الأربعاء 22 مايو 2024

‭ ‬الانحياز‭ ‬للوطن‭ ‬وتجنب‭ ‬السياسة


حلمي النمنم

مقالات21-11-2021 | 14:19

حلمي النمنم

واحد‭ ‬وعشرون‭ ‬عاماً‭ ‬قضاها‭ ‬المشير‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوى‭ ‬وزيراً‭ ‬للدفاع‭, ‬تولى‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬الرفيع‭ ‬سنة‭ ‬1991‭, ‬فى‭ ‬أعقاب‭ ‬معركة‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭, ‬وظل‭ ‬يشغله‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ; ‬وبشكل‭ ‬عام‭ ‬فإن‭ ‬سمة‭ ‬مميزة‭ ‬لعصر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬حسنى‭ ‬مبارك‭, ‬هو‭ ‬طول‭ ‬المدة‭ ‬التى‭ ‬ظل‭ ‬خلالها‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الوزراء‭ ‬فى‭ ‬مواقعهم‭, ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سنوات‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوى‭ ‬هى‭ ‬الأطول‭ ‬بين‭ ‬السادة‭ ‬الوزراء‭ , ‬وزارات‭ ‬مثل‭ ‬الإعلام‭, ‬الزراعة‭, ‬المواصلات‭, ‬الثقافة‭ ‬وغيرها‭ ‬اقترب‭ ‬الوزير‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭, ‬بل‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬الربع‭ ‬قرن‭ ‬بشهور‭.‬

فى‭ ‬تاريخ‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع؛‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬اسمها‭ ‬وزارة‭ ‬الحربية،‭ ‬من‭ ‬قبل؛‭ ‬لم‭ ‬يشغل‭ ‬أى‭ ‬وزير‭ ‬الموقع؛‭ ‬لمدة‭ ‬مشابهة؛‭ ‬المشير‭ ‬عبد‭ ‬الحكيم‭ ‬عامر؛‭ ‬تولى‭ ‬الوزارة‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1954‭ ‬وحتى‭ ‬سنة‭ ‬1965؛‭ ‬وظل‭ ‬قائداً‭ ‬عاماً‭ ‬ونائب‭ ‬القائد‭ ‬الأعلى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬حتى‭ ‬يونيه‭ ‬سنة1967؛‭ ‬المشير‭ ‬أبو‭ ‬غزالة؛‭ ‬ظل‭ ‬وزيرا‭ ‬حوالى‭ ‬ثمان‭ ‬سنوات‭ .‬

لكن‭ ‬تجربة‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوى‭ ‬مختلفة‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬الوزراء‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬مبارك‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬شغلوا‭ ‬مواقعهم‭ ‬لفترات‭ ‬أطول،‭ ‬المعروف‭ ‬إدارياً‭ ‬أن‭ ‬بقاء‭ ‬مسؤول‭ ‬فى‭ ‬موقعه‭ ‬مدة‭ ‬طويلة‭ ‬يخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الترهل‭ ‬الإدارى‭ ‬والتكلس‭ ‬الوظيفى،‭ ‬حيث‭ ‬يصبح‭ ‬الأداء‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬روتينيا‭ ‬وبيروقراطياً‭ ‬أكثر،‭ ‬نمطية‭ ‬وتكرار‭ ‬،‭ ‬دون‭ ‬تجديد‭ ‬أو‭ ‬إضافة‭ ‬وتراجع‭ ‬للإبداع؛‭ ‬ومع‭ ‬طول‭ ‬بقاء‭ ‬المسئول‭ ‬فى‭ ‬موقعه‭ ‬الوظيفى؛‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحلق‭ ‬حوله‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المعاونين‭ ‬والمساعدين؛‭ ‬يصبحون‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬مراكز‭ ‬قوى؛‭ ‬يمنعون‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬الترقي‭ ‬ويغلقون‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬الوجوه‭ ‬الشابة‭ ‬والأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬بما‭ ‬يخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الحنق‭ ‬والتذمر‭ ‬المكتوم؛‭ ‬وفى‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬قد‭ ‬يتسرب‭ ‬الفساد‭ ‬إلي‭ ‬بعض‭ ‬الممارسات‭ ‬وإلى‭ ‬بعض‭ ‬الأسماء؛‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬عالميا؛‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬بلاد‭ ‬الدنيا؛‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها،‭ ‬مكارثى‭ ‬والمكارثية‭ ‬نموذجا‭ ‬،‭ ‬وجرى‭  ‬فى‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتى‭  ‬أيضا‭.. ‬وعندنا‭ ‬حدث‭ ‬أنه‭ ‬بمجرد‭ ‬ترك‭ ‬بعض‭ ‬الوزراء‭ ‬مواقعهم‭ ‬تكشفت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬السلبية؛‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬بعض‭ ‬حالات‭ ‬فساد‭ ‬فجة‭ ‬وأحيلت‭ ‬إلى‭ ‬القضاء؛‭ ‬إحدى‭ ‬الوزارات‭ ‬غادرها‭ ‬الوزير‭ ‬ليكتشف‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬بعده‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ديونا‭ ‬مستحقة‭ ‬على‭ ‬الوزارة‭ ‬تجاوزت‭ ‬13‭ ‬مليار‭ ‬جنيه،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مظالم‭ ‬إدارية‭ ‬عديدة‭ ‬وملفات‭ ‬فاحت‭ ‬رائحتها‭ ‬وجب‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬ويتم‭ ‬التحقيق‭ ‬فيها،‭ ‬وصلت‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭.‬

فى‭ ‬حالة‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوى‭ ‬الأمر‭ ‬يختلف‭ ‬كثيراً،‭ ‬هناك‭ ‬قواعد‭ ‬وضوابط‭  ‬صارمة‭ ‬تضمن‭ ‬الترقى‭ ‬بين‭ ‬الدفعات،‭ ‬وتحول‭ ‬دون‭ ‬سيطرة‭ ‬فرد‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬أبدى؛‭ ‬هناك‭ ‬شروط‭ ‬وضوابط‭ ‬صارمة‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬المعيار‭ ‬فيها‭ ‬الكفاءة‭ ‬والالتزام،‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬المعروفة‭ ‬للجميع‭ ‬فرض‭ ‬حالة‭ ‬موازية‭ ‬من‭ ‬التجديد‭ ‬والتميز،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التفانى‭ ‬والإخلاص؛‭ ‬وهذا‭ ‬يفتح‭ ‬المجال‭ ‬واسعا‭ ‬للتطوير‭ ‬المستمر‭..‬

هذه‭ ‬القواعد‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬طوال‭ ‬الوقت؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الجيش‭ ‬المصرى‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬احترافيته‭ ‬الشديدة‭ ‬وانضباط‭ ‬كل‭ ‬العاملين‭ ‬به؛‭ ‬ونظراً‭ ‬لجسامة‭ ‬مهمة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة؛‭ ‬فإن‭ ‬عين‭ ‬القيادة‭ ‬ممثلة‭ ‬هنا‭ ‬فى‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوى؛‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬أحدث‭ ‬التطورات‭ ‬العالمية،‭ ‬كل‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬اختصاصه؛‭ ‬ولذا‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬البعثات‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬لتحصيل‭ ‬الزمالة‭ ‬العسكرية‭" ‬الدكتوراه‭" ‬من‭ ‬كبرى‭ ‬الأكاديمات‭ ‬العسكرية‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬ويواكب‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬متابعة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد‭ ‬ويناسب‭ ‬بلادنا‭ ‬واحتياجاتنا،‭ ‬ويغطى‭ ‬مطالب‭ ‬الأمن‭ ‬القومى‭ ‬المصرى‭ ‬والعربى‭.‬

‭ ‬عادة‭ ‬يتخرج‭ ‬الطالب‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬ويعين‭ ‬فى‭ ‬وظيفة؛‭ ‬ويغلق‭ ‬بذلك‭ ‬باب‭ ‬التعلم‭ ‬والدراسة؛‭ ‬ويكتفى‭ ‬بالوظيفة‭ ‬والخبرة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬تراكم‭ ‬سنوات‭ ‬الخدمة‭ ‬فى‭ ‬موقع‭ ‬بعينه؛‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬موظفا‭ ‬يحكى‭ ‬بفخر‭ ‬أنه‭ ‬ظل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المكتب‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬ثلاثون‭ ‬عاماً‭ ‬متصلة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يبرحه؛‭ ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينتج‭ ‬خبرة‭ ‬ممتدة‭ ‬أو‭ ‬متميزة،‭ ‬لكنها‭ ‬تكون‭ ‬خبرة‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬مكررة‭ ‬30‭ ‬أو‭ ‬25‭ ‬مرة؛‭ ‬فى‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأمر‭ ‬مختلف؛‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تحصيل‭ ‬علمى‭ ‬جديد‭ ‬ومستوى‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬وكل‭ ‬رتبة؛‭ ‬وهكذا‭ ‬يظل‭ ‬التحصيل‭ ‬العلمى‭ ‬متواصلا‭ ‬ومستمرا‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقضى‭ ‬عمره‭ ‬فى‭ ‬موقع‭ ‬واحد؛‭ ‬بل‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التنقل‭ ‬كل‭ ‬فترة‭ ‬لأسباب‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬اكتساب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬والتجارب‭.‬

حافظ‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوى‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬التقاليد‭ ‬والقواعد؛‭ ‬وزادها‭  ‬رسوخا‭ ‬وأضاف‭ ‬إليها‭ ‬الكثير،‭ ‬والواقع‭ ‬أنه‭ ‬تمتع‭ ‬بعدة‭ ‬سمات‭ ‬أفادتنا‭ ‬جميعا،‭ ‬أبرزها‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬تواضعا‭ ‬جما‭ ‬وزهدا‭ ‬حقيقيا،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يكن‭ ‬تسميته‭ ‬‮«‬رضا‭ ‬تام‮»‬‭ ‬بما‭ ‬قسمه‭ ‬له‭ ‬الله،‭ ‬وكان‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬أى‭ ‬إنسان‭ ‬فى‭ ‬موقع،‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الزمن‭ ‬به،‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬أدى‭ ‬دوره‭ ‬يوما‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يهيئ‭ ‬الطريق‭ ‬لمن‭ ‬يجيئون‭ ‬بعده،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يقطع‭ ‬الطريق‭ ‬عليهم،‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬مثاليا‭ ‬امتلك‭ ‬تطلعا‭ ‬دائما‭ ‬للمستقبل،‭ ‬لذا‭ ‬راهن‭ ‬على‭ ‬الشباب‭ ‬وأعطاهم‭ ‬الفرص،‭ ‬ولما‭ ‬تقرر‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭ ‬موقعه‭ ‬سنة‭ ‬2012‭ ‬رشح‭ ‬الأكفأ‭ ‬والأكثر‭ ‬شبابا،‭ ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬اللواء‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسى،‭ ‬الذى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬رتبة‭ ‬مشير،‭ ‬ليتولى‭ ‬موقع‭ ‬القائد‭ ‬العام،‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬والإنتاج‭ ‬الحربى،‭ ‬وقد‭ ‬واصل‭ ‬الطريق‭ ‬بعزم‭ ‬أكبر‭ ‬وحماس‭ ‬أشد،‭ ‬حتى‭ ‬ترك‭ ‬موقعه‭ ‬بتكليف‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬ليتولى‭ ‬مهمة‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭.‬

ميزة‭ ‬أخرى‭ ‬تمتع‭ ‬بها‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوى،‭ ‬هى‭ ‬قدرته‭ ‬الفائقة‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬وطنى‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬سياسى،‭ ‬وقد‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتجنب‭ ‬كل‭ ‬ماهو‭ ‬سياسى،‭ ‬مقتضيات‭ ‬الواقع‭ ‬والشأن‭ ‬الجارى‭ ‬يوميا‭ ‬يفرض‭ ‬ذلك،‭ ‬أما‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬وطنى‭ ‬فهو‭ ‬الثابت‭ ‬والمؤكد،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينحاز‭ ‬له‭ ‬الجيش،‭ ‬قادة‭ ‬وضباط‭ ‬وجنودا،‭ ‬ليس‭ - ‬فقط‭- ‬انحياز‭ ‬لكنها‭ ‬عقيدته،‭ ‬والجيش‭ ‬المصرى‭ ‬ارتبط‭ ‬ارتباطا‭ ‬وثيقا‭ ‬بالدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تأسست‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬وهكذا‭ ‬فى‭ ‬سنوات‭ ‬التسعينيات‭ ‬وما‭ ‬بعدها،‭ ‬حين‭ ‬هبت‭ ‬رياح‭ ‬الفوضى‭ ‬العاتية‭ ‬وبان‭ ‬للجميع‭ ‬مدى‭ ‬الترهل‭ ‬الإدارى‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القطاعات،‭ ‬ظلت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬الحصن‭ ‬المتين‭ ‬الذى‭ ‬يستند‭ ‬عليه‭ ‬الجميع‭ ‬ويأمنون‭ ‬به‭ ‬وله‭.‬

حدث‭ ‬خلال‭ ‬حكومة‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬نظيف‭ ‬الثانية‭ ‬أن‭ ‬وقعت‭ ‬أزمة‭ ‬فى‭ ‬إنتاج‭ ‬وتوزيع‭ ‬رغيف‭ ‬الخبز،‭ ‬كانت‭ ‬الأزمة‭ ‬خانقة،‭ ‬وبات‭ ‬المجتمع‭ ‬مهددا،‭ ‬وعجزت‭ ‬وزارة‭ ‬التموين‭ ‬عن‭ ‬التصرف،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬اللغط‭ ‬والتكهن‭ ‬السياسى،‭ ‬وامتلأ‭ ‬الشارع‭ ‬وقتها‭ ‬بالشائعات،‭ ‬هنا‭ ‬كلفت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بالتدخل،‭ ‬وفورا‭ ‬تم‭ ‬إنقاذ‭ ‬الموقف‭ ‬وحلت‭ ‬المشكلة‭ - ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬السريع‭ ‬والمنقذ،‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬المصرى‭ ‬بأن‭ ‬يأمن‭ ‬بوجود‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬وأن‭ ‬يثق‭ ‬فى‭ ‬أنها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التدخل‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭.‬

وتصور‭ ‬البعض‭ ‬وقتها‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأداء‭ ‬المتميز‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬سوف‭ ‬يتم‭ ‬توظيفه‭ ‬أو‭ ‬استثماره‭ ‬سياسيا،‭ ‬لكن‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوى‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬تماما،‭ ‬تصرف‭ ‬بمنطق‭ ‬الجندى‭ ‬المجهول‭/ ‬المعلوم،‭ ‬لم‭ ‬يتحدث‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬نهائيا،‭ ‬لا‭ ‬هو‭ ‬ولا‭ ‬أى‭ ‬من‭ ‬القادة،‭ ‬مهمة‭ ‬وطنية‭ ‬تم‭ ‬إنجازها‭ ‬فى‭ ‬هدوء‭ ‬وصمت‭ ‬تام،‭ ‬وإن‭ ‬شئنا‭ ‬الدقة‭.. ‬وإنكار‭ ‬للذات‭.‬

الفصل‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬وطنى‭ ‬أصيل‭ ‬ثابت‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬سياسى،‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬أنقذ‭ ‬مصر‭ ‬والمصريين‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬الفوضى‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2011‭ ‬حتى‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬30‭ ‬يونية،‭ ‬3‭ ‬يوليو‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬ابتعد‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوى‭ ‬وكل‭ ‬القادة‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬سياسى،‭ ‬تركوا‭ ‬السياسة‭ ‬للسياسيين‭ ‬وللشارع،‭ ‬واهتموا‭ ‬هم‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬الوطن‭ ‬كله‭ ‬وحماية‭ ‬المواطنين،‭ ‬بلا‭ ‬تمييز‭ ‬بين‭ ‬مؤيد‭ ‬أو‭ ‬معارض‭.. ‬انحاز‭ ‬المشير‭ ‬للقيم‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهكذا‭ ‬تم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬وصيانة‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬أرادوا‭ ‬العبث‭ ‬سعيا‭ ‬لميول‭ ‬طائفية‭ ‬وأهواء‭ ‬ومشاريع‭ ‬متشددة،‭ ‬وحتى‭ ‬تسربلت‭ ‬ببعض‭ ‬المظاهر‭ ‬الدينية‭.‬

حين‭ ‬نزلت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬مساء‭ ‬28‭ ‬يناير‭ ‬2011‭ ‬بعد‭ ‬موجة‭ ‬التخريب‭ ‬التى‭ ‬قادتها‭ ‬عناصر‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية،‭ ‬تخوف‭ ‬كثيرون‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬وتخوف‭ ‬البعض‭ ‬منه،‭ ‬الخائفون‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬يدركون‭ ‬خطورة‭ ‬تواجد‭ ‬القوات‭ ‬فى‭ ‬الشوارع‭ ‬والميادين‭ ‬وسط‭ ‬المواطنين،‭ ‬قد‭ ‬يقع‭ ‬استفزاز‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬موقف‭ ‬وبالفعل‭ ‬وقعت‭  ‬عدة‭ ‬استفزازات‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يجر‭ ‬الجيش‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬منها،‭ ‬وظل‭ ‬دائما‭ ‬بين‭ ‬الوطن‭ ‬والشعب،‭ ‬الخائفون‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬تصوروا‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬منحازا‭ ‬ضد‭ ‬المواطنين‭ ‬فى‭ ‬الشارع،‭ ‬لكن‭ ‬بميزان‭ ‬حساس‭ ‬ودقيق،‭ ‬نجح‭ ‬الجيش‭ ‬المصرى‭ ‬بفضل‭ ‬قيادة‭ ‬المشير‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوى‭ ‬وكل‭ ‬القادة‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بحماية‭ ‬المواطنين‭ ‬جميعا‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬الفوضى‭ ‬والبلطجية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬اقتحام‭ ‬السجون‭ ‬وأطلق‭ ‬المساجين‭ ‬الجنائيين‭ ‬فى‭ ‬الشوارع،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كسرت‭ ‬هيبة‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭.. ‬ولذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬هى‭ ‬الحكم‭ ‬والطرف‭ ‬الذى‭ ‬ارتضاه‭ ‬الجميع‭ ‬يوم‭ ‬11‭ ‬فبراير‭ ‬2011‭ ‬لتولى‭ ‬شئون‭ ‬البلاد‭ : ‬وتلك‭ ‬فترة‭ ‬وصفحة‭ ‬مجيدة‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬وتاريخ‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬المصرية‭ ‬والمشير‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوى‭ ‬شخصيا،‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تدرس‭ ‬ويكتب‭ ‬عنها‭ ‬بالتفصيل‭ ‬للتاريخ‭ ‬وللذاكرة‭ ‬الوطنية‭.‬

رحم‭ ‬الله‭ ‬المشير‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوى‭ ‬وعاشت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬وتحيا‭ ‬مصر‭ ‬قوية‭ ‬عزيزة‭ ‬دائما‭.‬