الثلاثاء 21 مايو 2024

المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬الإنسان


د . هدى درويش

مقالات21-11-2021 | 15:29

د . هدى درويش

المشير‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوي‭ ‬شخصية‭ ‬مصرية‭ ‬قيادية‭ ‬فذة‭ ‬ورجل‭ ‬عسكري‭ ‬متميز‭, ‬التحق‭ ‬بالكلية‭ ‬العسكرية‭ ‬عام‭ ‬1952‭, ‬وتخرج‭ ‬عام‭ ‬1956‭, ‬ثم‭ ‬تدرج‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬والرتب‭ ‬العسكرية‭ ‬حتي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬رتبة‭ ‬عميد‭ ‬وقائد‭ ‬كتيبة‭ ‬وقائد‭ ‬أعلى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬ووزير‭ ‬للدفاع‭ ‬والإنتاج‭ ‬الحربى‭ ‬الأسبق‭, ‬ورئيسا‭ ‬للمجلس‭ ‬العسكري‭ ‬الحاكم‭ ‬لمصر‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬وحتى‭ ‬2012‭, ‬والقائد‭ ‬العسكري‭ ‬الذى‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬خمسة‭ ‬حروب‭ ‬والحاصل‭ ‬على‭ ‬أرفع‭ ‬النياشين‭ ‬والأوسمة‭.‬

ترجع‭ ‬نشأة‭  ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬إلى‭ ‬الأصول‭ ‬النوبية‭  ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬منذ‭ ‬القدم،‭ ‬وكان‭ ‬للأسر‭ ‬النوبية‭ ‬تاريخ‭ ‬عريق‭  ‬حيث‭ ‬حكمت‭  ‬مصر‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬نواحي‭ ‬الحياة‭ ‬وكان‭ ‬مشهودا‭ ‬لها‭ ‬بالكفاءة‭ ‬والعراقة‭ ‬ومنهم‭  ‬مينا‭ ‬حاكم‭ ‬مصر‭.‬
والمشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬حفيد‭ ‬هؤلاء‭ ‬النوبيين‭ ‬المتميزين‭ ‬بعلو‭ ‬الهمة‭ ‬والأصالة‭ ‬والعراقة‭ ‬وطيب‭ ‬الأخلاق‭.‬

‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬أكتوبر‮ ‬1935،‮ ‬بحي‭ ‬عابدين بالقاهرة،‭ ‬لأب‭ ‬نوبي‮ ‬‭ ‬من‭ ‬قرية أبو‭ ‬سمبل‭ ‬‮ ‬بأسوان‭. ‬وعرف‭ ‬والده‭ ‬بالخير‭ ‬والتواصل‭ ‬الطيب‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬قريته،‭ ‬وقد‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬والده‭ ‬بالخاتمة‭ ‬الحسنة‭ ‬حين‭ ‬أدركته‭ ‬الوفاة‭ ‬بأرض‭ ‬الحجاز‭ ‬أثناء‭ ‬أدائه‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬ودفن‭ ‬في‭ ‬أرضها‭ ‬الطاهرة‭.‬

وعاشت‭ ‬والدته‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المسكن‭ ‬بعابدين‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬عاماً‭ ‬حتى‭ ‬توفيت‭ ‬في‭ ‬عام‮ ‬‭ ‬2000م‭. ‬

ورغبة‭ ‬مني‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬الجانب‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬كبيرة‭ ‬بزوج‭ ‬أختي‭ ‬اللواء‭ ‬أ‭. ‬ح‭ . ‬دكتور‭ ‬مقبل‭ ‬الشافعي‭ ‬رئيس‭ ‬الهيئة‭ ‬الهندسية‭ ‬سابقا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أتاح‭ ‬لي‭ ‬اللقاء‭ ‬بسيادته‭ ‬في‭ ‬أكثر
من‭ ‬مناسبة‭ - ‬أشار‭ ‬علي‭ ‬اللواء‭ ‬مقبل‭ ‬بالتحدث‭ ‬مع‭ ‬أبرز‭ ‬الشخصيات‭ ‬والقادة‭ ‬العسكريين‭ ‬قربًا‭ ‬الى‭ ‬قلب‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬وهو‭ ‬السيد‭ ‬اللواء‭ ‬الدكتور‭ ‬سمير‭ ‬فرج‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬منصب‭ ‬مدير‭ ‬الشؤون‭ ‬المعنوية‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬أقرب‭ ‬المحبوبين‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭. ‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬حديث‭ ‬يتسم‭ ‬بالصدق‭ ‬والأصالة‭ ‬والشرف‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬المخلصين‭ ‬لوطنهم‭  ‬الذين‭ ‬يمتلكون‭ ‬كاريزما‭ ‬القيادة‭ ‬والإدارة،‭ ‬بجانب‭ ‬روح‭ ‬التدين‭ ‬والإيمان،‭ ‬تحدثت‭ ‬مع‭ ‬اللواء‭ ‬سمير‭ ‬فرج‭ ‬فقال‭: ‬

تعلم‭ ‬التقاليد‭ ‬النوبية‭ ‬العظيمة‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظفاره‭ ‬فنشأ‭ ‬مؤمنا‭ ‬محافظا‭ ‬على‭ ‬الصلاة‭ ‬محبا‭ ‬لدينه‭ ‬وأهله‭ ‬وكل‭ ‬أبناء‭ ‬وطنه‭.‬

وعند‭ ‬وفاة‭ ‬والده‭ ‬كان‭ ‬المشير‭ ‬في‭ ‬السابعة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬فأتمت‭ ‬أمه‭  ‬تربيته،‭ ‬وجمعه‭ ‬بها‭ ‬رباط‭ ‬عظيم،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬النوم‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬الاطمئنان‭ ‬عليها‭ ‬يوميا،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬والدته‭ ‬أولا‭ ‬قبل‭ ‬بيته‭.‬

ولم‭ ‬ينقطع‭ ‬عن‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬جمعية‭ ‬أبو‭ ‬سمبل‭ ‬الخيرية‭ ‬بالقاهرة‭- ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عضوا‭ ‬فيها‭- ‬لتأدية‭ ‬واجبات‭ ‬العزاء،‭ ‬ومتابعة‭ ‬أخبار‭ ‬أهله‭ ‬في‭ ‬أبي‭ ‬سمبل،‭ ‬وكان‭ ‬يتواصل‭ ‬مع‭ ‬الحالات‭ ‬المرضية‭ ‬في‭ ‬القرية،‭ ‬ويقوم‭ ‬بتقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬ماله‭ ‬الخاص‭ ‬موصيًا‭ ‬بإخفاء‭ ‬ذلك‭ ‬وعدم‭ ‬ذكره‭. ‬

كما‭ ‬كان‭ ‬المشير‭ ‬يسعد‭ ‬كثيرًا‭ ‬بأحفاده‭ ‬ويستمتع‭ ‬بهم،‭ ‬ويقضى‭ ‬معهم‭ ‬أسعد‭ ‬أوقاته،‭ ‬وكان‭ ‬متعلقًا‭ ‬بهم‭ ‬كثيرًا‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬أيامه،‭ ‬وكان‭ ‬سعيدًا‭ ‬بمهارة‭ ‬حفيده‭ ‬‮«‬حسين‮»‬‭ ‬في‭ ‬لعب‭ ‬الكرة‭ ‬مثله‭. ‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬زملائه‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬وحرصا‭ ‬على‭ ‬رعايتهم‭  ‬يذكر‭ ‬اللواء‭ ‬سمير‭ ‬الجمعية‭ ‬المصرية‭ ‬لرعاية‭ ‬أسر‭ ‬المجندين‭  ‬التي‭ ‬أنشأها‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬وتعهده‭ ‬برعايتهم‭ ‬ورعاية‭ ‬أسرهم‭ ‬وأولادهم،‭ ‬خاصة‭ ‬الجنود‭ ‬المعاقين‭ ‬منهم،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تقديمه‭ ‬الحلول‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يواجه‭ ‬الفرد،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬المعيشية‭ ‬الشخصية،‭ ‬وكذلك‭ ‬توفير‭ ‬الحج‭ ‬والعمرة‭ ‬لأسر‭ ‬المجندين‭. ‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬المجتمعي‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬مناسبة‭ ‬عزاء‭ ‬أو‭ ‬فرح‭ ‬إلا‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يحضر،‭ ‬ويقوم‭ ‬بعلاج‭ ‬الأسر‭ ‬الفقيرة،‭  ‬وكذلك‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬مصروفات‭ ‬الدراسة‭ ‬لغير‭ ‬القادرين‭ ‬منهم‭  ‬وخاصة‭ ‬أبناء‭ ‬قرى‭ ‬الصعيد‭. ‬

وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يهدي‭ ‬الأسر‭ ‬أشياء‭ ‬ومستلزمات‭ ‬أساسية‭ ‬لبيوتهم‭ ‬في‭ ‬احتفالات‭ ‬أكتوبر‭. ‬كما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬المشير‭ ‬الإنسانية‭ ‬والخيرية‭ ‬بناؤه‭ ‬50‭ ‬‭ ‬بيتا‭ ‬لأبناء‭ ‬قريته‭ ‬في‭ ‬أسوان‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭.‬

ذلك‭ ‬هو‭ ‬الجانب‭ ‬الإنساني‭ ‬الذى‭ ‬امتلأت‭ ‬به‭ ‬شخصية‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭  ‬المتميزة‭ ‬بالحكمة‭ ‬وضبط‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الصعبة،‭ ‬ويذكر‭ ‬اللواء‭ ‬سمير‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬منضبطا‭ ‬ملتزما‭ ‬نظيف‭ ‬اليد،‭ ‬متذوقا‭ ‬جيدا‭ ‬للشعر،‭ ‬محبًا‭ ‬لأشعار‭ ‬المتنبي‭. ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬اتصف‭ ‬به‭ ‬المشير‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬وحزم‭ ‬وصرامة‭ ‬إنما‭ ‬كان‭ ‬بهدف‭ ‬تحويل‭ ‬أفراد‭ ‬حرب‭ ‬الخنادق‭ ‬إلى‭ ‬جيش‭ ‬منضبط‭ ‬له‭ ‬مكانته‭ ‬العسكرية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬فأصبح‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬كما‭ ‬أراد،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭  ‬من‭ ‬الجيوش‭ ‬المعدودة‭ ‬عالميا‭.‬

وبعد‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية‭ ‬والبطولة‭ ‬والصمود‭ ‬والشجاعة،‭ ‬رحل‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي،‭ ‬تاركًا‭ ‬وراءه‭ ‬سيرة‭ ‬عطرة،‭ ‬وبطولات‭ ‬لقائد‭ ‬عظيم‭ ‬نجح‭ ‬فى‭ ‬إدارة‭ ‬بلاده‭  ‬باقتدار‭ ‬منقطع‭ ‬النظير،‭ ‬سوف‭ ‬تحكى‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬وتدرس‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬عن‭ ‬خدمته‭ ‬لبلاده‭ ‬وحبه‭ ‬لوطنه‭ ‬وتضحيته‭ ‬من‭ ‬أجله‭.‬

وقد‭ ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسي‭ ‬على‭ ‬إنسانية‭ ‬ونزاهة‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬الذى‭ ‬قاد‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬صعبة،‭ ‬معبرًا‭ ‬عن‭ ‬تقديره‭ ‬تلك‭ ‬الشخصية‭ ‬المصرية‭ ‬الفذة‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسي‭ ‬حالة‭ ‬الحداد‭ ‬الرسمي‭ ‬فى‭ ‬البلاد‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي،‭ ‬وقرر‭ ‬خلال‭ ‬افتتاحه‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬المشروعات‭ ‬التنموية‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬إطلاق‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الهايكستب‭ ‬العسكرية‭ ‬تقديرا‭ ‬واحتراما‭ ‬لدوره‭ ‬فى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصرنا‭ ‬الحبيبة‭. ‬

وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬تم‭ ‬تشييد‭ ‬مسجد‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬ويعد‭ ‬أحد‭ ‬المساجد‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القاهرة‭ ‬تخليدًا‭ ‬لدوره‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭. ‬

‭ ‬لقد‭ ‬رحل‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬تاركا‭ ‬أجيالا‭ ‬أبطالا‭ ‬يذكرون‭ ‬بطولته‭ ‬العظيمة‭ ‬وأخلاقه‭ ‬السامية‭  ‬وإنسانيته‭  ‬وتضحياته‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تنسى‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الواجب‭ ‬وحب‭ ‬الوطن‭ .. ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬البطل‭ ‬الإنسان‭.