء "ريشيف" إضافة إلى كتيبة مشاة ميكانيكى مستقلة، وبذلك أصبح تحت قيادة "ريشيف" 4كتائب مدرعة وكتيبة استطلاع مدرعة و3 كتائب مشاة ميكانيكى بما يعادل نصف قوة القائد الإسرائيلى "شارون".
ومع بدء عملية الهجوم الواسع على الكتيبة 18 نجحت الدبابات المصرية المخندقة والأسلحة المضادة للدبابات فى تدمير 12 دبابة إسرائيلية دون أن تصب أى دبابة مصرية بسوء، وتم اختيار مجموعة قنص من السرايا، ثم تم الدفع بفصيلة خاصة من حاملى الـ"آر.بي.جي" إلى الجانب الأيمن وقامت بالاشتباك مع العدو وتحولت بعد فترة من الوقت إلى قتال متلاحم فى صورة حرب عصابات حتى السادسة من صباح اليوم التالي.
وقد نجحت القوات المصرية فى تدمير نحو 60دبابة إسرائيلية فى هذا الوقت مما آثار حالة من الخوف والذعر لدى القوات الإسرائيلية المهاجمة.
فى الساعة الواحدة من صباح "61 أكتوبر"، قامت القوات الإسرائيلية بتوجيه هجومها مجددًا إلى الكتيبة "81" مشاة، وقد تمكنت الكتيبة من صد هذا الهجوم، مما أدى إلى تدمير "01 دبابات" و4 مدرعات نصف مجنزرة.
وأمام بسالة القوات المصرية دفع العدو الإسرائيلى بالمزيد من القوات لتلافى آثار الهزيمة، فامتد بهجومه إلى الكتيبة 16والتى كان يقودها المقدم محمد حسين طنطاوى والتى كانت تقاتل جنبًا إلى جنب مع الكتيبة"81" وقد دفعت القوات الإسرائيلية بلواء مظلى ولواء مدرع وكتيبة مدرعة لمهاجمة القوات المصرية.
لم يكن المقدم حسين طنطاوى قد ذاق طعم النوم منذ أكثر من 48 ساعة مضت، وفى الساعة الواحدة من صباح هذا اليوم "61أكتوبر" قرر أن ينام لبعض الوقت، حتى يستطيع أن يجدد نشاطه، وبعد نصف ساعة فوجئ بمن يوقظه من الضباط، حيث أخبره بسماعه أزيز للطائرات الإسرائيلية.
وفى هذا الوقت أصدر المقدم حسين طنطاوى تعليماته بزيادة المراقبة وإخطاره بأية تحركات على الفور، وفى حوالى الثانية والنصف من فجر ذات اليوم تم إيقاظه مرة أخرى، وأبلغه أحد ضباط الكتيبة بأن عناصر الرؤية الليلية رصدت محاولات للقوات الإسرائيلية بعبور الألغام باتجاه الكتيبة.
وعلى الفور أدرك المقدم حسين طنطاوى أن قوات العدو تسعى إلى تنفيذ خطة للعبور بأعداد كبيرة من المشاة الإسرائيليين باتجاه الكتيبة 16.
كانت خطة المقدم حسين طنطاوى تقوم على استدراج القوات الإسرائيلية المهاجمة واصطيادها، أعطى أوامره للضباط والجنود بأن يستعدوا بكافة أسلحتهم وحبس النيران لأطول فترة ممكنة، حتى تصل القوات إلى مرمى الهدف، وكانت كلمة السر هى إشارة ضوئية حمراء تصدر عنه، وبعدها يتم إطلاق جميع أسلحة الكتيبة باتجاه القوات الإسرائيلية المهاجمة.
كان المقدم حسين طنطاوى صاحب خبرة عسكرية لا يستهان بها، فمنذ تخرجه من الكلية الحربية عام "6591"وهو يشارك فى المعارك العسكرية المختلفة، شارك فى معركة "1956" وفى حرب "67" وفى حرب الاستنزاف، وغيرها.
كان معروفًا بقوة تحمله، وصبره وعناده وهدوء أعصابه، وكان دائمًا حكيمًا فى قراراته، ومصدر ثقة لضباطه وجنوده.
بعد أن وصلت القوات الإسرائيلية المهاجمة إلى النقطة الحاسمة أطلق المقدم حسين طنطاوى الإشارة الحمراء، وعلى الفور تم فتح نيران جميع أسلحة الكتيبة 16باتجاه القوات المهاجمة، حيث استمرت المعركة لمدة ساعتين ونصف الساعة، أى حتى بزوغ أول ضوء من صباح اليوم التالى.
كانت المعركة عنيفة، وقد استخدم فيها قائد الكتيبة 16تكتيكات عسكرية أبهرت الجميع وأربكت العدو وبعثرت صفوفه، وسقط من جراء ذلك عشرات القتلى والجرحى من الإسرائيليين، بينما لم يستشهد من الكتيبة 16 سوى مقاتل واحد هو "عادل بسطلوس".
كانت بطولات الكتيبة 16قد أحدثت دويًا كبيرًا خاصة بعد أن نجح مقاتلو الكتيبة فى الحيلولة دون نجاح الخطة الإسرائيلية فى هذا الوقت، ويحكى قائد الكتيبة حسين طنطاوى عن المقاتل "عبدالعزيز بسيوني" قائد إحدى سرايا الكتيبة، حيث يقول "فى 14 أكتوبر، كان الهجوم الإسرائيلى قد بدأ، قلت له: كم عدد الدبابات، فقال لي: كثيرة جدًا، فقلت له: سأحميك بالمدفعية حتى نجهض خطتهم فى تطويقنا، فقال قائد السرية: لن تعبر دبابة واحدة من خلفى إلا على جثتى وجثة المائة جندى الذين معى".
وبعد معركة فجر السادس عشر من أكتوبر وما أحدثته من هزيمة كبيرة فى صفوف العدو، كان الضباط قد زحفوا إلى سماء المنطقة فى هذا اليوم وهو ما مكن العدو من سحب خسائره من القتلى والجرحي، إلا أنه لم يستطع سحب دباباته وعرباته المدرعة المدمرة، والنى ظلت أعمدة الدخان تنبعث منها طيلة اليومين التاليين.
كانت أصداء معركة "المزرعة الصينية" قد نالت من معنويات القوات الإسرائيلية، وأربكت كافة الحسابات، ودفعت بقادة المنطقة الجنوبية برئاسة "آريل شارون" إلى الدفع بمزيد من القوات مهما كان الثمن فى المقابل.
وعندما قام موشيه ديان برفقة شارون بزيارة مسرح معركة المزرعة الصينية بعد ذلك قال: "لم أستطع إخفاء مشاعرى عند مشاهدتى لها، فقد كانت مئات من العربات العسكرية المهشمة والمحترقة متناثرة فى كل مكان وبعضها مازال يتصاعد منه الدخان"، وقال: "كانت هناك دبابات إسرائيلية ودبابات مصرية لا يبعد بعضها عن بعض سوى بضع ياردات، وكانت هناك أيضًا عربات نقل إمدادات مهجورة، فاجأتها الغارة الجوية وقذائف المدفعية، ومع اقترابنا من كل دبابة، كان الأمل يراودنى ألا أجد علامة الجيش الإسرائيلى عليها، وانقبض قلبي، فقد كان هناك الكثير من الدبابات الإسرائيلية"، وقال: "مع أن مناظر الحرب أو المعركة لم تكن غريبة بالنسبة لى، فإننى لم أشاهد على الإطلاق مثل ذلك المنظر، لا على الطبيعة ولا فى اللوحات ولا فى أفظع أفلام السينما الحربية، لقد كان أمامنا ميدان شاسع لمذبحة أليمة، يمتد إلى أبعد ما تستطيع العين الوصول إليه".
وقال: "كانت الدبابات والمركبات والعربات المدرعة والمدافع وعربات نقل الذخيرة المعطلة والمقلوبة والمحترقة دليلاً مروعًا على المعركة الرهيبة التى دارت هنا".
ويقول موشيه ديان "لقد طلبت مقابلة الكولونيل عوزى مائير قائد قوات المظلات الإسرائيلية الذى حارب معركة المزرعة الصينية فى ظروف صعبة، ووجدته مرهقًا، ولم أكن أتصور أن أراه على هذه الحالة من الاكتئاب"، وقال "لقد تحدثنا عن المعركة، وحاول الجنرال "بارليف" الذى كان يرافقنى أن يهدئ من حالته"، لكنه رد بحدة وقال: "لقد تسرعتم فى تكليفى بهذه المهمة، لقد خسرت "07" رجلاً من أفضل رجالي، وضعفهم من المصابين الذين تم إخلاؤهم".
هكذا تركت هذه المعركة آثارًا خطيرة على الحالة المعنوية للقادة وللضباط وللجنود الإسرائيليين وبعد30 سنة من تاريخ حرب أكتوبر وبعد زيارة وزير الدفاع الإسرائيلى "إسحاق مورداخي" إلى مصر عاد ليقول "لقد فوجئت بأن المشير محمد حسين طنطاوى وزير الدفاع المصرى هو نفسه قائد كتيبة المزرعة الصينية"!!
بعد حرب أكتوبر1973حصل محمد حسين طنطاوى على نوط الشجاعة العسكرى تقديرًا لدوره المتميز فى الحرب، ثم عين ملحقًا عسكريًا فى باكستان، كما عين قائدًا للواء مشاة ميكانيكي، ثم قائدًا للفرقة 81 مشاة ميكانيكي، ثم قائد فرع التخطيط لقسم العمليات الميدانية للجيش، ثم رئيسًا لفرع العمليات الميدانية، ثم قائد لواء المشاة، ثم رئيسًا لفرع العمليات بهيئة عمليات القوات المسلحة، ثم قائدًا لفرقة المشاة الآلية، ثم قائدًا لفرع التخطيط بالقوات المسلحة، ثم رئيسًا لأركان الجيش الثانى الميداني، ثم قائدًا للجيش الثانى الميداني، ثم قائدًا للحرس الجمهوري، ثم رئيسًا لهيئة عمليات القوات المسلحة.
وفى 20 مايو 1991 اختاره الرئيس الأسبق حسنى مبارك وزيرًا للدفاع وكان برتبة فريق، ثم جرى ترقيته إلى فريق أول واختير فى الأول من أكتوبر 1993 قائدًا عامًا للقوات المسلحة ووزيرًا للدفاع والإنتاج الحربى وتم ترقيته إلى رتبة المشير.
كان طنطاوى مقاتلاً شجاعًا، وفارسًا نبيلاً، وقائدًا فذًا، صاحب مواقف مبدئية، وكان دومًا يلتزم الصمت، لقد قال عنه أحد أعضاء المجلس العسكرى "إنه الرجل الذى يعرف كل شىء، لكنه لا يتكلم أبدًا"!!
كانت لديه قناعة بأن الجيش المصرى لديه القدرة على هزيمة أعدائه، وأن الجيش قادر على تحويل الهزيمة إلى نصر بعزيمة أبنائه ووطنيتهم وعقيدتهم القتالية.
لقد قال لرجاله بعد حرب73 "إن الجيش المصرى كان لابد وأن يدخل حربًا أخرى، وينتصر فيها"، "وإن ما كنا نخشاه فى الجيش هو أن يتم حل القضية سلميًا دون أن تتاح لنا فرصة إثبات قدراتنا العسكرية وغسل آثار الهزيمة حتى تحقق نصر أكتوبر 1973".
وكان يقول "إن حرب الاستنزاف كانت فترة زاهرة فى تاريخ القوات المسلحة المصرية، حيث كان الجيش يقاتل ويستعد ويعيد بناء قواته، وفى نفس الوقت فقد أعطت الحرب للضباط والجنود الثقة بالنفس، كما منحت الشعب الثقة بالجيش".
وكان طنطاوى يقول بعد دخول مصر إلى التسوية السياسية مع إسرائيل "إننا نبغى السلام ونتمنى أن يستمر ولكن السلام الذى نبغيه هو سلام الأقوياء وليس سلام الضعفاء، ولكى نحافظ على السلام، يجب أن تكون لدينا القوة التى تحميه وتروع من يحاول الاعتداء على الأراضى المصرية".
لقد ظل حتى اليوم الأخير محافظًا على الجيش المصرى ووحدته وداعمًا لقوته وتحديث أسلحته، وفى وثيقة السفارة الأمريكية بالقاهرة رقم 982 بتاريخ 41 /4/5002 التى بعثت بها السفارة إلى وزارة الخارجية ونشرها موقع "ويكليكس" تقول "إن الولايات المتحدة وإسرائيل طلبتا تخفيض عدد قوات الجيش المصري، إلا أن المشير حسين طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع رفض هذا الطلب بقوة، بل إنه سعى ومنذ هذا الوقت إلى تحديث الجيش المصرى وتنويع مصادر سلاحه".
وقالت الوثيقة "إن لقاء تم رصده خلال زيارة المشير طنطاوى إلى الصين، طلب خلاله المساعدة فى تحديث الجيش المصرى بعيدًا عن الولايات المتحدة".
وأشارت الوثيقة "ان المشير طنطاوى هو الشخص الوحيد الذى كان يسعى إلى تطوير سلاح الجيش المصري، وأن الجيش المصرى قبيل طنطاوى كان متأخرًا عن إسرائيل بنحو 30 عامًا، وأنه فى عام 2005 ـ وقت كتابة الوثيقة ـ كان الجيش المصرى قد سبق الجيش الإسرائيلى فى الكم والنوع بثلاثة أعوام".
وفى وثيقة أخرى نشرها موقع "ويكليكس" وحملت رقم 542 بتاريخ 81 مارس 8002 تحت عنوان "سرى للغاية" جاء فيها نقلاً عن دبلوماسيين بالسفارة الأمريكية بالقاهرة "إن المشير طنطاوى رفض خلال مقابلة وفد أمنى أمريكى قيام وحدات الأسطول الأمريكى بتفتيش الموانئ المصرية، وهى العمليات التى تتعرض لها معظم دول البحر المتوسط العربية والإفريقية"، وقال مهددًا: "إن وزارة الدفاع والجيش المصرى سوف يتصديان للسفن الأمريكية التى تفكر فى خرق الحدود المصرية فى الوقت الذى أبدى فيه الوفد الأمريكى استياؤه واندهاشه من الرفض المصري".
وقالت الوثيقة إن المشير طنطاوى قال للوفد "إنه طالما كان موجودًا على رأس وزارة الدفاع فإن الأسطول الأمريكى لن يتمكن من اختراق المياه الإقليمية المصرية وبالرغم من تهديدات الوفد الأمريكى بإدراج مصر على قائمة الدول غير المتعاونة فى تطبيق إجراءات السلامة البحرية، إلا أن المشير طنطاوى أصر على الرفض".
وفى برقية أخرى نشرها موقع "ويكليكس" نقلاً عن السفارة الأمريكية بالقاهرة جاء فيها "إن الجيش المصرى رفض ضغوطًا أمريكية لتعديل استراتيجيته فى التصدى لتهديدات إقليمية"، ونقلت عن الجانب المصرى قوله "إن الأمن القومى المصرى خط أحمر لا يمكن للولايات المتحدة تجاوزه"!
تلك هى الثوابت التى حكمت المشير وقادة المجلس العسكرى طيلة المرحلة الانتقالية وحتى تسليم السلطة والوفاء بالعهد.
وفى خلال هذه الفترة شهدت البلاد تطورات خطيرة وأحداثًا جسيمة، ومؤامرات متعددة استهدفت الجيش والوطن، وسعت إلى إسقاط الدولة، إلا أن حكمة المشير ووعيه بالتحديات والمخاطر التى استهدفت البلاد مكنته من إجهاض كافة هذه المخططات والحفاظ على وحدة الجيش والدولة.