الأحد 24 نوفمبر 2024

انتصارات رمضان

  • 9-6-2017 | 16:27

طباعة

بقلم : د.عبدالله النجار

يعتبر نصر يوم العاشر من رمضان آية كونية أجراها الله لعباده، حتى تكون تلك الآية الكونية مصدقة للآيات المتلوةّ فى القرآن الكريم والسنة النبوية، وما جرى فى تاريخ الإسلام من أحداث كانت بمثابة المقدمات لهذا النصر الخالد.

ومن ملامح تلك الآية الكونية أنها قد جاءت علامة على أن الصوم يخلق قوة الإيمان، وأن قوة الإيمان هى المدخل الصحيح للنصر، وقد حدث ذلك فى نصر العاشر من رمضان، حيث صنعه المقاتلون المصريون الأبطال وهم صائمون لله عز وجل، بل وفى وقت الذروة من يوم العاشر فى هذا الشهر الكريم, حيث انطلقت إشارة البدء بعبور قناة السويس فى الساعة الثانية من هذا اليوم الميمون وهو وقت الظهيرة، وكان قد مضى على تناول طعام السحور أكثر من تسع ساعات وهى مدة طويلة لم يتناول فيها المقاتلون طعاما أو شراباً، ومع أن الطعام والشراب وسيلة القوة البدنية والمحافظة على لياقة البدن حتى يستطيع أن يقوم بحركاته العادية ونشاطه المألوف، ولو كانت مقاييس هذا النصر عادية لكان الحرمان من الطعام والشراب عاملا سلبيا فى تحقيق النصر, لكن الذى حدث كان على عكس هذا الأمر المعتاد فى حال ترك الطعام والشراب، فلم تكد إشارة البدء تصدر حتى انطلق الجنود كالأسود الثائرة وقد تولدت لديهم قوة بدنية ويقظة عقلية استطاعوا بها أن يزلزلوا أقدام المحتلين وأن يلحقوا بهم أسوأ هزيمة فى التاريخ، وصنعوا بطولة عسكرية وهم صائمون ما زالت كافة الأكاديميات والمدارس العسكرية فى العالم تحتذى بها فى الدراسات العسكرية التى تستهدف تخريج الجنود البواسل القادرين على إنجاز النصر فى أقصر وقت ومن أقرب طريق .

لقد فعلت بركة شهر رمضان فى نفوس المقاتلين فعل السهر، وأحدثت فى أبدان الجنود ما لا يحدثه الطعام والشراب، فصار الصوم عنهما قوة، والقتال مع الالتزام بالصيام أصبح متعة، لم يشعر المقاتلون معها بأنهم عطشى وجياع بل شعروا بأنهم فى غنى عن الطعام والشراب وكما لو كانوا قائمين لتوهم من أعظم الموائد فى أكبر الولائم، فكان نشاطهم زائدا وقوتهم فتية غيرت الموازين، وقلبت المقاييس رأساً على عقب.

لم يكن أحد من المحللين أو المراقبين لموازين القوى بين المسلمين والإسرائيليين يتصور حين قتال نصر العاشر من رمضان أن هذا النصر العظيم يمكن أن يتحقق، فقد كانت إسرائيل تملك آلة إعلامية كبرى لم تكن تكف عن الضجيج، وتصوير إسرائيل على أنها ذات قوة خارقة، وأن جيشها لا يقهر، وطالما تغنى إعلامها بهزيمة الأيام الستة التى أحدثت نكسة 1967 المعروفة إعلامياً, فلم يكد يوم العاشر من رمضان يهل حتى حول ذلك الضجيج الإعلامى إلى سراب ووهم، وتحقق نصر العاشر من رمضان فى ست ساعات، وليس فى ستة أيام كما كانت إسرائيل تتشدق، وأحدث فى صفوف الأعداء فزعاً جعلهم يسلمون أنفسهم أسرى للجنود المصريين الأبطال، وانقلبت موازين المعارك القتالية رأساً على عقب، حتى صار هذا النصر علامة فارقة فى تاريخ الانتصارات ووقفة منفردة فى دراسات المعارك والمواجهات, وإذا كان الله تعالى قد شرع الصوم لتقوية الإيمان، ومن ثم تقوية الإرادة والقوة واليقين والثقة فى الله، ثم فى النفس، فإن ما حدث فى معركة العاشر من رمضان يؤكد هذه الحقيقة الإيمانية ويدل على أن الصوم له صلة وثيقة بتحقيق الانتصارات التى تبدأ بالانتصار على النفس بقهر شهواتها، ثم تمتد إلى الانتصار على الأعداء لكسر شوكتهم.

ولهذا لم يكن غريبا أن يكون شهر رمضان زمانا لانتصارات عديدة حققها الصائمون فيه ومن تلك الانتصارات انتصار بدر فى السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة, وفتح مكة فى العاشر من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، وانتصار القادسية فى رمضان فى السنة الخامسة عشرة للهجرة, وفتح الأندلس فى رمضان عام اثنين وتسعين للهجرة، وانتصار حطين فى رمضان سنة خمسمائة وأربع وثمانين للهجرة، وانتصار عين جالوت فى رمضان سنة ستمائة وخمس وثمانين للهجرة، وانتصار رمضان أكتوبر المجيد الذى نحتفى به فى أيامنا هذه، وسوف تظل انتصارات رمضان مستمرة، ليس فى مجال الحروب والمواجهات القتالية وحدها، بل فى مجال تحقيق الإنجازات الحضارية التى تستهدف الانتصار على الفقر تدفعهم للتصادم والتقاتل مع بعضهم، إن الانتصارات الجديدة التى سوف تتحقق فى رمضان سوف تكون انتصارات فى صناعة السلام، والرخاء واستخراج بركات الله من أرض الله، ولن تفنى انتصارات رمضان أو تنتهى إلى يوم الدين .

 

    الاكثر قراءة