السبت 18 مايو 2024

«مارسيل تينير» تبسط علاقة المرأة والرجل منذ فجر التاريخ في «تاريخ الحب»

كتاب تاريخ الحب

ثقافة22-11-2021 | 16:56

محمد الحمامصي

تجول الكاتبة الفرنسية مارسيل تينير في كتابها "تاريخ الحب" لتبسط علاقة المرأة والرجل منذ فجر التاريخ إلى العصر الحديث، لتلقي الضوء على طبيعة عاطفة الحب لدى الشعوب البدائية والمتوحشة وقدماء المصريين والرومان والإغريق والأوربيين والعرب، وفي الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام، وذلك انطلاقا من رؤية شديدة البساطة والأسلوب، مؤكدة أن الحب العاطفي كما نفهمه اليوم لم يولد مع الإنسانية كالجوع والظمأ والخوف والرغبة الجسمانية المحضة، وأن الإنسان الأول في عصر المغاور والكهوف كان يخضع لغريزته الأصلية وكان يرضى عن نفسه متى امتلك الأنثى امتلاكًا طبيعيًا عاديًا.

وقالت في كتابها "في اليوم الأول الذي عدل الرجل الأول عن اختطاف الأنثى الشابة، وآثر أن يستميلها بالحسنى ويقدم لها عقدا من العظم أو القواقع كي تعطف عليه، وتمنحه ذاتها من تلقاء نفسها، في اليوم الذي تمنى الرجل الأول أن يفوز من الأنثى بابتسامة أو دعابة أو شبه إحساس يدل على أنها عطفت عليه ومالت إليه بمطلق حريتها، في ذلك اليوم انبثقت عاطفة الحب وولدت من صلب البهيمية الوضعية الأولى. فالرجل المتوحش الأول أراد على مر الزمن أن تختاره المرأة بملء حريتها، أراد أن ينعم بهذه اللذة الجديدة، أراد أن يعتقد أن المرأة اختارته لأنه أجمل وأقوى من سواه، وباختصار؛ ابتدع الحب وأراد أن يكون محبوبا، وشعرت الأنثى أن هذا الانقلاب جاء في مصلحتها ومصلحة جنسها. وهذا طبيعي لأن الحب في الأصل يقوم على التفضيل والإيثار، على تفضيل شخص على آخر تفضيلا يجهل العقل بواعثه وأسبابه، ومن كانت قوة الحب وتعلقه المفاجئ وسرعة تقلبه أيضا" .

قسمت تينير كتابها الصادر عن فرست بوك إلى عدة أبواب كل باب يختص فترة زمنية أو حضارة من الحضارات أو ديانة من الدينات السماوية، وصولا للعصر الحديث حيث تطرقت لعاطفة الحب في الشرق والغرب ورؤى الفلاسفة وعلماء النفس لها.. وأوضحت أن المرأة استغلت موقف الرجل هذا، أرادت أن تزيده تعلقا بها؛ فتمنعت وتدللت، وأعرضت وتركت عقد العظم الذي قدمه لها بصفة هدية، يقع منها، ثم فرت واختفت خلف الأشجار، وقبعت هناك وظلت تنظر إلى الرجل وهو مقبل عليها وقد ثارت ثائرته واحتدمت كبرياؤه وعصف به الغضب، ولما دنا منها وقبض عليها قاومته واجترأت عليه وفعلت كما تفعل الهرة، أي خدشته بأظفارها في أنفه، ثم استسلمت له ولسان حالها يقول "أنت أجمل وأقوى وأفضل من الآخرين". وصدقها الرجل أما هي نفسها فلم تعرف حتى الآن مبلغ عاطفتها في تفضيل رجل على رجل وإنسان على إنسان" .

وأضافت "هكذا ولد الحب أو جرثومة الحب، الذي عرفته الإنسانية فيما بعد وكان فيها فرحها ومنه شقاؤها، وكان لابد من انقضاء قرون طوال قبل أن يتخذ الحب المظهر الذي ألفته الحضارة الغربية، والواقع أن كل زمن وكل جنس وكل شعب، جلب إلى عاطفة الحب طابعا جديدا وأضفى عليها لونا معينا ولغة خاصة، والغريب أن كل عاشق حاول أن يخلق خلقا جديدا ويبدعه إبداعا مستقلا يتفق مع أهوائه وميوله، ومع ذلك فقد ظل الحب هو هو لا يتغير، ظل غريزة جنسية تجملها أفانين الخيال وتلطفها وتخفف من حدتها وتحمل الإنسان على تناسيها أو على نسيانها. وقد عرف الروائي بلزاك الحب بأنه "شعر الحواس" وقال عنه العلامة لويس مينار "إنه طفل يريد أن يولد"، ووصفه الفيلسوف شوبنهور بأنه "شرك نصبته للإنسان غريزة النوع" .

وتابعت تينير "لكن أليس بوسعنا أن نقول بكل بساطة إن الحب هو المخيلة الشعرية مضافة إلى الغريزة. الحق إن الغريزة الجنسية أو غريزة النوع تكفي لنصب الشرك الذي يقع فيه الرجل والمرأة، والذي يدفع بهما إلى إنتاج النسل، ولكن هناك حبا يظل بين الرجل والمرأة بدون نسل وبدون أن تسيطر عليه غريزة النوع، هناك حب يتغذى من نفسه ويعيش من المخيلة الشعرية والفنية أضعاف ما يعيش من غريزة النوع، بل إن غريزة النوع قد تهدمه، وإنتاج النسل قد يقضي عليه، كما نشاهد ذلك في بعض العائلات التي يقام فيها الزواج على أساس مادي محض وبمعزل عن عاطفة الحب، كما بسطناها باعتبارها وحدة مؤقتة من الغريزة والمخيلة أي من المادة والروح.

ورأت أن العلاقات الغرامية عند المصريين القدماء علاقات هوى مشبوب عنيف يمازجه القتل وسفك الدماء، بل علاقات جنسية طبيعية يلطف من حدتها نوع من الحنان المداعب الرقيق، كما تدل على ذلك أشعارهم التي كشف العلماء عنها. كانت أثواب الفتى والفتاة شفافة رقيقة، وكانا لا يجهلان سر العلاقة الطبيعية، وإني لأتصورهما؛ أتصور الفتاة المصرية شبيهة بمغنية معبد آمون التي ترقد مومياتها في نعش من البلور في المتحف البريطاني، أتصورها كالفتيات اللواتي رأيتهن في صعيد مصر، دقيقات التقاطيع، رقيقات الملامح، مكحلات العيون، باسمات، متفززات، أتصورها مثلهن وأحاول بعثها وأضفي عليها غلالتها الشفافة القديمة التي تبرز منها عنقها اللين، وتتراءى من خلالها أوضاع بدنها الغض، أحاول إحياءها، فأناولها القيثارة رست عليها مختلف الوجوه وشتى العصافير، وها هي حية، وها هي تغني قصيدة من الشعر المصري القديم: تقول "يا صديقي الجميل، أتمنى أن أعيش وإياك كامرأتك، أتمنى أن تضع ذراعك على ذراعي وتمضي وفق هواك، وعندئذ أشكو لقلبي المحبوس في صدرك كل آلامي، ولو أنك يا أخي الأكبر لا تزورني الليلة فلابد أن أصبح كسكان القبور، أولست أنت الصحة والحياة؟ أولست أنت حامل الفرح والصحة إلى قلبي الذي يبحث عنك؟.. إن جماهير الأطيار تتلاقى على النهر، ولكني أنصرف عنها ولا أفكر إلا فيك يا غرامي، لأن قلبي معقود بقلبك أنت" .

وأشارت تينير إلى ما غناه الفتي المصري العاشق، يقول "أريد أن أرقد في حجرتي لأني مريض بسببك؛ ولأن الجيران قد وفدوا لزيارتي، آه لو ترافقهم أختي، لاستطاعت إذن رد الأطباء عني، لأنها وحدها تعرف سر مرضي". هكذا كان العشاق في مصر القديمة يتبادلون الشكوى ويمزجون الأغاني بالورود والأطيار، كان البط والسنونو واليمام يرفرف ويطير من خلال أغانيهم التي لا تمتاز بعظمتها ولا بعمقها، بل بملاحتها الساحرة ورقتها العميقة وعذوبتها الفاتنة.

وأكدت أن الفارسيات والأشوريات والكلدانيات لم تكن سعيدات سعادة المصريات أخواتهم، حيث كان الاستبداد شائعا في تلك الممالك، وكان جبابرة يسحقون الشعوب، كما تسحق في الخابية حبات العنب، وكانت نساؤها جد شقيات تاعسات. أما الإغريقيات فكن محجبات في البيوت في دور الحريم، وكان الرجل الإغريقي غيورا كل الغيرة على حقوقه كمواطن ورب عائلة، ولم تكن لنساء الإغريق إذ ذاك أية حقوق عامة، وكان رجالهم ينظرون نظرة الاستنكار إلى اختلاط الجنسين في "لاسيديمونيا" واشتراك الفتيات والفتيان في الرقص والألعاب الرياضية، وكان "ليكورجوس" يرى في هذا الاختلاط عاملا من عوامل تخفيف حدة الشهوات ورقي العادات والأخلاق، وحفز الشباب إلى التمسك بالعفة.

ولفتت تينير إلى أن روما في عهد ملوكها الأولين وفي عهد الجمهورية لم تكن تحفل بالحب على الاطلاق، كانت الزوجة تغزل الصوف وتحرس الدار وتجل زوجها إجلالا لوالدها. كانت الزوجة الرومانية تابعة لزوجها ولكنها كانت من الوجهة العمملية أكثر تحررا من المرأة الإغريقية وأوثق اتصالا بحياة زوجها، كانت مواطنة مثله تقاسمه نفس البيت، وتستقبل أصدقاءه وتهتم بحياته العامة وما يدور فيها وتشعر شعورا بالغا بما عليها من واجبات وتعيش في شبه فضيلة صارمة حازمة.

الاكثر قراءة