الأربعاء 26 يونيو 2024

من إنجازات ثورة يوليو .. مسرح البالون تاريخ مزدهر من الفنون الشعبية والاستعراضية

11-6-2017 | 13:20

كتب : محمد جمال كساب .. تصوير: صبرى عبداللطيف

مسرح البالون هو أحد أهم القلاع الثقافية والتنويرية، ليس فى مصر فحسب، بل فى الوطن العربى عامة، ذلك لتاريخه الذى تجاوز نصف قرن من الزمان، حيث تم إنشاؤه خلال حقبة الستينيات، تلك الفترة التى مثلت عصراً ذهبياً للمسرح وللفن المصرى بشكل عام، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم مرَّ المسرح بمنعطفات كثيرة، سواء أكانت انتكاسات أم قوة ونهضة، وتناوب على رئاسته أجيال مختلفة من الفنانين، كان لبعضهم بصمات واضحة فى تطويره ورقيه، كما كان المسرح شاهداً على إهمال البعض الآخر له، وبين هؤلاء وهؤلاء مازال «البالون» واقفاً بشموخ، متحدياً الزمن، بعد أكثر من عملية تطوير تعرض لها لتعيد له شبابه الذى ظن البعض أنه ذاهب بلا رجعة!

فكرة وتاريخ مسرح البالون

يعد مسرح البالون أحد الإنجازات المهمة لثورة يوليو 1952 وللرئيس جمال عبدالناصر. وُلدت فكرة إنشائه عام 1960 أثناء مكالمة هاتفية بين الفنان الكبير يوسف وهبى، والفنان السيد بدير المستشار الفنى لفرق التليفزيون المسرحية وتطرقا فى حديثهما عن أعجوبة معمارية فنية تتمثل فى بناء مسرح على شكل «بالون» قابل للفك والتركيب فى وقت قصير، وتحريكه من مكان لآخر بسرعة كبيرة، وأن هذا المسرح معروض للبيع فى دولة إيطاليا بمبلغ 39 ألف دولار فأعجبا بهذه الفكرة الرائعة وعرضاها على د. عبدالقادر حاتم، وزير الثقافة والإرشاد القومى، وحسن حلمى مدير عام التليفزيون، وتم الاتفاق على شرائه عام 1961، حيث وصل بحراً إلى الإسكندرية، وتم تركيبه هناك فى منطقة كوم الدكة.

وبدأ عمل المسرح للمرة الأولى بمناسبة إطلاق المهرجان الأول للتليفزيون بعروض لفرق «رضا للفنون الشعبية» و«القاهرة الاستعراضية» و«الأنوار اللبنانية»، بعد ذلك تم نقله وتركيبه فى أرض مسرح «السامر» وقدِّم عليه أول عروض الفرقة الغنائية الاستعراضية التى وُلدت فى تلك الفترة، وفى عام 1962 تم نقله إلى مكانه الحالى بمنطقة العجوزة، حيث شكل مع السيرك القومى ومسرح السامر وفرق قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية أكبر مجمع فنى ثقافى للفنون الشعبية والاستعراضية فى المنطقة العربية، حيث قدِّمت عليه مئات المسرحيات لكبار الفنانين والتى حققت نجاحاً كبيراً محلياً ودولياً بغوصه فى أعماق التراث المصرى منذ أجدادنا الفراعنة حتى الآن، محافظاً عليه، مازجاً إياه بالفنون المعاصرة، وفى 12 نوفمبر 1966 أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قراراً بنقل تبعية مسرح البالون إلى مؤسسة فنون المسرح والموسيقى.

حريق «البالون» وعلاجه

فى مأساة هزت الوسط الفنى بالكامل، تعرض المجتمع الثقافى «مسرح البالون - السامر - السيرك» لحريق ضخم عام 1975، أتت فيه النيران على كل شىء، فتقدم يوسف السباعى وزير الثقافة بطلب إلى ممدوح سالم رئيس الوزراء من أجل ترميم ما التهمته الحرائق وتطوير المسرح، فاعتمد الأخير مبلغ «100» ألف جنيه لهذا الغرض، وبعدها بشهور تم افتتاحه ليمارس دوره التنويرى فى الحفاظ على تراثنا الفنى والثقافى كما كان.

التطوير الثانى

وبمرور الوقت تعرض مسرح البالون للإهمال الشديد، حتى تهالكت أجهزته وكراسيه وخشبته ومبانيه والشكل الخارجى له، وصارت تغطيه الأقمشة البالية المهترئة، حتى تولى المخرج الكبير عبدالرحمن الشافعى رئاسة قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، وطلب من فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق حينذٍ إصدار قرار بتطويره لإنقاذه من الحالة السيئة التى أصبح عليها.

وبالفعل تم إصدار قرار وزارى ورصد مبلغ ثلاثة ملايين جنيه لتطويره، بما يشمل إنشاء مدخله الرئيسى المستمد من اللغة التشكيلية المعمارية للقاهرة القديمة، وارتفعت أبراجه وتداخلت مع مسطحات الزجاج والحديد الذى تم إضافته لتضفى صبغة مميزة له، كما تم تطوير قاعة المسرح الرئيسية وتغطية السطح الخارجى له بألواح البولى كربونات المصنوعة فى إنجلترا أحدث تقنيات العصر فى مجال تغطية الفراغات العامة بمسطح 300م2، حيث تتميز بأعلى معدلات العزل الصوتى والحرارى، شديدة المقاومة للحريق ومختلف العوامل الجوية وتم تجهيز الصالة والمسرح بالتكييف المركزى2017.

ومنذ تلك الفترة والحال على ما هى عليه، فلم تطله يد التطوير أو التجديد، واقتصر الأمر على الإهمال، حسب قول مديره محمد خبازة، الذى قال إنه لم يتطور منذ أكثر من عشرين عاماً وقت رئاسة المخرج عبدالرحمن الشافعى «البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية»، حيث كان فى حالة سيئة جداً سواء فى خشبة المسرح وصالة الجمهور والأجهزة القديمة المتهالكة التى كانت تعمل بالحبال، والنظام اليدوى الذى انتهى من العالم كله، فضلاً عن تعرضه للحريق فى عام 2016، حتى صدر قرار من د. سيد خاطر رئيس قطاع الإنتاج الثقافى بتطوير «البالون» ورصد الميزانية التى وصلت إلى ستة ملايين جنيه، تم بها إجراء تطوير شامل لخشبة المسرح لتعمل أوتوماتيكياً بأحدث الأجهزة فى الصوت والإضاءة والجرافيك، كما تعرضت صالة العرض التى كانت على شكل مدرجات مرتفعة تعيق الجمهور أثناء الدخول والخروج، لتغيير شامل، فصارت على مستوى منحدر لتعطى الراحة، مع زيادة عدد الكراسى من 750 لتصبح 850 كرسياً، ووضع أحدث أجهزة الإنذار الآلى ضد الحرائق بشهادة إدارة الدفاع المدنى بوزارة الداخلية أثناء عملية تفقد المسرح، وتحديث التكييف المركزى وتغيير الموكيت والأرضيات ورفع كفاءة غرف الفنانين والحمامات ومدخل المسرح وواجهته ووضع خطة لصرف مياه السيول والأمطار من خلال شبكة صرف متكاملة بكل محيط المسرح.

وأكد محمد خبازة أن مجموعة متميزة من المهندسين والفنيين المتخصصين بقطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، منهم محمد صافى مدير الإدارة الهندسية وكمال المصرى مدير إدارة الإنتاج بالقطاع، كانت لهم مساهمة بارزة فى عملية تطوير المسرح، ليعاد افتتاحه مساء الخميس، 11 مايو 2017، بحضور حلمى النمنم وزير الثقافة ليعود البالون، مقدماً الفن الراقى ليخدم سبع فرق بقطاع الفنون الشعبية والاستعراضية ورضا القومية والاستعراضية وأنغام الشباب وتحت 18 والقومية للموسيقى الشعبية والسيرك.

وفى ليلة الافتتاح قــدِّم على المسرح أوبريت «بيت الفن» تأليف حمدى نوار بطولة مروة ناجى ومحمد القماح، إخراج د. عادل عبده، مخرج منفذ أشرف عزب وشارك فيه أكثر من 500 فنان وراقص، تناول تاريخ القطاع ورموزه بكل التخصصات بشكل غنائى استعراضى إبهارى يدعو لحب الوطن والعمل من أجل نهضته.

وعلى هامش لقائنا مع خبازة أعلن أن الخطة المقبلة تشمل تطوير مسرح «محمد عبدالوهاب» بالإسكندرية التابع لقطاع الفنون الشعبية، وجارٍ تفريغه من محتوياته، حيث يستغرق ستة أشهر، وتقوم بعملية التطوير الهيئة القومية للإنتاج الحربى، بعدها يبدأ تطوير مسرح جمصة.